العدسة – معتز أشرف
هو رمز الرموز في سيناريو العودة الفلسطيني للديار التي احتلتها العصابات الصهيونية عام 1948، هو الأمل الذي يسري في ذكراة الاجيال الفلسطينية، هو المستقبل الذي يعده جيلًا بعد جيل، هو رمز المواجهة بالحقيقة التي لا يريد أن يسمعها الكيان الصهيوني الغاصب وتؤرق منامه، ولذلك تحول إلى أيقونة مواجهة، وفقد استعماله البشري ليقف شامخًا رمزًا وطنيًا تدشن لأجله الفعاليات الفنية والسياسية والثقافية، وهو ما نتوقف أمامه.
الظهور الأول
بحسب مؤرخين حمل الشعب الفلسطيني مفتاح العودة لأول مرة في الذكرى الـ50 للنكبة عام 1998 في إحدى المسيرات الجماهيرية الكبيرة التي جابت شوارع مدينة غزة، وكانت بمثابة الصاعقة للعدو الصهيوني وفق التقديرات وقتها؛ حيث برز مفتاح العودة كرمز ثابت وحق للاجئ الفلسطيني في العودة إلى دياره، وكان طرف القصة بدأ بعدما شنّت العصابات الصهيونية هجماتها تجاه أبناء الشعب الفلسطيني في عام 1948 حيث خشيت العائلات الفلسطينية من تكرار مشاهد الدمار والخراب والقتل بأبنائهم ونسائهم فأخذوا مفتاح البيت وتركوا كل ما في المنزل من أمتعة، لأنهم متأكدين من العودة إليه في يوم ما، وبعد توقف العدوان عادت بعض الأسر إلى منازلها ليقتنوا بعضًا من حاجياتهم، ومعهم ولد رمز العودة “المفتاح” الذي يورث من الأجداد إلى الآباء إلى الأبناء.
وتطور شكل المفتاح من “الضبة الخشبية” وهذا محفوظ لدى الكثير من العائلات الفلسطينية المهجرة، ليصل حديثًا للصنع من الحديد، وأخذ المفتاح أشكالًا أخرى، وتحول إلى عنصر أساسي في قصص وأشعار اللجوء، وفي الفن التشكيلي، وبات ينافس الكوفية في الدلالة على الهوية الفلسطينية، وصمم البعض أكبر مفتاح إظهارًا لمدى الاهتمام به، وما زال الكثير من اللاجئين من سكان مخيمات الضفة وغيرها يحتفظون بمفاتيح بيوتهم التي أحضروها معهم عام النكبة.
إبداعات متنوعة
لم يتوانَ الفلسطينون وداعمو القضية الفلسطينة عن إبراز “مفتاح العودة” في كثير من المجالات والأبواب لتسجيل الحق والتأكيد عليه، وبات في مجال الأدب عنصرًا مهلمًا في قصص وأشعار اللجوء، وفي الفن التشكيلي والتصاميم والإكسسوارات، وبات ينافس الكوفية في الدلالة على الهوية الثقافية الفلسطينية والثوابت الوطنية، حتي وصل إلى تصميم أكبر مفتاح إظهارا لمدى الاهتمام والاعتزاز به.
وفي الأدب يظهر “المفتاح” دومًا في سطور الشعراء إبراهيم طوقان، ومحمود عبد الرحيم، ومحمود درويش، ومعين بسيسو، وفي الفن اتخذت الرسامة الكاريكاتورية أمية جحا من مفتاح العودة رمزًا في كل لوحاتها وجعلته شعارًا لها، كما استقبل معرض بينالي بالعاصمة الألمانية برلين عرضا خاصًا بالمفتاح الفلسطيني بأشكال وصور متنوعة استقطب اهتمامًا واسعًا وتلقى منظّموه دعوات من عدة بلدان أخرى للمشاركة في معارض فنية ببلجيكا وتركيا ودول أخرى.
ومؤخرًا أصدر الفنان الفلسطيني أحمد الكردي عضو “الهيئة التأسيسية للاتحاد الدولي للفنانين الفلسطينيين”، قبل أيّام أغنية “مفتاح الحلم” التي تؤرّخ للنكبة الفلسطينية واعتداء قوات الاحتلال الصهيوني على شعب فلسطين وتهجير أهلها، بحوارية غنائية بين فتاة ووالدها، مؤكدًا أن إصداره هو تأكيد ثقافي فني معرفي على حقّ العودة لكل أبناء فلسطين المحتلة.
