العدسة – بسام الظاهر
يبدو أن هناك تطورات جديدة في ملف التحقيقات، حول تلاعب روسيا في الانتخابات الأمريكية الماضية لصالح الرئيس الحالي دونالد ترامب، وسط محاولات للوصول إلى أدلة لتقديمها إلى القضاء والكونجرس الأمريكي.
عدة أشهر مرت على التحقيقات التي يجريها مكتب التحقيقات الفيدرالية “إف بي آي” ووزارة العدل التي عينت المدعي الخاص روبرت مولر، للتحقيق في القضية.
ولكن طوال الفترة الماضية لم يتمكن مولر ومكتب التحقيقات من توجيه اتهامات واضحة لترامب وأعضاء حملته الرئاسية بشكل واضح وصريح، وسط نفي الرئيس الأمريكي وجود أي تواصل مع روسيا حيال الانتخابات الرئاسية.
ولكن بدأت تتكشف خيوط اللعبة وعلاقات عدة أطراف من الدائرة القريبة من ترامب بروسيا ووجود مصالح مشتركة معها ولقاءات تمت خلال الحملة الانتخابية.
أول اتهام
ومع دخول التحقيقات في تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية بدأت بعض الأوراق تتكشف مع الوقت، حتى تم توجيه أول اتهام رسمي لاثنين من أعضاء حملة ترامب، وهما مدير حملته الانتخابية ومساعده.
وقررت قاضية فدرالية وضع بول مانافورت المدير السابق لحملة ترامب قيد الإقامة الجبرية، بعدما رفض الاتهامات الموجهة إليه في إطار التحقيق حول تدخل روسيا في انتخابات 2016 الرئاسية.
وكان مانافورت وشريكه ريتشارد غيتس رفضا خلال جلسة في واشنطن 12 اتهاما موجهة إليهما؛ من بينها التآمر ضد الولايات المتحدة، وتبييض الأموال، وعدم التصريح بحسابات لديهما في الخارج.
هذا الاتهام، الأول من نوعه، يكشف عن وجود علاقة خفية بين مدير حملة ترامب السابق وروسيا، بشكل غير مباشر، خاصة وأن مذكرة الاتهام تشير إلى علاقاتهما بسياسيين موالين لروسيا في أوكرانيا فيما بين 2006 و2015.
وتقول المذكرة إن مانافورت وغيتس كان يعملان كـ”عميلين غير مسجلين” للسياسي الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، والذي تمت الإطاحة به بعد سياساته الموالية لروسيا.
هذا الاتهام وإن كان غير متعلق مباشرة بحملة ترامب، إلا أنه لا يمكن إغفال وجود روابط بين أكثر من عضو في حملته الانتخابية مع روسيا، ولكن هذا ليس دليلا حتى الآن يمكن الاستناد عليه.
المدعي الخاص الأميركي حول روسيا، روبرت مولر، أعلن أن مستشارا سابقا لحملة ترامب في السياسة الخارجية كذب على مكتب التحقيقات الفيدرالية بشأن اتصالاته المتكررة مع وسطاء يعملون لحساب السلطات الروسية.
وهى المرة الأولى التي يكون عضو في فريق الرئيس الجمهوري ضالعا في اتصالات على هذا القدر من التقارب مع وسطاء روس، وتبين خلال أحد اتصالاته أن الروس يملكون “معلومات مسيئة” لهيلاري كلينتون تبين أنها آلاف الرسائل الإلكترونية.
ويحقق مولر في أي روابط محتملة، بين روسيا والحملة الانتخابية لترامب. وكلاهما ينفي ذلك.
وهذا يعني ضلوع أكثر من طرف في الاتصالات مع الروس أو عبر وسطاء بين الجانبين، ولكن من غير الواضح حتى الآن هل تواطأ ترامب في هذه القضية أم لا؟ خاصة وأن الهدف من التحقيقات الإطاحة به من البيت الأبيض.
روبرت مولر
بول مانافورت المدير السابق لحملة ترامب
لا دليل ملموسًا
ولكن لماذا لا يحرك مولر القضية بشكل أسرع لكشف وجود تورط روسي لتعمد التلاعب في الانتخابات الأمريكية؟.
