سجادة حمراء، تصفيق حار، أعلام باللونين الأزرق والأبيض في كل مكان، كانت هذه مظاهر انتظار وصول أول دفعة من اللاجئين اليهود الأوكرانيين إلى إسرائيل كجزء من عملية إنقاذ ضخمة أعقبت الغزو الروسي لأوكرانيا أواخر الشهر الماضي.
هبط حوالي 400 شخص على متن أربع رحلات جوية قادمة بولندا ومولدوفا ورومانيا في تل أبيب يوم الأحد، من بينهم 100 طفل كانوا يعيشون في دار أيتام يهودي في مدينة جيتومير الشمالية.
شعر معظم الوافدين الجدد بارتياح واضح لوصولهم إلى بر الأمان؛ وكالعادة، لمس العديد من الناس الأرض وقبلوها بعد النزول مباشرة.
لم يزر هؤلاء الوافدون الجدد إسرائيل من قبل، ولم يتخيلوا أبداً أنهم سيهجرون إلى إسرائيل كما يفعل الكثير من اليهود حول العالم – هجرة اليهود من الشتات إلى إسرائيل التي يعتبرونها أرض الميعاد-. ولكن بعد إعلان روسيا العملية العسكرية ضد جارتها، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، إذ انطلق اليهود نحو الأراضي التي أقامت إسرائيل دولة عليها منذ أكثر من 70 عاماً.
قال يوهور سيريدا -شاب أوكراني يبلغ من العمر 17 عامًا ويهوى البرمجة- الذي فر من كييف مع والده وجده: “إسرائيل ليست كما توقعت… حسنًا، لم أكن أعرف حقًا ما الذي يجب أن أتوقعه”، بعد رحلة محفوفة بالمخاطر إلى الحدود البولندية، تناوب الثلاثي لمدة يومين على الوقوف في طابور والقيلولة في السيارة قبل السماح لهم بالعبور. في وارسو، تم لم شملهم مع والدة سيريدا وشقيقتيه الصغيرتين، كانا يقضيان عطلة في مصر عندما اندلعت الحرب لذلك قاموا بانتظارهم في وارسو.
أضاف سيريدا “أخذت حاسوبي المحمول وحقيبة ظهر وضعت فيها بعض ملابسي… كانت القيادة بالاتجاه خارج كييف مرعبة للغاية: كانت هناك انفجارات في كل مكان… شعرت وكأنني كنت في فيلم”.
قُتل حوالي مليون يهودي أوكراني في الهولوكوست، لكن أوكرانيا وروسيا لا تزالان موطنًا لمجتمعات يهودية كبيرة، في هذا الصدد، قالت وزيرة الداخلية الإسرائيلية أييليت شاكيد يوم الثلاثاء إن الدولة تستعد لاستقبال ما يصل إلى 100 ألف يهودي من البلدين والجمهوريات السوفيتية السابقة الأخرى بعد اندلاع الحرب الأوروبية الجديدة في إطار عملية “الضمان الإسرائيلي” لإنقاذ يهود أوكرانيا.
وبحسب التصريحات الرسمية الإسرائيلية، سيُسمح لما يصل إلى 5000 أوكراني غير يهود بالدخول إلى إسرائيل، وسيتمكن 20 ألفًا آخرين ممن وصلوا قبل القتال من البقاء مؤقتًا، كما ألغيت سياسة -لطالما واجهت انتقادات- لإجبار المواطنين الأوكرانيين أو مضيفيهم الإسرائيليين على دفع كفالة بقيمة 10 آلاف شيكل (2330 جنيه إسترليني) عند الوصول إلى مطار بن غوريون.
استقبال الأوكرانيين اليهود في إسرائيل يأتي تحت مظلة ما يسمى بقانون العودة، وهو قانون يمنح للأشخاص المولودين من اليهود، أو المتحولين إلى الدين اليهودي وأزواج الشعب اليهودي وأولئك الذين لديهم آباء أو أجداد يهوديون الحق في الانتقال إلى إسرائيل والحصول على الجنسية الإسرائيلية.
في المقابل، لا ينطبق هذا القانون على الفلسطينيين، الذين اضطر أجدادهم إلى الفرار من أراضيهم التي احتلتها إسرائيل منذ عام 1948، والذين يطالبون بحق العودة منذ عقود، لكن السلطات الإسرائيلية تعاملهم بعنصرية وتمييز شديدين، وترفض منحهم هذا الحق.
منذ عام 1950، شهدت إسرائيل عدة موجات من الهجرة الوافدة من دول مثل السودان وإثيوبيا واليمن، ومع ذلك، فإن عملية “الضمان الإسرائيلي” هي مهمة طارئة لم يشهد لها مثيل منذ تدفق أكثر من مليون شخص بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1989.
في فندق أربع نجوم بجوار محطة الحافلات الرئيسية في القدس الغربية يوم الأربعاء، كان البهو والمطعم في حالة فوضى، إذ تُركت حقائب وأكياس من الملابس بجوار الأرائك في وقت تداخلت فيه أصوات المهاجرون الجدد والذين كانوا يتحدثون عبر هواتفهم المحمولة باللغتين الأوكرانية والروسية لأحبائهم، ومن ناحية أخرى كان المحامين يفرزون أوراقهم، بينما ركض الأطفال الصغار للعب، والمراهقون يصنعون مقاطع فيديو على TikTok.
كان موظفو وزارة الهجرة والمترجمون الفوريون على استعداد للمساعدة، لكن بالنسبة إلى إيغور فيدياييف، من مدينة زابوريزهزيا الجنوبية الشرقية بالقرب من المناطق المتنازع عليها في دونباس وشبه جزيرة القرم، فإنه كان لا يزال تحت تأثير الصدمة: هو لا يعرف حتى الآن أين ستقيم عائلته أو كيف ستتعلم العبرية.
لم يكن فيدياييف يتابع الأخبار قبل 24 فبراير/شباط -تاريخ الغزو-، وكالعادة، استيقظ مبكرًا لمشاهدة مباراة كرة القدم الخماسية الأسبوعية قبل العمل، ليدرك أن هناك شيئًا ما خطأ: الطرق كانت فارغة، والصالة الرياضية مغلقة.
علق قائلاً “لم يعتقد أحد أن ذلك سيحدث حقًا”، وتابع الرجل البالغ من العمر 43 عامًا، وهو أب لطفلين “في اليوم التالي مباشرة أدركنا أننا بحاجة إلى النظر في الهروب”.
فكر فيدياييف في الهجرة إلى إسرائيل في عام 2019 بعد زيارة صديق له في مدينة نتانيا الإسرائيلية لكنه نسيها أثناء تفشي وباء كورونا.
أدركت الأسرة أنها ستحتاج إلى إذن من زوجة فيدياييف الأولى لأخذ ابنه مكسيم البالغ من العمر 16 عامًا، بينما كانت حريصة على المساعدة، لم يكن هناك محامون متاحون للمساعدة في توثيق الأوراق، وتم إغلاق قواعد البيانات الحكومية، في النهاية، كان عليهم المغادرة ومعهم ورقة مكتوبة بخط يد والدة مكسيم قبل الشروع في رحلة بالسيارة لمسافة 680 ميلًا، والقيام بجولات التفافية طويلة لتجنب البلدات والطرق التي تعرضت للقصف.
قال فيدياييف “الصور التي نراها، تبدو مثل الحرب العالمية الثانية…في نهاية كل حرب ترى نفس الأشياء… يحب معظم الناس وطنهم والبلد الذي ولدوا فيه…. فقط لأنك يهودي لا يعني ذلك أنك تريد المغادرة إلى إسرائيل”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا