لم يعد بوسع أهالي المعتقلين السعوديين بسجون محمد بن سلمان التزام الصمت بعد الأنباء التي تتسرب بين الحين والحين من غياهب المعتقلات بالأوضاع المأساوية التي يعيش في ظلها المعتقلون المعارضون للنظام الاستبدادي بالبلد الذي يعد آخر بقايا ممالك العصور الوسطى وأزمنة العبودية.

ومنذ أن تولى ابن سلمان السلطة في البلاد، فإن سياسته التي لا تتسامح مع النقد هي إسكات وقتل المخالفين بكل طريقة ممكنة، سواء كانوا داخل البلاد أو خارجها، وليس أدل على ذلك من جريمة تصفية الصحفي المعارض جمال خاشقجي نهاية العام 2018 في سفارة بلاده بمدينة اسطنبول التركية، وما صاحب ذلك من فضيحة عالمية لمملكة ابن سلمان المستبدة.

وتصدرت في تلك الآونة خطيبة الضحية خاشقجي، خديجة جنكيز التركية التي كان قد خطبها قبل أشهر من تصفيته. ونال جنكيز ما نالها من الاستهداف الإعلامي والمعنوي لها، والذي تجاوز في انتهاكاته كافة أعراف المجتمع العربي وأخلاقه، وبدا أن مملكة ابن سلمان لا تعرف خطا أحمرا، سواء كان دما أو عرضا أو شرف خصومة.

أهالي المعتقلين السعوديين يكشفون جانبا من معاناة ذويهم بالسجون

كان الهدف من الهجوم على جنكيز هو ترسيخ فكرة أن أي شخص من عائلات المعتقلين أو الضحايا سيفكر في التصدر الإعلامي للدفاع عن ذويه سوف يكون مصيره الاغتيال المعنوي بكل شراسة وضراوة، وهي الرسالة التي فشلت أنظمة القمع السعودية في تمريرها إلى أهالي المعتقلين الذين انبروا للدفاع عن أهلهم بكل طريقة ممكنة، حيث طالب أهالي المعتقلين بالكشف عن أسماء أبنائهم وبناتهم المسجونين والانتهاكات التي يتعرضون لها، دعما لجهود معتقلي الرأي لإنهاء الظلم وتحقيق الكرامة.

الدخيل نموذجا

وفي مقال له بصحيفة “USA TODAY” الأمريكية، سرد عبد الحكيم الدخيل قصة اعتقال والده عبدالعزيز الدخيل المختفي في السجون السعودية، قائلاً إنه في الليلة التي اعتقل فيها والدي الاقتصادي عبد العزيز الدخيل العام الماضي ، اقتحمت السلطات منزلنا بالقوة العسكرية. صادروا وثائق والدي وأمواله وأصوله وجمّدوا حساباته المصرفية. ثم اختفى داخل سجن “أمن الدولة”.

وتابع الدخيل بقوله: “والدي خبير اقتصادي ومالي كان دائمًا مثالًا للمواطن الملتزم بالقانون. شغل منصب نائب وزير المالية في السبعينيات ، لكنه استقال في عام 1979 لأنه أدرك حجم الفساد في البلاد وأعمق مشاكل الحكم فيها. كانت “جريمته” الوحيدة هي ممارسة حرية التعبير ، ومدح المعارضين المسجونين، والإشادة بالشفافية والمساءلة والديمقراطية”.

واستطرد بالقول إنه “منذ عام 2015 ، عندما تولى فرع سلمان من العائلة مقاليد السلطة، نفذ بشكل منهجي سياسة عدم التسامح مطلقًا مع النقد الذي طمس كل مساحة التنفس للخطاب العام بين الكتاب والمثقفين السعوديين. تم إسكات المفكرين الناقدين ، مثل جمال خاشقجي ، بالتهديدات والسجن والقتل، وتحول المجتمع السعودي إلى غرفة صدى عملاقة للإشادة بولي العهد والاحتفاء به”.

