مع بداية الأزمة الخليجية في يونيو الماضي ظهر الموقف الأمريكي متناقضا فبينما تسعى وزارتا الدفاع والخارجية إلى التهدئة كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ينحاز إلى طرف على حساب آخر.

وخرج ترامب على موقع تويتر بتغريدات عبر فيها عن موقفه المنحاز لدول الحصار وخاصة السعودية التي وقعت معه قبل أيام من الأزمة اتفاقات اقتصادية وعسكرية بأكثر من 460 مليار دولار في صفقة عدها البعض من أكبر الصفقات في التاريخ.

وقال ترامب في تغريداته :”خلال زيارتي الأخيرة للشرق الأوسط قلت إنه لا يمكن أن يستمر تمويل الفكر المتطرف، فأشار الزعماء إلى قطر”.

تلك التصريحات جعلت دول الحصار تذهب إلى أن الموقف الأمريكي مؤيد للقرارات التي اتخذتها الدول الأربع وأن حصارها لقطر ربما سيؤتي ثماره في وقت قصير بفضل التعاون مع الرئيس الأمريكي ومئات المليارت التي دفعتها الرياض.

ولكن وعلى خلاف ما ذهب إليه ترامب كان موقف المؤسسات الأمريكية أكثر وضوحا وتناغما حيث عبرت وزارتا الدفاع والخارجية الأمريكية والبيت الأبيض عن رفضهم الحصار السياسي والاقتصادي والبري والجوي الذي نفذته كل من السعودية والإمارات والبحرين مصر ضد قطر.

وقال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إن “الحصار الذي تفرضه دول خليجية على قطر غير مقبول، والأزمة نتيجة لتفاقم الخلافات بين تلك الدول” ، وشدد على أهمية وحدة الخليج بالنسبة لواشنطن وأن الجلوس على طاولة الحوار هو السبيل لنزع فتيل الأزمة.

كما جاءت تصريحات وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس متوافقة مع وزارة الخارجية وقال ماتيس أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ “إن قطر تسير في الاتجاه الصحيح فيما يتعلق بمكافحة تمويل التطرف” وهو بذلك يخالف الرأي الذي ذهب إليه الرئيس دونالد ترمب.

وبينما كانت تعول دول الحصار على دونالد ترامب كانت علاقة الدوحة بالمؤسسات الأمريكية أكثر قوة ومتانة وهو ما عبر عنه وزير الخارجية القطري في حوار مع صحيفة “لوتيمب” السويسرية والتي أشار فيها إلى أن بلاده لا يعنيها تغريدات ترمب، وأن وجهة نظر الولايات المتحدة هي وجهة نظر وزارة الخارجية أو غيرها من الوكالات أو الهيئات الرسمية، “لذلك نحن لا نلتفت أو نحاول تفسير تغريدات الرئيس الأمريكي أو حتّى التكهّن بسياقها”.

وهنا يبرز دور التأرجح في الموقف الأمريكي والتباين الواضح بين الرئاسة من جهة ومؤسسات الدولة من جهة أخرى في استمرار الأزمة الخليجية والحصار الذي تفرضه على قطر.

ومع استمرار الأزمة الخليجية وصعوبة التوصل إلى حل قررت واشنطن تعليق التدريبات العسكرية التي تجريها سنويا بين قوات أمريكية وقوات من دول مجلس التعاون الخليجي للقيام بعمليات تدخل جماعي متعددة الجنسيات.

القرار ربما يبرره الانقسام الخليجي وعدم وجود تجانس ميداني خاصة أن القوات الخليجية تشارك جنبا إلى جنب وهو ما يصعب تحقيقه في ظل الأزمة المتصاعدة، كما يصعب على الأمريكيين التدخل في حال نشوب أي خلافات بين القوات الخليجية.

صفعة على وجه بن سلمان

وقالت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إن كبار المسؤولين الأمريكيين، حاولوا إقناع الحلفاء العرب بإنهاء الحصار المفروض على قطر، لافتة إلى أنّ إغلاق الحدود البرية للبلاد الغنية بالطاقة، وطرقها الجوية والبحرية، أثر على اقتصادها.

ووصفت الصحيفة، تعليق واشنطن، التدريبات العسكرية، بأنّه “ضربة” لدول الخليج، كما اعتبر أندرياس كريج الخبير بالمعهد الملكي للدراسات العسكرية في لندن”التأنيب” من جانب البنتاجون بمثابة صفعة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تحديدا، الذي يعد أحد مهندسي الحصار على قطر.

كما يعد قرار وقف التدريبات العسكرية مع دول مجلس التعاون الخليجي قرارا يحمل في طياته معاني كثيرة خاصة أن مثل هذا القرار لا يمكن أن يتم من دون موافقة البيت الأبيض كما يعد رسالة واضحة لدول الحصار الخليجي التي تتجاهل دعوات واشنطن منذ أكثر من أربعة أشهر لإنهاء الأزمة الخليجية.

تركيا في الصورة

وعلى صعيد العلاقات الدولية ربما يفسر تصاعد العلاقات الكبير بين قطر وتركيا منذ بداية الأزمة الخليجية إقدام واشنطن على اتخاذ خطوات من شأنها سحب البساط من تحت أقدام أنقرة وتحسين العلاقات مع الدوحة التي يتواجد فيها أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط.

وقد أثبتت العلاقات القطرية التركية قوتها من خلال المواقف التي أبدتها حكومة أنقرة عقب قرار الحصار الذي فرضته الدول الأربع على الدوحة كما ساهمت تركيا في الحد من تبعات هذا الحصار وأقامت جسرا جويا لإمداد الدوحة بالمنتجات الغذائية.

وربما شعرت الولايات المتحدة أن نفوذها في الشرق الأوسط بدأ يتضاءل خاصة بعد الدور الذي لعبته تركيا في الأزمة وتقاربها الكبير مع قطر وتفعيل الاتفاقية العسكرية مع الدوحة.

يضاف إلى ذلك أيضا زيارة الملك سلمان إلى روسيا وعقد صفقات لشراء أنظمة تسليح روسية وفي المقابل لا تريد الولايات المتحدة بناء علاقات قوية بين الدولتين حيث تريد الاستئثار بعلاقات قوية مع الشرق الأوسط في ظل الصراع الأبدي بين روسيا وأمريكا.

ويمكن أيضا تفسير وقف التدريبات بأن الولايات المتحدة أرادت معاقبة المملكة على تقاربها مع روسيا.