العدسة_ بسام الظاهر
يبدو أن القيم الأوروبية المتعلقة بالحرية وحقوق الإنسان تحطمت تحت أقدام شعار “المصلحة أولا” التي رفعته عدد من الدول الأوروبية.
ازدواجية شديدة في مواقف بعض الدول الأوروبية حيال ملف حقوق الإنسان، على مستوى التحولات وغض الطرف عن انتهاكات في بعض الدول بعد توجيه انتقادات في أوقات سابقة.
ومن ضمن التحولات المثيرة لعلامات الاستفهام، الموقف من الانتهاكات التي يمارسها النظام المصري الحالي برئاسة عبد الفتاح السيسي، والتي بدا أن هناك تجنبا للحديث على هذا الأمر في العلاقات مع مصر.
في المقابل، فإن هناك تصاعد للحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان في عدة دول أخرى، وتحديدا مثل تركيا، بالشكل الذي يثير التعجب.
” ماكرون ” و ” السيسي “
ماكرون يغازل السيسي
“المصالح تحكم”.. هكذا يمكن توصيف الموقف الفرنسي من الوضع الحقوقي والحريات في مصر، خاصة مع انقلاب الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون على القيم المترسخة في المجتمع الفرنسي، والتي قامت عليها الثورة الفرنسية.
ماكرون لم يجد غضاضة في غض الطرف بشكل علني بل وفج عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وخاصة خلال المؤتمر الصحفي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
السيسي تعرض لموقف محرج خلال هذا المؤتمر، عقب سؤاله عن تردي أوضاع حقوق الإنسان، وبقدر ما كان رد الرئيس المصري مثيرا للسخرية، ويكشف جزءا من الوجه الحقيقي للنظام الحالي، إلا أن حديث ماكرون كان صادما تماما.
السيسي اعترف بشكل واضح وصريح بانهيار منظومة حقوق الإنسان بالكلية، فلا حريات، ولا تعليم جيد، ولا صحة جيدة، ولا توظيف جيد، وهو أمر كان له ردود أفعال غاضبة داخل مصر.
ماكرون من جانبه أخذ على عاتقه تبرير موقف السيسي، وقال: “حريص على سيادة الدول، ولا أقبل أن يعطيني أي رئيس دروسا في إدارة بلدي، ولا أعطي دروسا للآخرين”.
وأضاف: “فرنسا تدافع عن حقوق الإنسان ومن مصلحة الرئيس السيسي أن يسهر على الدفاع عن حقوق الإنسان، لكن في إطار تقرره الدولة المصرية وحدها”.
خطاب ماكرون بدا أنه معبرا تماما عن تراجع فرنسا عن الحديث حول ملف حقوق الإنسان، خاصة وأن مصر تعاقدت على صفقة لشراء طائرات رافال، وهى أول صفقة تجريها دولة منذ سنوات على إنتاج ذلك النوع من الطائرات القتالية.
ولكن ما يفسر طبيعة تصريحات الرئيس الفرنسي، هو رغبة السيسي في التعاقد على صفقة جديدة لشراء ذلك النوع من الطائرات، بحسب ما صرح به وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي، برونو لومير.
وتوصلت فرنسا لعدد من الاتفاقات العسكرية الكبيرة مع مصر، منها بيع 24 طائرة رافال قتالية وفرقاطة متعددة المهام وسفينتين حربيتين من طراز ميسترال في عقود قيمتها نحو 6 مليارات يورو.
ويبدو أن السيسي يسعى لشراء الصمت الفرنسي عن أوضاع حقوق الإنسان، بما يحقق المصلحة المشتركة بين البلدين، ففرنسا تستفيد من صفقات الأسلحة بالمليارات، والنظام المصري يحرص على صمت دولي عن أوضاع حقوق الإنسان، واكتساب شرعية دولية.
الموقف الفرنسي “المخجل” كان مثار انتقادات داخلية منذ الحديث عن صفقة الرافال العام الماضي، وأدانت صحيفة “لوموند” موقف فرنسا، مشيرة إلى أن الأوربيين يرون في نظام السيسي حصنا ضد نظام إسلامي متشدد، لكنهم لم يفعلوا كما فعلت فرنسا التي تدعمه لمجرد أنها باعت له بضع مقاتلات رافال.
” أنجيلا ميركل ” و ” السيسي “
تحولات أوروبية
الموقف الفرنسي ليس الأول من نوعه في غض بعض الدول الأوروبية الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان، فإن ألمانيا كان لها موقف “متخاذل” حيال هذا الملف.
المستشار الألمانية أنجيلا ميركل، بدأت في رسم سياسات جديدة في التعامل مع النظام المصري الحالي، من خلال ترتيب الأولويات التي لم يكن بينها ملف حقوق الإنسان والتضييق على المجتمع المدني.
ولكن الأولويات الجديدة، كانت تتعلق بمصالحة خاصة تحتاجها من النظام المصري مقابل غض الطرف على الانتهاكات الحقوقية.
واتهمت منظمات حقوقية ألمانية ميركل بالسعي لتجميل سجل “مصر الكارثي” في حقوق الإنسان مقابل الحصول على دعم في قضية اللاجئين.
الزيارة التي قامت بها ميركيل إلى مصر في مارس الماضي، لم تتطرق إلى مسألة حقوق الإنسان نهائيا، على الرغم من أنها التقت عددا من ممثلي منظمات حقوق الإنسان.
وفي سبتمبر 2014، وافقت الحكومة الألمانية على بيع غواصتين من نوع 209 إلى مصر، وهى عبارة عن غواصة هجومية تعمل بالديزل والكهرباء.
وبالتالي فإن الأهم بالنسبة لألمانيا الآن قضية اللاجئين والرغبة في وقف تسللهم إلى أوروبا بالشراكة مع مصر، مع تقديم دعم مالي للسيسي في هذا الصدد.
أما الملف الثاني الذي ترغب فيه ألمانيا التقارب مع القاهرة على حساب انتهاكات حقوق الإنسان، هو الإرهاب في الشرق الأوسط والتعاون الثنائي لعدم انتقاله إلى أوروبا.
وتم توقيع اتفاقية تعاون بين ألمانيا ومصر خلال يوليو 2016، تتعلق بالهجرة غير الشرعية، وتبادل المجرمين ومكافحة الإرهاب، وتبادل المعلومات.
“اتفاق أمني مع مصر قد يورط ألمانيا في انتهاكات”، هكذا انتقدت منظمة “هيومان رايتس ووتش” الاتفاقية، وقالت إن وزارة الداخلية المصرية جهاز أمني، ارتكب عناصره التعذيب والإخفاء القسري، وعلى الأرجح القتل خارج نطاق القضاء، بما يجعل المسؤولين الألمان متواطئين في انتهاكات حقوقية جسيمة.
(صورة الانقلابيين الأتراك أثناء القبض عليهم )
ازدواجية
الازدواجية الأوروبية كانت واضحة للغاية، عند المقارنة بين موقف بعض الدول مع مصر والتحولات في المواقف، والموقف من تركيا.
فألمانيا التي أغلقت عينيها بإرادتها عن الانتهاكات الحقوق في مصر، والتي تصدرت عناوين أكبر الصحف الغربية بناء على تقارير حقوقية موثقة، استغلت ملف حقوق الإنسان في النيل من خصوص سياسيين.
ووجهت ميركل كل طاقاتها في الهجوم على تركيا والرئيس طيب أردوغان، والمضي قدما في عرقلة مشاورات انضمامه إلى الاتحاد الأوروبي، خاصة مع حديثها عن وجود انتهاكات لحقوق الإنسان.
“حقوق الإنسان” في تركيا الوضع مختلف عن مصر، وتتهم الحكومة الألمانية، القيادة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان، بالقبض بشكل متعسف على مواطنين ألمان.
وفقا للمعايير المعروفة باسم معايير “كوبنهاغن”، وعلى الدول الراغبة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، الالتزام بالديمقراطية، وسيادة القانون، والحفاظ على حقوق الإنسان، والأقليات.
وأكد رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، في مايو الماضي، أهمية احترام حقوق الإنسان، وذلك خلال محادثاته مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وسط توتر بشأن مساعي أنقرة للانضمام إلى الاتحاد.
وقال توسك: “كانت مسألة حقوق الإنسان في صلب مناقشاتنا التي بدأت بمصافحة قصيرة وودية أمام الصحافيين”.
وفي عام 2015، وجه الاتحاد الأوروبي انتقادات حادة لتركيا في مجال حقوق الإنسان والتراجع الخطير لحرية التعبير في هذا البلد، بحسب التقرير السنوي للاتحاد.
” رجب طيب أدوغان “
وأعلن المفوض الأوروبي لشؤون التوسيع يوهانس هان، خلال عرضه التقرير السنوي، “في العام المنصرم شهد استقلال القضاء وحرية التجمع والتعبير تراجعا ملحوظا”.
فرنسا هى الأخرى وجهت انتقادات شديدة لتركيا، وذكرت وزارة الخارجية الفرنسية، أن باريس تشعر بالقلق إزاء الاعتقالات التي طالت مؤخرًا مسؤولين أتراك بمنظمة العفو الدولية وآخرين من المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيّين.
وطالبت الخارجية الفرنسية بالإفراج عنهم سريعا، ردا على سؤال حول تهديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بانتزاع رؤوس الخونة، وعما إذا كانت فرنسا قلقة من الانحراف القمعي في تركيا.
اضف تعليقا