الإجابة الواضحة هي عدم وجود دليل ملموس حيال هذا التورط الروسي والتواطؤ من قبل ترامب، حول عملية التلاعب في النتائج.
الأكيد والثابت لدى أجهزة التحقيق الفيدرالية ووزارة العدال، وجود روابط وصلات بين أعضاء حملة ترامب، ومستشاريه وشخصيات روسية، لتشويه سمعة هيلاري كلينتون، فضلا عن معرفة الطريقة، ولكن دون القدرة على إمساك الدليل.
الاستخبارات الأمريكية رفعت السرية عن تقريرها الشامل حيال مسألة الانتخابات الرئاسية، واستنتجت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمر بإجراء “حملة نفوذ” تهدف للإساءة لكلينتون، ومساعدة ترامب.
الحملة التي تألفت من قرصنة جماعات وأفراد بالحزب الديمقراطي، بما في ذلك رئيس حملة كلينتون، جون بودستا، والإفراج عن تلك المعلومات عن طريق مواقع أطراف ثالثة، وصلت إلى ما وصفه تقرير للمخابرات بـ”التصعيد الملحوظ” في الجهود الروسية منذ فترة طويلة لتقويض النظام الديمقراطي الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وأجرى موقعا “تويتر وفيسوك” تحقيقات داخلية لكشف غموض كيفية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وكشف الأول عن تمويل قناة روسيا اليوم لنحو 1800 تغريدة لدعم ترامب، وبالمثل لاحظ الثاني وجود حسابات من روسيا لأغراض سياسية، عبر شراء مساحات إعلانية.
وتستعد شركات الإنترنت والمواقع لكشف المحتوى المدعوم من روسيا، الذي أسفر عن التلاعب في الانتخابات الأمريكية، خلال جلسة أمام الكونجرس.
وينتظر أن يتشارك كل من “فيس بوك” و”جوجل” و”تويتر”، فيما عرفوه حتى الآن عبر تحقيقهم فى الصلات المحتملة بين كيانات روسية ومنشورات وإعلانات، وحتى مقاطع فيديو نشرت على “يوتيوب”.
ولا تزال عملية وجود أدلة تربط بين روسيا وترامب مسألة ليست سهلة، خاصة وأن المعلومات أو التقارير تتحدث عن دعم وتمويل روسيا لترامب عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت في الترويج له وتشويه كلينتون.
وإذا توفر الدليل، أو قدم أحد أعضاء حملته اعترافا بوجود تواطؤ منهم أو اتصالات، فإن هذا سيكون القشة التي تطيح بترامب خارج البيت الأبيض تماما.
قلق روسي
روسيا بدا عليها القلق الشديد جراء التحقيقات التي تجريها أمريكا في علاقاتها بالتلاعب والتآمر مع ترامب لتزوير الانتخابات أو التأثير على الناخبين، خاصة وأن ردة الفعل الأمريكية ستكون غاضبة.
ومن شأن إثبات وجود علاقة بين روسيا والتلاعب في الانتخابات زيادة التوتر الشديد بين البلدين خلال الفترة المقبلة، وربما كان هذا سبب النفي المتكرر من روسيا عبر مسؤوليها لعلاقاتها بالانتخابات الأمريكية.
وبمجرد اتهام مدير حملة ترامب السابق ووضعه تحت الإقامة الجبرية، وكشف كذب أقوال أحد مستشاري ترامب في تحقيقات “إف بي آي”، فإن موسكو أصيبت بالذعر الشديد، لدرجة خروج وزير خارجيتها لنفي الأمر.
ولكن اللافت أن روسيا تصر على أمر واحد، وهو عدم وجود دليل على تدخلها في الانتخابات، وكأن سيرجي لافروف حينما أطلق هذا التصريح كان يوجه رسالة “نحن من فعلناها ولا دليل لديكم”.
وقال لافروف: “ليس هناك أي دليل على تدخل موسكو في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يتهموننا بلا دليل، ليس في أمريكا وحسب، ولكن في عدة دول أخرى”.
اضف تعليقا