لماذا يقبل الديموقراطيون تبرعات من عائلة “فاليك” أبرز الداعمين لسياسات إسرائيل العنصرية؟

نشرت وكالة “أسوشيتد برس” الشهر الماضي تحقيقاً حول “المساهمات الخيرية” لعائلة “فاليك” الشهيرة، والتي تمتلك متاجر السوق الحرة في أكثر من 180 مطاراً في الأميركتين، الشمالية والجنوبية.

وقد أظهر التحقيق المساهمات الخيرية والتبرعات التي ساهمت بها العائلة على مدار السنوات العشر الماضية داخل إسرائيل، حيث تم التبرع بحوالي 5.6 مليون دولار على الأقل لخدمة القضايا اليمينية المتطرفة، وذلك من خلال مؤسسة “سيجال” في إسرائيل.

وبحسب التحقيق، فإن معظم هذه التبرعات يتم تحويلها عن طريق شركات “بنمية” لإخفاء مصدرها الحقيقي وذلك لانعدام الشفافية، وقد أشارت “أسوشيتد برس” إلى أن “انعدام الشفافية هناك يجعل تعقب تبرعاتهم أكثر صعوبة”.

ومع ذلك، استطاعت “أسوشيتد برس” بصورة أو بأخرى الكشف عن معلومات “مقلقة” حول المستفيدين مما وصفته “سخاء” آل “فاليك”، وذلك من خلال فخص السجلات العامة الإسرائيلية.

على سبيل المثال، لقد تبرعت العائلة بأكثر من مليون دولار لمنظمة “عطيرت كوهنيم”، وهي جماعة إسرائيلية، متهمة بالقيام بمعاملات عقارية الهدف منها طرد الفلسطينيين من منازلهم في قلب مدينة القدس القديمة الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، واستبدالهم بالإسرائيليين المتدينين، والقوميين اليهود.

التحقيق كشف أيضاً قيام عائلة “فاليك” بالتبرع بحوالي مليون دولار إلى مؤسسات مختلفة تتبنى سياسة الاستيطان الإسرائيلي غير الشرعي المعادي للفلسطينيين في الخليل، وتدعمه بقوة، كما تدعم النشاطات المرتبطة بالناشط اليميني المتطرف “باروخ مارزل”، وهو مساعد سابق لـ “مائير كاهانا”، مؤسس منظمة “كاخ” التي تصنفها الولايات المتحدة الأمريكية كمنظمة إرهابية”.

آل “فاليك” قاموا أيضاً بالتبرع بأكثر من 100 ألف دولار أمريكي لمنظمتان تدعمان هدم المسجد الأقصى في القدس -ثالث الحرمين الشريفين- بمعبد يهودي.

بالإضافة إلى التبرعات “الخيرية” السابقة، إن صح اعتبارها “خيرية”، فإن آل “فاليك” يعتبروا من أكثر المؤسسات تبرعاً ودعماً لرئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي “بنيامين نتنياهو”، والذي أسفرت حروبه وهجماته المتكررة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر عن مقتل أكثر من 1000 مدني، فضلاً عن كونه من أشد المعارضين لقيام دولة فلسطينية.

إن التبرعات التي تزيد قيمتها عن 100 ألف دولار أمريكي تجعل من آل “فاليك” أكبر متبرع لخزائن نتنياهو.

التحقيق كشف أيضاً أن أفراد عائلة “فاليك” لا يحاولون فقط تعزيز أجندتهم اليمينية المتطرفة عن طريق دعم المؤسسات والسياسيين الإسرائيليين وحسب، بل يقومون أيضاً بالمساهمة بصورة كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يقدمون أكثر من 1400 مساهمة يصل مجموعها إلى أكثر من 4.2 مليون دولار منذ عام 1996، وفقًا للبيانات التي تم مشاركتها مع “العربي الجديد” من قبل مركز (Responsive Politics).

من خلال حصر تلك التبرعات التي حصرها المركز نجد أن أفراد عائلة “فاليك” قاموا بالتبرع بما مجموعه 2.4 مليون دولار (أي 57.2٪ من قيمة تبرعاتهم) للمرشحين الجمهوريين واللجان ومراكز المساعدة الانتخابية.

في المقابل، تم التبرع بما مجموعه 1.3 مليون دولار (أي 30.3٪) للمرشحين الديموقراطيين، بينما تم التبرع بالنسبة الباقية وهي 12.5٪ للمرشحين المستقلين.

ورأي التحقيق أنه ليس من المستغرب أن تسعى الأسرة التي تدعم القضايا الإسرائيلية المتطرفة إلى دفع أجندتها السياسية في الولايات المتحدة من خلال المساهمة بأغلبية تبرعاتها السياسية إلى الحزب الجمهوري، وذلك للتعاطف “الجمهوري” الكبير مع الإسرائيليين، أكثر منه مع الفلسطينيين، فبحسب استطلاع أجراه مركز “بيو” للأبحاث” عام 2018، وُجد أن الفارق كبير بين تعاطف الجمهوريين مع الإسرائيليين إلى الفلسطينيين، حيث أظهرت النتائج 79 مقابل 6 فقط مع الفلسطينيين.

التعاطف الجمهوري كان مُطعماً بسياسات دونالد ترامب، حيث اتبعت إدارة ترامب أكثر السياسات تحيزاً، من أي إدارة سابقة، للأجندة الإسرائيلية، حيث قامت بنقل السفارة الأمريكية إلى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، كما قامت بقطع المساعدات الاقتصادية عن الفلسطينيين ومنظمة الأونروا، بالإضافة إلى إغلاق سفارة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

يُذكر أن ترامب كان قد تلقى تبرعات بأكثر من 32 ألف دولار من أفراد عائلة “فاليك” عام 2018.

