يعيش آلاف السوريين في تركيا بالأيام الأخيرة، في تخوف وترقب خشية ترحيلهم إلى مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون” التي تسيطر عليها أنقرة بالتعاون مع فصائل من الجيش السوري الحر على الحدود السورية التركية.

وقد يكون الترحيل أيضاً، باتجاه إدلب الواقعة في مناطق خفض التصعيد شمالي سوريا والتي ما زالت تتعرض لقصف يومي من قبل روسيا ونظام الأسد رغم وجود نقاط مراقبة من قبل الضامن التركي؛ إثر اتفاق حصل بين روسيا وتركيا عام 2018.

 

إجراءات صارمة

هذا التخوف جاء بعد تصريحات أدلى بها وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، يوم السبت (13 يوليو الجاري)، حيث أكّد في لقائه مع مجموعة من الصحفيين والإعلاميين السوريين والعرب، أن تركيا بصدد تطبيق سياسات جديدة تجاه المواطنين السوريين في البلاد.

وطالب صويلو من السوريين في تركيا بتطبيق كامل القوانين المتعلقة بالتراخيص والأوراق الثبوتية وتصاريح العمل، والالتزام بنظام الحماية المؤقتة.

وشدّد على أنه سيتم القيام بإجراءات مشددة لضبط المخالفات، حيث سيكون اللاجئ المقيم في إسطنبول بصورة مخالفة معرضاً للترحيل إلى بلده، أو إلى ولاية أخرى إذا كان مسجلاً فيها، وذلك بهدف ضبط “الهجرة غير الشرعية”.

ولفت إلى أن المواطنين السوريين مستثنون من “قانون 5+1″، الذي يجبر أصحاب العمل على توظيف 5 عمال أتراك مقابل كل موظف أجنبي؛ ما يزيد من إمكانية توظيفهم، وتخفيف عبء هذا القانون عن مواقع عملهم.

من جانب آخر نشرت المديرية العامة لإدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية، على حسابها الرسمي بموقع تويتر، يوم الخميس (18 يوليو الجاري)، “تحذيراً” لجميع السوريين المقيمين في عموم تركيا ضمن قانون الحماية المؤقتة.

وأوضحت المديرية أنه وفقاً للمادة 33 من لائحة الحماية المؤقتة، فإن “السوريين في تركيا ملزمون بالامتثال على المواضيع التي تطلبها المديرية العامة لإدارة الهجرة والمحافظات”.

وشددت أن “انتهاك هذه الالتزامات سوف يتعارض مع المواقف والسلوكيات لشروط ومتطلبات النظام العام، وإن القيام بالإخلال في النظام العام يعد أحد أسباب إلغاء الحماية المؤقتة وفقاً للمادة 8 من لائحة الحماية المؤقتة”.

وأضافت: “إذا كنت تريد الذهاب من محافظة أخرى غير المحافظة التي قمتم بالتسجيل فيها، يجب عليك التقديم بطلب إلى مديرية إدارة الهجرة في المحافظة أو الوحدات المعنية من أجل الحصول على إذن الطريق”.

واستطردت: “وإلا سيتم اتخاذ الإجراءات القضائية والإدارية بحقكم، بما في ذلك إلغاء الحماية المؤقتة”.

 

التطبيق فوري

ويظهر أن تطبيق تلك الإجراءات بدأ تزامناً مع تصريحات الوزير التركي، فقد قامت دوريات من الشرطة بترحيل عدد من السوريين المخالفين في مدينة إسطنبول نحو مناطق الشمال السوري.

وقال أحد المرحلين (رفض ذكر اسمه) لموقع “الخليج أونلاين”: “قامت دورية بإيقافي في بلدية إسنيورت بولاية إسطنبول، وطلبوا هوية الحماية المؤقتة الخاصة بي (الكمليك)، وهي مسجلة إصدار ولاية بولو، سألوني عن إذن السفر قلت لهم ليس لدي، وطلبوا مني الصعود إلى الباص”.

وأضاف: “تم تحويلي إلى السجن، وهناك ناقشتهم لعلي أخرج بنتيجة، لكن تم توقعيي على أوراق مكتوبة باللغة التركية، ثم ترحيلي مع 100 شخص آخرين إلى إدلب على دفعتين”.

من جهته ذكر “مركز الغوطة الإعلامي” على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك، أنّ السلطات التركيّة رحّلت، يوم الخميس الفائت (11 يوليو)، 26 سوريّا (جلّهم مِن مهجّري دمشق وريفها) ونقلتهم بالحافلات إلى منطقة عفرين شمال غرب حلب، وذلك بعد توقيفهم في منطقة “إسنيورت” بمدينة إسطنبول وسجنهم لـ عدة أيام، نتيجة حيازتهم “كيملك” مِن ولاية تركيّة غير إسطنبول

وقال أحد الأشخاص المرحلين، إلى الشمال السوري، لمركز الغوطة الإعلامي: “بعد زجنا في السجن بسبب مخالفة كملك الولاية، طلبت منا الشرطة التركية التوقيع على أوراق لا نعرف مضمونها، بعضنا رفض التوقيع إلا بوجود مترجم، فتعرض للضرب الشديد والتوقيع بالقوة”.

