في الوقت الذي تسعى فيها دولة الإمارات العربية المتحدة عبر ولي عهد أبو ظبي “محمد بن زايد”، في التمدد إلى خارج حدودها وتوسيع نفوذها، نجدها تقف مكتوفة الأيدي أمام الاحتلال الإيراني لجزء أصيل من أراضيها.

ففي العام 1971 (أي قبل نحو 48 عاما) نزلت القوات الإيرانية في جزيرة أبوموسى وجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، واحتلت هذه الجزر الثلاث، حتى الآن.

وتعتبر جزيرة أبوموسى أكبر الجزر المحتلة، تبعد عن الشارقة نحو 43 كيلومترا، كانت تسكنها عند الاحتلال نحو مئتي أسرة عربية معظمهم صيادو سمك.

وإلى الشمال الغربي من أبي موسى بنحو 24 ميلا تقع جزيرة طنب الكبرى وهي دائرية الشكل يبلغ قطرها ميلين ونصف الميل، وكان يسكنها في ذلك الوقت نحو 300 نسمة يعيشون على صيد الأسماك ورعي الماشية، وعلى بعد 28 كيلومترا من هذه الجزيرة تقع جزيرة طنب الصغرى وهي على شكل نتوء شبه مثلث .

وتكمن أهمية هذه الجزر في موقعها الجغرافي الممتاز، فهي تشرف على مضيق هرمز الذي يعتبر باب الخليج العربي، وتحتل الجزر مركز رقابة قوية على هذا المضيق الذي تمر به ناقلة نفط كل اثنتي عشرة دقيقة، ولذلك فإن القوة التي تسيطر على هذا المضيق تتمكن من التحكم في الطريق التجاري للخليج العربي.

تمدد على حساب التحرير

وعلى مدار خمسة عقود تقريبا لم تستطع الإمارات تحرير أرضها حتى بالتدخل العسكري، وتجاهل أولاد زايد أرضهم المحتلة، وصبوا جهودهم في لعب دور وكيل أمني في المنطقة يخدم أجندة تخدم العدو الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية.

ففي اليمن نجد الإمارات تشارك بقوة في ما سميت بـ”عاصفة الحزم” (وتنفق قرابة الـ 16 مليار دولار سنويًا)، التي أعلنتها السعودية في الـ26 من مارس 2015، دعمًا للحكومة الشرعية في اليمن، ضد جماعة أنصار الله “الحوثيين”.

ومع مرور الوقت ظهر السبب الحقيقي وراء تلك المشاركة؛ حيث سيطرة الإمارات -برعاية سعودية كما يبدو- على موانئ اليمن (الحديدة وعدن) وجُزره (ميون وسقطرى) وسواحله (ذباب والمخا)، وتعمل على تعطيلها لصالح مينائها “جبل علي”، وتبني قواعد عسكرية في سقطرى والمخا، وتمنع اليمنيين من الصيد في مياههم الإقليمية، وتتيح ثروتهم السمكية لشركات صيد كبرى تنقلها إلى الإمارات.

وعن مزيد من التفاصيل عن الأسباب الحقيقة لمشاركة الإمارات في حرب اليمن، يقول الباحث الفرنسي في المركز الوطني للبحوث العلمية “فريزون روش، إن النزاع اليمني يعكس تغييرا في موازين القوى وإعادة تشكيل للمشاعر الوطنية في دول المنطقة، فالسعودية تشعر أنها مهددة من إيران، والإمارات تريد إرساء نظامها الأمني في تلك المنطقة.

وفي مقال مطول نشره موقع “يورونيوز”، رأى “ورش”، أن الإمارات بصدد تشكيل حزام عسكري حول خليج عدن، انطلاقا من الضفة الجنوبية لليمن، وكذلك في إريتريا حيث أقامت قاعدة جوية، وشرعت بتحديث ميناء في “أرض الصومال”.

وتوجهّ دولة الإمارات على إريتريا التي تضم منافذ بدائية على البحر الأحمر بطول 150 كيلومترًا شمالاً، جاء بهدف تدارك الخسارة التي تحقّقت لها نتيجة قطع علاقتها مع جيبوتي التي كانت توفّر لها امتيازات كبرى تساعدها في القيام بمهامها في المنطقة.

وتكمن أهمية دولة إريتريا إلى مكانها الاستراتيجي، وامتلاكها عدد هام من الجزر المطلة على البحر الأحمر وعددها 126 جزيرة، ومن ضمنهم جزيرتي “حالب وفاطمة”، وهما الأكثر أهمية لوقوعهما أمام باب المندب، ويقعان أمام أرخبيل حنيش البالغ عدده 43 جزيرةً والذي يتبع اليمن، كما تطل جزرها على الجزر السعودية.

وفي إطار حملتها التوسعية في أفريقيا، كان لابد من السيطرة على الوضع في مصر وإحكام قبضتها، وساعدها في ذلك قائد الانقلاب “عبد الفتاح السيسي”.

ومع وصول “محمد مرسي” كأول رئيس منتخب في مصر بعد الثورة، بدأ مرسي في رسم وضع جديد لمصر في الخريطة الإقليمية والدولية وحاول استعادة الدور المصري في المحيط العربي دون وصاية أو توجيه من أحد، إلا أن الإمارات تواصلت من الباطن مع “السيسي” الذي كان يتولى وقتها منصب وزير الدفاع.

تلاقت رغبة “السيسي” في التخلص من حكم مرسي (الذي كان يمثل الثورة) مع رغبة الإماراتيين، وتم الإطاحة بـأول رئيس مدني في مصر عبر انقلاب 3 يوليو 2013، وأغدقت على العسكر بكثير من الأموال، التي كان يصفها “السيسي” بـ”الرز”.

هل لصفقة القرن علاقة؟

ولأن الإمارات لم تدفع كل تلك الأموال من أجل عيون السيسي”، فكان من الطبيعي أن تحصد مقابل ما قدمت، وبات القرار العسكري في مصر بيد “أبو ظبي”، حيث أصبحت كقوات حرب بالوكالة في يد “أولاد زايد”.

وعلى الرغم من عدم الإعلان الرسمي، إلا أن القوات المسلحة المصرية تشارك في الحرب على “الحوثيين” في اليمن، كما تقوم قطع بحرية مصرية بعمليات في البحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب تحت مبرر تأمين الملاحة في قناة السويس خوفًا من سيطرة جماعة أنصار الله على الممر.

كما يوفر الجيش المصري، خدمات التدريب والدعم اللوجستي لقوات “حفتر” المرابطة شرقي ليبيا، كما أصبحت قاعدة “محمد نجيب” في العلمين فِناءً خلفيًّا لقوات الجنرال الليبي، من أجل تعزيز نفوذه على الأرض، وتأمين منطقة الهلال النفطي شرقي ليبيا، لصالح دولة الإمارات.

دور الجيش المصري أيضا يعد محوريا لأبوظبي، ففي الوقت التي تقوم القوات المسلحة بعملية تهجير وإخلاء لسكان منطقة رفح والعريش الحدودية بهدف إخلاء تلك المنطقة من السكان وإبرام صفقة القرن التي تهدف لتوطين الفلسطينيين في سيناء، وهي الصفقة التي خطط لها الرئيس الأمريكي ترامب، يقوم أولاد زايد بحملة لتهويد القدس، بدأت في نوفمبر 2013، بحسب كشفت وثائق.

وبعد عامين من تلك الحملة “المشبوهة والسرية”، كشف نائب رئيس الحركة الإسلامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 الشيخ “كمال الخطيب” النقاب عنها.

وقال “الخطيب”، إن رجل أعمال إماراتي مقرب جدًا من ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد” يعمل على شراء بيوت وعقارات في البلدة القديمة، وخاصة البيوت الملاصقة للمسجد الأقصى المبارك، بمساعدة رجل أعمال مقدسي محسوب على القيادي المفصول من حركة فتح، “محمد دحلان”.

ويعتبر ذلك ترجمة طبيعة للانتعاش الذي يشهده التطبيع بين الإمارات و”إسرائيل”؛ حيث باتت الأولى تتخندق مع الأخيرة في معاداتها لبعض الدول العربية والإسلامية الرافضة لتطبيق المخططات “الصهيوأمريكية” في المنطقة.

لماذا تخلى أبناء زايد عن جزرهم؟

كل تلك الأحداث والمجريات، تدفع للتساؤل، طالما أن للإمارات قوة عسكرية وتدير حروب بالوكالة ونفوذ واسع، فلماذا لا تستخدم ذلك في “تحرير أراضيها”؟.

يرى مراقبون أن السبب الرئيسي هو خشية “الإمارات” من أن  تشن إيران حربا عليها، في ظل الحديث عن القدرات العسكرية الكبيرة لطهران، حيث تعمل الأخيرة بصورة مستمرة على تطوير “برنامجها النووي”.

حجم العلاقة الاقتصادية بين طهران و أبوظبي يعد السبب الثاني الذي يدفع الإمارات لغض الطرف عن قضية احتلال إيران لأراضيها.

وتستحوذ الإمارات على نسبة 90 في المائة من حجم التجارة بين إيران ودول الخليج مجتمعة، حيث تجد فارقا كبيرا جدا بين علاقة الإمارات التجارية مع إيران وبين باقي الدول الخليجية.

كما تعد الإمارات ثاني شريك تجاري بعد الصين بالنسبة لطهران وتعتبر إيران الشريك التجاري الرابع بالنسبة للإمارات وقد بلغ التبادل التجاري بين الطرفين ذروته عام 2011 ببلوغه مستوى 23 مليار دولار ثم هبط تدريجيا خلال السنوات اللاحقة بسبب العقوبات الغربية لكنه ظل فوق خمسة عشر مليار دولار.

وتخشى الإمارات أيضا من الجالية الإيرانية الموجودة على أرضها، حيث يقيم فيها أكثر من نصف مليون إيراني ما يجعلهم أكثر الجاليات المقيمة في البلاد عددا، كما تنشط هناك عشرة آلاف من الشركات الإيرانية، والتي تعمل في قطاعات اقتصادية مختلفة.