وكشف عبد الحكيم الدخيل أن والده محتجز حاليا في سجن الحائر جنوب الرياض، وكان قد اعتقل في رمضان الماضي، مع اثنين آخرين ، بتهمة تكريم الإصلاحي عبد الله الحامد، الذي توفي مؤخرًا في السجن. وأعلن نجل الدخيل في مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع أن والده محتجز في سجن الحائر، وأن سبب اعتقاله هو تغريدة تطالب بالحرية والعدالة.

أهالي المعتقلين السعوديين يكشفون جانبا من معاناة ذويهم بالسجون

ويعد الدكتور عبد العزيز الدخيل من أبرز السعوديين الذين حصلوا على درجتي الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد من جامعة إنديانا بلومنجتون بالولايات المتحدة الأمريكية في عامي 1969 و 1973 وعمل مدرسًا مساعدًا في الاقتصاد في نفس الجامعة.

ولدى عودته إلى السعودية عمل في الوظائف الحكومية حتى أصبح وكيل وزارة المالية والاقتصاد الوطني للشؤون المالية والحسابات. في عام 1979 م استقال الدكتور الدخيل من العمل الحكومي وأنشأ المركز الاستشاري للاستثمار والتمويل بالرياض.

دعم حقوقي

وفي المجال الحقوقي السعودي، تبرز منظمة معتقلي الرأي، المعنية بشؤون المعتقلين في المملكة العربية السعودية، عبر حسابها على تويتر، والتي تتابع باستمرار أخبار المعتقلين ومحاكماتهم، وتنشر تطوراتها، وأكدت مؤخرا تدهور صحة ثلاثة من الكتاب والناشطين قبل أشهر، وهم: عقل الباهلي ، وعبد العزيز الدخيل ، والمحامي سلطان العجمي.

الكتاب الثلاثة تم اعتقالهم بتهمة تكريم الإصلاحي عبد الله الحامد، الذي توفي في زنزانته في 24 أبريل 2013، في أول أيام رمضان ، بسبب ما وصفته منظمات حقوقية سعودية بـ “الإهمال الطبي المتعمد”، مما حدا بالكتاب الثلاثة إلى نشر تأبين على منصات التواصل الاجتماعي حزنًا على الحامد الذي يوصف بـ “زعيم الفقهاء والإصلاحيين السعوديين”، وقدم الكتاب الثلاثة تعازيهم لأسرة الحامد، وتحدثوا عن صفاته، فيما أشار أحدهم إلى أنه تحدث مع الناشط الراحل عبر الهاتف قبل أيام من وفاته.

وكان الحامد من أبرز دعاة الإصلاح في المملكة ، ومن مؤسسي مشروع HASEM (الجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية)، ويبلغ من العمر 70 عامًا، وأصيب بجلطة دماغية ودخل في غيبوبة بعد اعتقاله الأخير في مارس 2013، عندما حكم عليه بالسجن 11 عامًا، حيث رفضت السلطات إطلاق سراحه رغم تقدمه في السن.

اتهامات فضفاضة

وإذا أثار اتهام الكتاب الثلاثة بتأبين الحامد الاستغراب، فإنه من الأكيد أن الأكثر إثارة للاستغراب هو أن العشرات من النشطاء والمعارضين ومنتقدي الحكومة والمثقفين والمدافعين عن حقوق الإنسان في السعودية يتعرضون للاعتقال التعسفي والمحاكمة لمجرد التعبير عن آرائهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

يأتي ذلك في الوقت الذي تحاول فيه السلطات السعودية حاليًا تحسين سمعتها في وسائل الإعلام ومن خلال تثبيت مواقفها السياسية والدبلوماسية مع دول أخرى في محاولة لاسترضاء الرئيس الأمريكي الجديد الذي هدد بجعل السعودية منبوذة.

اقرأ أيضًا: خاشقجي جديد على الطريق.. القاتل سعودي والسكين مغربي!