منصور عطية

“قطاع غزة في طريقه للانفجار”.. هكذا وصف مدير عمليات الـ”أونروا”  “ماتياس شمالي” الأزمة المعيشية في القطاع، بسبب الأزمة التي خلّفها القرار الأمريكي بحجب 65 مليون دولار من إسهاماتها بالوكالة بعد أن قوبل قرار الرئيس دونالد ترامب إعلان القدس عاصمة لإسرائيل بالرفض من قبل الفلسطينيين.

تصريحات المسؤول الأممي تأتي بعد أيام من مناشدة طارئة أطلقتها أونروا لتوفير 800 مليون دولار للوفاء بالتزاماتها تجاه ملايين اللاجئين الفلسطينيين من مساعدات إغاثية وخلق فرص عمل.

تلك الأحداث المتسارعة أثارت العديد من التساؤلات بشأن ماهية أونروا وتمويلها وخدماتها، وأعادت إلى الأذهان الحديث عن الاتهامات التي طالتها في كثير من الأحيان.

ملاذ 5 ملايين لاجئ

أسست الأمم المتحدة في نوفمبر 1948 منظمة تسمى “هيئة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين” لتقديم المعونة للاجئين الفلسطينيين وتنسيق الخدمات التي تقدم لهم من المنظمات غير الحكومية وبعض منظمات الأمم المتحدة الأخرى.

وفي 8 ديسمبر 1949، وبموجب قرار الجمعية العامة رقم 302، تأسست وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) لتكون وكالة مخصصة مؤقتة، على أن تجدد ولايتها كل ثلاث سنوات لغاية إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.

بدأت الأونروا عملياتها في الأول من مايو 1950، وتولت مهام هيئة الإغاثة التي تم تأسيسها من قبل، وتسلّمت سجلات اللاجئين الفلسطينيين من اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

تقدم الأونروا المساعدة والرعاية لحوالي 5 ملايين لاجئ فلسطيني منتشرين في الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة وقطاع غزة، ولديها قطاعات تشمل مجالات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والبُنى التحتية والمخيمات.

ويقصد باللاجئ الفلسطيني هو كل من كانت فلسطين مكان إقامته الفعلية في الفترة الواقعة بين يونيو 1946 ومايو 1948، وفقد كل ممتلكاته وأمواله ومنزله بسبب الصراع العربي الإسرائيلي عام 1948.

تتمثل مهام الوكالة في تنفيذ برامج إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين مباشرة بالتعاون مع الحكومات المحلية، وكذلك التشاور مع الحكومات المعنية بخصوص تنفيذ مشاريع الإغاثة والتشغيل والتخطيط استعدادًا للوقت الذي يستغنى فيه عن هذه الخدمات.

وبلغة الأرقام، فقد أنفقت الأونروا عام 2012 نحو 293 مليون دولار لشراء بضائع وتقديم خدمات للاجئين، ويبلغ عدد الطلاب المسجلين في مدارس الأونروا 476 ألفا، ويبلغ عدد اللاجئين الذين يتلقون الدعم من خلال شبكة الأمان الاجتماعي نحو 283 ألفا.

كما تقوم المنظمة بمعالجة عشرات الآلاف من المرضى في 139 مركزا صحيا إلى جانب 117 عيادة أسنان، وتقدم الغذاء لأكثر من مليون و200 ألف لاجئ في أنحاء الشرق الأوسط، إلى جانب توفير مساكن آمنة لأكثر من مليون و300 ألف لاجئ في 58 مخيما رسميا للاجئين.

من يمولها؟

تمول الأونروا من تبرعات طوعية من الدول المانحة الأعضاء في الأمم المتحدة، وأكبر المانحين للأونروا هم: الولايات المتحدة والمفوضية الأوروبية والمملكة المتحدة والسويد، ودول أخرى مثل دول الخليج والدول الإسكندنافية واليابان وكندا.

تنفق الأموال وفق برنامج محدد، حيث تخصص 54% لبرامج التعليم، و18% لبرامج الصحة، و18% للخدمات المشتركة والخدمات التشغيلية، و10% لبرامج الإغاثة والخدمات الاجتماعية.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية أكبر جهة مانحة في عام 2013، وتجاوز إسهامها مبلغ 130 مليون دولار، وبعدها الاتحاد الأوروبي الذي منح أكثر من 106 ملايين دولار، وشكلت تلك التبرعات حوالي 45 % من إجمالي الواردات التي حصلت عليه الأونروا.

أونروا وصفقة القرن

ولعل الحديث المتزايد في الآونة الأخيرة حول الخطة الأمريكية المرتقبة لتسوية إقليمية للأزمة الفلسطينية والتي عرفت إعلاميا بصفقة القرن، خاصة في أعقاب قرار ترامب بشأن القدس، فجر العلاقة بين الأونروا وتلك الصفقة.

العلاقة الأساسية بين الأمرين تنبع من نية الصفقة تصفية أبرز محددات القضية الفلسطينية والتي تركها العالم انتظارًا للتسوية النهائية، وهي أزمة اللاجئين، حيث تسعى الصفقة إلى إفراغ مسألة اللاجئين من مضمونها.