وفي التصاميم والإكسسوارات تقدم المفتاح كأيقونة جديدة بين الشباب، وفي تقارير متعددة رصد مراقبون اتجاه الشباب الفلسطيني إلى اقتناء الميداليات والنقوش التي تضم رموزًا وطنية ومنها ميداليات نُقش عليها “مفتاح منزل كبير الحجم” حيث يعتبرونها تحديًا ورفضًا للاستسلام.
ودخل “مفتاح العودة”، قبل عامين موسوعة “جينيس“ للأرقام القياسية، كأكبر مفتاح في العالم، وشهدت الدوحة، حفل تدشين “مفتاح العودة” الأكبر في العالم، بمناسبة الذكرى الـ 68 للنكبة، بحضور سفراء دول عربية وأجنبية، وممثلين عن الجاليات العربية في قطر، وممثل عن موسوعة “جينيس” للأرقام القياسية، حيث بلغ طول مفتاح العودة، 7.8 أمتار، ووزنه 2.7 طن، وعرضه 2.8 متر، ويعتبر الأكبر في العالم، بعد أن استوفى جميع الشروط الخاصة لإنجاز هذا الرقم القياسي، الذي يهدف إلى “تسجيل رمز من رموز الوطنية الفلسطينية في موسوعة جينيس للأرقام القياسية، باعتبارها مرجعًا عالميًا يمكن للجميع أن يعود إليه ليعرفوا قصة مفتاح العودة، وقصة تاريخ 15 مايو 1948”.
المفتاح كان جزءًا من المبادرات الشبابية، وأعلن التجمع الشبابي لحق العودة “سنعود” مبادرة في وقت سابق تحت عنوان ” مبادرة مفتاح العودة”، زار ضمن أنشطتها في يوم المُسِنّ العالمي زيارة لمركز لرعاية المسنين، وقدم فريق المبادرة خلال زيارته خارطة فلسطين التاريخية لإدارة المركز.
السفارة الفلسطينية بالقاهرة استخدمت مفتاح العودة الفلسطيني في الإطار الدبلوماسي، وقدمته إلى الدكتورة إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة المصرية، خلال جولتها في الجناح الفلسطيني الرسمي المشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب بدورته التاسعة والأربعين، مؤكدة أن مفتاح العودة هو رمز لتمسك كل الفلسطينيين بالعودة إلى دورهم المحتلة في الأراضي المقدسة.
هنا المشكلة!
ورغم أنّ حق العودة للاجئين الفلسطينيين يستمد قوته من استناده للشرعية الدولية والقانون الدولي، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أنّ الكيان الصهيوني يرواغ ويكذب كثيرًا في هذا الإطار، وبحسب تقارير صهيونية رسمية لوزارة الخارجية الاسرائيلية، كشفت خوفها من أن الظروف القائمة حاليًا تجعل تدفق أعداد كبيرة من أبناء اللاجئين وأبناء أبنائهم على “إسرائيل” مهددًا لوجود الدولة “كدولة يهودية، لأنه سيطمس هويتها الأساسية كوطن قومي للشعب اليهودي وملاذ لليهود المضطهدين في كافة أنحاء العالم” بحسب زعم الوزارة .
وهنا الأزمة الحالية، التي يدور عليها الحديث ضمن ملامح صفقة القرن، وهو ما حذرت منه حركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى السلطة الفلسطينية الحالية بقيادة محمود عباس أبو مازن، وقال القائد السابق لحركة حماس خالد مشعل خلال زيارة لتركيا مؤخرًا: “لا تفريط بحق العودة، ولا اعتراف بشرعية الاحتلال، ولا استسلام أمام الحصار” مضيفًا أن الفلسطينيين سوف يتابعون المقاومة ضد صفقة القرن وأن عدو فلسطين “بدأ يعلم أن مؤامراتهم لن تمر، فلذلك بدأوا بمخطط جديد، بالقضاء على حق العودة، وإحكام السيطرة على القدس، وتجفيف منابع الدعم لحماس، ولكن في فلسطين شهيد ابن شهيد، ومجاهد ابن مجاهد، ولن يُهزَم شعبٌ أبناؤه مجاهدون، وفي هذا الإطار قال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية: إن مسيرة العودة الكبرى برهنت للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولصفقته أنه لا تنازل عن القدس ولا بديل عن فلسطين ولا حل إلا بالعودة، مؤكدًا حتمية “العودة لفلسطين ولكل فلسطين لا تنازل ولا تفريط ولا اعتراف بالكيان الصهيوني على شبر واحد من أرضها”.
اضف تعليقا