“أسوشيتد برس” عبرت في تحقيقها عن دهشتها من قيام بعض أفراد عائلة “فاليك” بالتبرع بسخاء للمرشحين الديموقراطيين واللجان التابعة لحزبهم، على الرغم من اعتناق قاعدة الحزب الديمقراطي وبعض الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس بصورة واضحة أفكاراً تؤيد الحقوق الفلسطينية وتنادي بها.

مع ذلك، بالنظر إلى توزيع تلك التبرعات على المرشحين الديموقراطيين، نجد أن المساهمات “الخيرية” تذهب معظمها إلى الديموقراطيين المعروف عنهم دعمهم الثابت للسياسات الإسرائيلية، بخلاف بقية أعضاء الحزب الديموقراطي، فضلاً عن الجمهوريين المؤيدين لإسرائيل.

على سبيل المثال، تشمل تبرعاتهم للديموقراطيين، رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية السابق النائب صاحب السمعة السيئة ديبي فاسرمان شولتز (بمبلغ 66.500 دولار)، وهو صاحب مشروع قانون “مكافحة مقاطعة” إسرائيل، والذي إذا طُبق لكان يمكن أن يسجن أشخاصًا لمدة 20 عامًا في حال قاموا بمقاطعة إسرائيل على خلفية دعمهم للحقوق الفلسطينية.

التبرعات شملت أيضاً النائب خوان فارغاس (بمبلغ 60.600 دولار)، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية إليوت إنجل (بمبلغ 37.100 دولار)، والعضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية السيناتور بوب مينينديز (بمبلغ 28600 دولار)، والنائب الثاني المؤيد لإسرائيل جوش جوتهايمر (بمبلغ 21600 دولار)، ورئيس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط، المنبثقة من لجنة الشؤون الخارجية تيد دويتش (بمبلغ 13300 دولار)، والنائب المؤيد لإسرائيل لويس فرانكل (بمبلغ 12600 دولار).

وطالب التحقيق أعضاء الكونغرس المؤيدين لإسرائيل، أن يقدموا تبريرات حول الأسباب التي تجعلهم يقبلون مبالغاً طائلة من عائلة “فاليك”، والتي تتبنى بصورة ما حملة تشريد الفلسطينيين من ديارهم وتعزز من السياسات الاستعمارية الإسرائيلية.

التحقيق تناول أيضاً قيام أسرة “فاليك” بتقديم أكثر من 200 ألف دولار إلى لجنة “الحملة الديموقراطية في الكونغرس”، وهي مؤسسة بارزة توفر رؤية “حاسمة” إلى حد ما لاختيار المرشحين الديموقراطيين لمجلس النواب.

وتساءل التحقيق عن الأسباب التي تجعل اللجنة تقبل التبرعات من عائلة يتعارض برنامجها الحزبي بصورة كلية مع أجندتها السياسية فيما يتعلق بإسرائيل والشعب الفلسطيني، حيث يدعم البرنامج الحزبي للديموقراطيين إقامة دولة فلسطينية “توفر للفلسطينيين الاستقلال والسيادة والكرامة”؟

كما تساءل التحقيق عن الأسباب التي تجعل من تلك اللجنة أن تقبل عن طيب خاطر أموالاً من عائلة من المفترض أنها أكبر داعم ومؤيد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياه ، الذي حاول مرارا وتكرارا الحط من باراك أوباما بكل الطرق، والتي كانت أبرزها تآمره مع الجمهوريين في مجلس النواب لتقويض حكومة أوباما علنا توقيع إنجاز السياسة الخارجية – خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران؟

الأمر الأكثر إثارة للدهشة، هو أن تبرعات عائلة “فاليك” للديموقراطيين شملت أيضاً عدد من أعضاء الكونغرس المعروف عنهم مواقفهم الحازمة والجريئة لدعم الحقوق الفلسطينية.

على سبيل المثال، تلقى النائب خواكين كاسترو، مبلغ 28.600 دولار من أفراد عائلة “فاليك”، رغم أنه وأحد رعاة القرار الذي يعيد تأكيد حق “التعديل الأول” للأشخاص في “المقاطعة” – ويمنحهم الرد على الجهود التشريعية الرامية إلى تجريم المقاطعة من أجل حقوق الفلسطينيين.

كذلك تلقى الرئيس السابق للكونغرس والناخب المؤيد بقوة للفلسطينيين منذ سنوات عديدة، النائب راؤول جريجالفا، مبلغ 15600 دولار من “فاليك”، كما تلقى السناتور كريس فان هولين، مبلغ 2700 دولار، وهو الذي ألقى خطابًا قاطعًا في مجلس الشيوخ مؤيدًا للحق في مقاطعة إسرائيل من أجل الدفاع عن الحقوق الفلسطينية.

واختتمت الوكالة تحقيقها بدعوة لأعضاء الكونغرس الديمقراطيين الذين يدعمون حقوق الإنسان الفلسطينية بالتوقف عن أخذ أي تبرعات أخرى من عائلة تقوم بتمويل سياسة إسرائيلية عنصرية واستعمارية تتعارض مع قيمهم ومواقفهم السياسية، بل طالبوهم بإعادة التبرعات السابقة.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا