في خطوة مفاجئة، خرج إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، لينتقد خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن فرض سيطرة أمريكية على غزة بعد انتهاء الحرب. أولمرت، الذي قاد الحكومة الإسرائيلية في الفترة بين 2006 و2009، قال في تصريحه جملة لم يتجرأ عليها حتى زعماء عرب مجاورين للصراع ومهددين باحتلال أراضيهم من قبل ترامب.. حيث شدد على أن “إسرائيل لا تملك غزة حتى تمنحها لأحد”، مضيفًا أن الحل يجب أن يكون بإعادة إعمار غزة على يد الفلسطينيين ولأجلهم، وليس عبر فرض وصاية أمريكية.

هذا التصريح يأتي في لحظة حساسة، حيث تمتلىء الدنيا ضجيجا بخطة واشنطن إعادة صياغة دورها في غزة بعد 15 شهرًا من الحرب المدمرة، وفي ظل ضغط إسرائيلي داخلي حول مستقبل القطاع.

 لكن لماذا يعارض أولمرت هذا الطرح؟ وما وزن موقفه داخل إسرائيل؟

إيهود أولمرت ليس مجرد سياسي سابق، بل هو أحد الشخصيات التي حملت رؤية أكثر براغماتية تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، على عكس المتطرفين الشذاذ في حكومة بنيامين نتنياهو الحالية. يُذكر أن أولمرت كان عضوًا في حزب الليكود، لكنه انفصل عنه مع أرييل شارون عام 2006 لتشكيل حزب “كاديما”، بهدف تمرير انسحاب إسرائيل من غزة وإنهاء الاحتلال العسكري المباشر هناك.

تصريحاته الأخيرة تتسق مع مواقفه السابقة؛ فهو يرى أن أي سيطرة إسرائيلية مباشرة على غزة ستؤدي إلى كارثة سياسية وأمنية، وتُعرض إسرائيل لخسائر جسيمة داخليا، ولعزلة دولية متزايدة، وهو ما يجعله يرفض أيضًا فكرة تسليم القطاع إلى الولايات المتحدة.

ما وراء موقف أولمرت..

من بين أبرز النقاط التي قد يكون أولمرت يحاول التلميح إليها هي أن خطة ترامب ليست مجرد “سيطرة أمريكية”، بل قد تكون خطوة نحو تنفيذ مخطط تهجير فلسطيني واسع النطاق، وهو أمر خطير بالنسبة حتى لبعض السياسيين الإسرائيليين، الذين يدركون أن مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى تصعيد غير مسبوق في المنطقة، ولإقحام إسرائيل في صراعات لن تكون مستعدة لها.

إسرائيل المنهكة في كل القطاعات بعد هذه الحرب الطويلة التي لم تحقق فيها سوى أهداف صورية تعرف جيدًا أنها لا تستطيع تهجير سكان غزة بسهولة، حتى لو وجدت دعمًا أمريكيًا وخليجيًا لهذه الفكرة، وبالتالي، فإن رفض أولمرت قد يكون تحذيرًا مبطنًا من العواقب الوخيمة التي قد تترتب على تنفيذ هذه الخطة.

وزن تصريح أولمرت داخل إسرائيل..

رغم أن إيهود أولمرت لم يعد لاعبًا سياسيًا مباشرًا في المشهد الإسرائيلي الحالي، إلا أن تصريحاته تعكس رأيًا موجودًا داخل الدوائر السياسية والأمنية الإسرائيلية، لكنه لا يُقال بصوت عالٍ.

.        المؤسسة الأمنية الإسرائيلية قد تتفق معه:

– هناك أصوات في الجيش والمخابرات ترى أن السيطرة المباشرة على غزة ستكون كارثية، وستجلب مقاومة شرسة تجعل الاحتلال مستحيلًا، كما حدث في لبنان سابقًا.

– إعادة احتلال غزة يعني تحمل المسؤولية عن 2.3 مليون فلسطيني محاصرين، وهو ما قد يكون عبئًا يفوق قدرة إسرائيل على تحمله.

.        الصراع الداخلي داخل إسرائيل بشأن مستقبل غزة:

– حكومة نتنياهو تبدو متخبطة في تحديد موقفها من مستقبل غزة، فهي لا تريد احتلالها بالكامل، لكنها لا تريد انسحابًا كاملًا بدون بديل “آمن”.

– اليمين الإسرائيلي المتطرف يريد تهجير سكان القطاع، لكن هذا الطرح يلقى رفضًا دوليًا واسعًا، وحتى بعض الإسرائيليين البراجماتيين يرونه مستحيلًا.

لماذا يعارض أولمرت خطة ترامب؟

أولمرت يعارض فكرة تسليم غزة لأمريكا لأنه يدرك أن:

  • إسرائيل لا يمكنها فرض واقع جديد دون مقاومة فلسطينية شرسة.
  • المجتمع الدولي لن يقبل بإعادة إنتاج سيناريو التهجير القسري.
  • أي تدخل أمريكي مباشر في غزة قد يفتح الباب أمام دخول لاعبين آخرين في المنطقة، مثل إيران وتركيا، مما يعقد الوضع أكثر.

هل يؤثر هذا التصريح على خطة ترامب؟

من غير المتوقع أن يؤثر تصريح أولمرت بشكل مباشر على حسابات ترامب، لكنّه يُظهر أن هناك أصواتًا إسرائيلية تدرك أن الخطة الأمريكية لن تتعدى كونها مناورة كلامية، أو مغامرة حمقاء غير محسوبة العواقب، وهو رأي متصاعد دفع بعض المسؤولين في واشنطن إلى إعادة تقييم استراتيجيتهم بشأن غزة.

الواقع الفعلي أن إسرائيل تريد الخروج من غزة، لكنها لا تريد أن تتركها لحماس، ولا تريد أن تتحمل تبعات إعادة إعمارها، وترامب يحاول تقديم حل خيالي، لكن حتى الإسرائيليين مثل أولمرت يرون أنه غير عملي وغير قابل للتنفيذ.

في النهاية، ما كشفه أولمرت هو أن فكرة السيطرة على غزة ليست حتى “خطة مدروسة”، بل مجرد فكرة عابرة لم تتم مناقشتها بجدية داخل إسرائيل نفسها.