المبعوث الأمريكي للسلام “جيسون جرينبلات” أشار صراحة إلى ذلك؛ حيث أبلغ القناصل الأوروبيون بأن إدارة ترمب تريد إنهاء عمل الوكالة، وليس فقط تجميد مستحقاتها، ضمن تصريحات كشفتها تقارير إعلامية حول معرض حديثه عن صفقة القرن والتي قال خلالها إن “الطبخة على النار ولم يبق سوى إضافة القليل من الملح والبهارات”، في إشارة لجاهزية الصفقة للتمرير.

تلك الرغبة الأمريكية تتماهى مع تصريح أدلى به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يشكل ما يعدّ تحريضا لداعمي الوكالة بهدف إنهاء وجودها للأبد، ادّعى فيه أن أحفاد اللاجئين الذي ترعاهم الوكالة “ليسوا لاجئين”.

نتنياهو قال: “الأونروا منظمة تخلد قضية اللاجئين الفلسطينيين وكذلك تخلد رواية ما يسمى بحق العودة.. يبدو أن دور المنظمة يهدف إلى تدمير دولة إسرائيل ولذا فيجب على الأونروا أن تتلاشى وتزول”.

وزارة الخارجية الفلسطينية كانت أكثر تحديدًا بعملية الربط تلك، حيث قالت في بيان لها: “إن القرار الأمريكي بشأن الأونروا يكشف المزيد من ملامح صفقة القرن التي تقوم الإدارة الأمريكية وبشراكة فاعلة مع حكومة اليمين في إسرائيل بتنفيذها على الأرض من جانب واحد وبقوة الاحتلال..”.

ووصفت الخارجية القرار الأمريكي بتقليص المساعدات المقدمة لـ “الأونروا”، بأنه دليل جديد على أن ما يسمى بـ”صفقة القرن” بعيدة عن أن تكون “خارطة طريق للتفاوض” إنما تؤدي “إلى حسم قضايا التفاوض الرئيسية من جانب واحد”.

اتهامات تلاحق الوكالة

وعلى الرغم من هذا الدور الكبير الذي تلعبه وكالة الأونروا إلا أن اتهامات عدة طالتها على فترات متباعدة تارة بالفساد في الوظائف وإنفاق المخصصات المالية، وتارة بمحاولة تزييف التاريخ وتشويه القضية الفلسطينية والمقاومة.

ففي مارس الماضي، قالت تقارير إعلامية، إن دائرة التعليم في الوكالة قررت إجراء تغييرات جذرية في المناهج الدراسية الفلسطينية الجديدة، تمس التاريخ والمقاومة والهوية الفلسطينية، وترسخ وجود الاحتلال الإسرائيلي.

المناهج الدراسية التي أقرتها الوكالة للعام 2017 تشمل الصف الأول الابتدائي إلى الصف الرابع من نفس المستوى، وتحتوي على “ألغام خطيرة” كفيلة بتغيير الهوية الفلسطينية وطمس معالمها، وقلب الوعي الفلسطيني، وغسل أدمغة الطلبة حول الحقائق الثابتة وارتباطهم بوطنهم وقضيتهم، بحسب التقرير.

وأظهرت النشرات الخاصة بالمناهج التعليمية التي أرسلتها الوكالة للمقر الإقليمي في قطاع غزة، 58 تعديلا في بعض الموضوعات التي تُدرَّس بمواد (التربية الإسلامية، والرياضيات، والتنشئة الوطنية، واللغة العربية)، التعديلات تركزت على 3 قضايا هي: العنف بقصد “المقاومة”، والجندر بقصد “الاختلاط”، وإلغاء ذكر القضايا السياسية التي تتعلق بالثوابت الفلسطينية.

كما تهدف التعديلات إلى عدم إظهار رمزية مدينة القدس كعاصمة لدولة فلسطين، ومسماها أيضًا، من كل الموضوعات المنهجية، وأنها مدينة للديانات السماوية الثلاث فقط، وتمييع الوجود الإسلامي فيها، وعدم التطرق للحواجز “الإسرائيلية” التي تمنع المسلمين من الوصول إلى مدنية القدس.

وتناولت الوكالة في تعديلاتها الجديدة حذف أي نص يتعلق بممارسات الاحتلال القمعية ضد الشعب الفلسطيني؛ مثل جدار الفصل العنصري، والاستيطان، وهدم البيوت، وعمليات القتل اليومية، والاعتقالات، وأسماء المعتقلات الإسرائيلية، وكذلك عدم الاحتفال بيوم الأسير، ولا ذكر اسم “الأسرى”، وعدم ارتباط منطقة الأغوار بفلسطين، وحذف التراث الفلسطيني، وغيرها.

وتم الكشف كذلك عن أن المناهج المعدلة تتعمد تشويه مسيرة النضال الفلسطينية وتشويه قضية اللاجئين؛ من خلال ادعاء أن الشعب الفلسطيني فر من دياره، دون الإشارة إلى المجازر الصهيونية والتهجير القسري للفلسطينيين.

وكانت وكالة “غوث” وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في الأردن، قد قررت إعادة تدريس ما يسمى بالمحرقة اليهودية (الهولوكوست)، لطلاب مدارسها من اللاجئين الفلسطينيين عام 2012، وهو ما أثار ضجة في حينه.

كما أخفت الوكالة خريطة فلسطين التاريخية في إحدى مدارسها بقطاع غزة مسبقًا، أثناء زيارة قام بها الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، في يوليو 2016.