العدسة _ منصور عطية
لابدَّ أن الأمر ينطوي على مزيد من المهام القذرة التي تستعد كل من السعودية والإمارات أن تُوكِلها إلى آلاف المرتزقة الذين يقدمون هذه المرة من القارة السوداء.
ويبدو أن البلدان لم يكتفيا بجنسيات أخرى شاركت في بعض المهام، على نحو يدفع بالتساؤل حول الخطط المستقبلية التي وُضِعت بشأن مهام قذرة جديدة.
تشاد وأوغندا.. العنوان القادم
تقارير إعلامية، قالت إنَّ الرئيس التشادي “إدريس ديبي” الذي غادر مدينة الظهران السعودية، الاثنين، عقب مشاركته في تمرين درع الخليج المشترك، وصل إلى المملكة قبلها بيوم بصحبة فرقة عسكرية، وهو ما يؤكّد أنباء متواترة تحدثت عن استئجار الرياض آلاف الجنود التشاديين للعمل في السعودية كمرتزقة.
وكانت تقارير صحفية كشفت في وقت سابق عن إقدام الرياض على توقيع عقود سرية لاستئجار آلاف الجنود التشاديين ككتائبَ تخضع لإدارة الأمير محمد بن سلمان قبل تسلمه ولاية العهد.
ونسبت الصحيفة إلى مصادر لم تسمِّها أن لجوء السعودية إلى هذه الاتفاقيات يعود إلى نصائح غربية دعت “ابن سلمان” إلى تعميق علاقات بلاده مع دول إفريقية ترتبط بعلاقات وثيقة مع إسرائيل.
المفارقة أنَّ تلك التقارير تزامنت مع تقارير أخرى تحدثت عن اعتزام دولة الإمارات الاستعانة بجنود أوغنديين في اليمن، دون التنسيق مع السعودية.
ونقلت التقارير عن مصدر يمني قوله أن ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يعتزم زيارة أوغندا قريبًا لتوقيع اتفاقيات مع الرئيس “يوري موسيفيني”، من بينها اتفاقية تلتزم فيها أوغندا بتأمين 10 آلاف مقاتل أوغندي، يكون ألفان منهم في الصومال على أن يتم إرسال البقية إلى اليمن لدعم القوات الإماراتية المتواجدة هناك.
وأضافت أنَّ سبب استعانة الإمارات بالقوات الأوغندية، يأتي تحسبًا لسحب السودان قواتها المشاركة في التحالف العربي باليمن.
المثير أنَّ الكشف عن تلك الأنباء يأتي بعد أشهر قليلة من حدثين في غاية الأهمية بالبلدين، أولهما ما أزاحت عنه تقارير إعلامية الستار بشأن إقامة رئيس شركة “أكاديمي” حاليًا و”بلاك ووتر” سابقًا، في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، حيث يدار آلاف المرتزقة من جنسيات مختلفة في أكثر العمليات الأمنية والعسكرية سيئة السمعة التي عرفتها المنطقة منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 واحتلال أفغانستان في العام نفسه ثم العراق 2003.
وفي السعودية أثارت “قوة السيف الأجرب”، تلك الكتيبة المرتبطة بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الجدل بعد أن ذاع صيتها للمرة الأولى في واقعة القبض على 11 أميرًا تجمهروا أمام قصر الحكم في الرياض.
صحيفة “سبق” الإلكترونية الأشهر في البلاد والقريبة من ولي العهد، ربما تكون الوحيدة التي نشرت معلومات موثوقة بشأن تلك الكتيبة؛ حيث قالت في تقرير لها إنَّ “قوة السيف الأجرب”، تعد إحدى كتائب الحرس الملكي، وتشير معلومات الصحيفة إلى أنَّ تلك القوة ترتبط بشكل مباشر بولي العهد، وتمّ استحداثها فور تولي العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز لمقاليد الحكم في يناير 2015، ويزيد عدد أفرادها على 5 آلاف عسكري من مختلف الرتب.
الإمارات معقل المرتزقة
منذ 2010 غيّر “إريك برنس” رئيس شركة بلاك ووتر اسمها واختار الإقامة في الإمارات بعد أن تلطخت سمعته وواجه ملاحقات قضائية في أمريكا، ثم أنشأ قوة لحساب ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد قوامها 800 مقاتل أجنبي هدفها قمع أي ثورة داخلية في أعقاب اندلاع ثورات الربيع العربي.
التقارير الأمنية الغربية أشارت إلى أن بلاك ووتر تعاونت على نطاق واسع مع الإمارات والسعودية منذ سنوات، وقد تزايد هذا التعاون خلال سنوات الربيع العربي، جراء الخوف من انتقال عدوى الانتفاضات إلى هذين البلدين.
وقالت صحيفة “التايمز” البريطانية، إن الشركة حصلت عام 2010 على عقد من أبو ظبي بقيمة 500 مليون دولار تتولى بمقتضاه حماية أنابيب النفط والأبراج المهمة، وتوفير الدعم اللوجستي للجيش الإماراتي واحتواء الاحتجاجات الداخلية.
وكشفت الصحيفة عن استئجار أبوظبي مئات المرتزقة من كولومبيا كجزءٍ من جيش خاص وفرته شركة بلاك ووتر، وأشار موقع “كاونتر بانتش” الأمريكي أيضًا إلى أنَّ المئات من العناصر من كولومبيا وبنما والمكسيك وتشيلي يقاتلون إلى جانب الإمارات في اليمن.
من جانبها، ذكرت صحيفة “الجارديان” البريطانية في مايو 2011 أن “برنس” وقع اتفاقًا مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد بقيمة 529 مليون دولار استقدمت شركته بموجبه ودربت 800 عنصر -معظمهم من كولومبيا وجنوب إفريقيا- للقتال تحت قيادة القوات الإماراتية.
وفي نوفمبر الماضي، أكدت مجلة “إنتليجنس أونلاين” المتخصصة في متابعة أجهزة الاستخبارات في العالم أنَّ إريك برنس يعمل لصالح عمليات إماراتية خاصة في ليبيا، ووفقا لمصادر المجلة، فإن الطائرات المتمركزة في قاعدة سرية إماراتية في ليبيا يقودها طيارون يوظفهم “برنس”.
وأشارت تقارير إلى أنَّ أبو ظبي تعدّ عناصر بلاك ووتر لما هو أخطر؛ حيث أفادت مجلة “أي بي سي” الإسبانية في أكتوبر الماضي بأنها أعدت قبل حصار قطر مخططًا لغزوها، باستعمال مرتزقة بلاك ووتر، لكن الخطة سقطت، خاصة بعد رفض البيت الأبيض لها.
وفي أبريل 2017، كشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أنَّ دولة خليجية رتبت اجتماعا سريا بين مؤسس شركة بلاك ووتر وشخصية روسية مقربة من الرئيس فلاديمير بوتين، كجزء من محاولة على ما يبدو لتأسيس قنوات اتصال خلفية بين موسكو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
بعدها بأشهر اعترف “إريك برنس” أنّ الشخصية الروسية هي رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي “كيرل ديمترييف”، وأن الدولة الخليجية هي الإمارات.
ابن سلمان يشعل السعودية
لم يختلف الأمر كثيرًا في السعودية لكنه أحدث إلى حد كبير، ففي نوفمبر الماضي، قالت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، أن الأمراء السعوديين ورجال الأعمال المحتجزين، ضمن حملة مكافحة الفساد التي أطلقها ولي العهد السعودي، يتعرضون إلى عمليات تعذيب من قبل متعهدين أمريكيين.
وأضافت الصحيفة أن شركة “بلاك ووتر”، وهي أكاديمية عسكرية أمريكية خاصة، هي المسؤولة عن هذه التحقيقات، مشيرة إلى أنّ الرئيس اللبناني ميشال عون قد تحدث أيضًا عن تواجدها في السعودية.
ونقلت عن مصادر أن اسم “بلاك ووتر” يجري تداوله على أنه يوفر المرتزقة، “غير أن شركة الأمن الخاصة المثيرة للجدل لم تعد موجودة تحت هذا الاسم وأصبح اسمها (أكاديمي)”.
وكان اسم شركة “بلاك ووتر” قد طرحه الرئيس اللبناني ميشال عون، عندما كتب على “تويتر” يقول إنَّ رئيس الوزراء سعد الحريري محتجز في السعودية من قبل حراس “بلاك ووتر”، وذلك قبل أن يقوم بحذف التغريدة.
وأشارت مصادر إعلامية واستخباراتية متعددة إلى أنَّ المئات من عناصر الشركة انتقلوا من أبو ظبي إلى الرياض بطلب من ابن سلمان، وأفاد موقع “العهد الجديد” الإخباري بأن المجموعة الأولى من “أكاديمي” (150 شخصا) وصلت إلى السعودية بموجب عقد بلغت قيمته نحو مليار دولار، بعد أسبوع واحد من عزل ولي العهد السابق محمد بن نايف في يونيو الماضي وتولي محمد بن سلمان مكانه، في حين يناهز عددهم حاليًا الألف.
ووفقًا للصحيفة فإن عناصر الشركة تولوا الحراسات الأمنية في فندق الريتز كارلتون، حيث كان يعتقل عشرات الأمراء ورجال الأعمال، كما يتولون عمليات الاستجواب في الداخل، ومراقبة المعتقلين، فضلا عن الحراسة الشخصية لمحمد بن سلمان.
وقبل انتقال عمليات بلاك ووتر إلى الداخل السعودي- وفي حماية ابن سلمان ومشروعه كما تقول الصحيفة- استعانت الرياض قبل ذلك بإيريك برنس وشركاته الأمنية لتوفير مقاتلين من أجل حربها في اليمن، في محاولة لحسم الحرب.
وأشارت صحيفة “إل تمبو” الكولومبية إلى أنَّ 400 عنصر من الشركة، بينهم كولومبيون وأمريكيون ومكسيكيون، يقاتلون في بعض الجبهات في اليمن لمصلحة القوات السعودية، وأن بعضهم قتل في المعارك، خاصة في تعز.
ومع فتح الإمارات والسعودية المجال للشركات الأمنية في معارك الداخل والخارج، لم تعد بلاك ووتر اللاعب الوحيد- وإن كانت الأكثر نفوذًا حتى الآن- فقد أشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية إلى أنَّ نحو 10 شركات أمنية إسرائيلية خاصة، وأخرى تابعة لوزارة الأمن وجدت طريقها إلى السوق الإماراتي، لكن بأسماء غربية.
اضف تعليقا