وأردف: “بعد خمسة أيام من التوقيف، ظننا أنه وجهتنا الولاية التي نتبع لها، لكن فوجئنا مساءً بدخولنا منطقة عفرين من معبر الحمام ثم أطلقونا في مدينة جنديرس التابعة لمنطقة عفرين”.

 

محاولات لإيجاد حلول

وفي إطار الإجراءات الجديدة أطلق منبر الجمعيات السوريّة في تركيا، يوم الأحد (14 يوليو)، رابطين اثنين بهدف جمع معلومات تتعلق بـ السوريين الذين رُحّلوا مؤخّراً إلى الشمال السوري، والسوريين غير الحاصلين على بطاقة “الحماية المؤقتة” (كيملك)، مِن أجل مساعدتهم.

 

تحركات للحل

وأوضح باسل هيلم، نائب رئيس الجمعيات السورية، في حديث لموقع “الخليج أونلاين” أنّ “إطلاق هذه الروابط جاء بعد التنسيق مع وزارة الداخلية التركية، حيث أنّ الأرقام التي تحدثوا عنها ضخمة جداً، حيث يمكن أن نضغط ما استطعنا لحل مشكلة السوريين المرحّلين، والمقيمين غير الحاصلين على (كمليك)”.

وأردف “هيلم” أنهم سيقدّمون أسماء الأشخاص الذين أدخلوا بياناتهم حسب وضعهم في كلا الرابطين، إلى الجهات المختصة في الحكومة التركية، للعمل على استعادة “كيملك” مَن تمّ ترحليه وعودته إلى تركيا، واستخراجه لغير الحاصلين عليها بعد، وإن كان من ولايات غير إسطنبول.

وعن حالات التوقيع على أوراق الترحيل بطريقة إجبارية قال “هيلم” إنّ ذلك “يعد غير قانوني، وأنّ الترحيل للشخص الذي يحمل هوية ولاية غير  ولاية إسطنبول أيضاً يعد أمراً غير قانوني ومخالف للقانون الدولي عبر إجباره للعودة إلى سوريا؛ ويتم بحالات فردية من قبل عناصر كارهين للوجود السوري في تركيا”.

وبخصوص عدم وجود إذن العمل لمن يملك “كمليك” إسطنبول، بيّن “هيلم” أنّ هذه الحالات لا ترحل أبداً، إنما يعاقب صاحب العمل وتفرض عليه غرامة، فيما أنّ العامل يُطلب منه استخراج إذن عمل “وهو متاح، ولكن يخضع الأمر لمزاجية الموظف، وعقليته وطلباته، كما أنّ هناك سماسرة يستغلون السوريين ويضعون مبالغ ضخمة جداً لاستخراجه”.

وذكر موقع “تلفزيون سوريا” المعارض، يوم الأربعاء (17 يوليو الجاري) أن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، أجرى ورشة عمل من أجل مناقشة القضايا التي تخص اللاجئين السوريين في عموم تركيا وبالتحديد في مدينة إسطنبول.

وتمحورت النقاشات خلال ورشة العمل حول الوضع القانوني للسوريين منذ عام 2012، وخاصة الحقوق والواجبات على المواطنين السوريين الحاملين لبطاقة الحماية المؤقتة “الكلميك”، إضافة إلى أذونات العمل وكيفية إخراجها وأسباب رفضها، وفق المصدر ذاته.

يشار إلى هذه الإجراءات تزامنت مع حديث الحكومة التركية عن مناطق آمنة يتم إنشاءها في شمال سوريا، وعن عودة طوعية لعشرات آلاف السوريين، وإغلاق مخيمات لجوء للسوريين في ولايات جنوب البلاد وعودة بعض قاطنيها إلى تلك المناطق.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال الخميس الماضي 11 يوليو الحالي: “سوف نتخذ الخطوات اللازمة لتشجيعهم (أي السوريين) على العودة، سنرحل من ارتكب منهم جرائم وسنأخذ الضرائب على العلاج الطبي الذي يتلقونه”.

وفي بداية عام 2019 قدرت إدارة الهجرة التركية عدد السوريين المقيمين في البلاد 3.6 مليون نسمة معظمهم يخضعون لقانون الحماية المؤقتة، وينتشرون في جميع الولايات، خصوصاً القريبة من الحدود السورية، وإسطنبول التي يتجاوز عدد السوريون فيها الـ 560 ألف شخص بينهم عشرات آلاف المخالفين.

كما أنّ الحكومة التركية منحت قرابة الـ 90 ألف سورياً الجنسية التركية “الاستثنائية”، والتي أعطيت في غالبها للمعلمين والأكاديميين والأطباء والطلاب.

جديرٌ ذكره أنّ المعارضة التركية طالبت بترحيل السوريين أكثر من مرة، ووضعت ذلك في مقدمة وعودها الانتخابية إذا ما نجحت وحازت الرئاسة أو البرلمان أو البلديات، حيث اعتبره السوريون وجزء من الشعب التركي خطاباً عنصرياً، في الوقت الذي يجد له مؤيدون كثر بين الأتراك أنفسهم.

في المقابل طالبت وقفة تضامنية لعشرات الأتراك في إسطنبول (في 6 يوليو الجاري) بوقف العنصرية تجاه السوريين ومنع ترحيلهم والهجوم عليهم والإساءة لهم، داعين العنصريين لمغادرة البلاد.

ومنذ بداية الثورة السورية وقدوم اللاجئين إلى تركيا، لم ترحل أنقرة أي من السوريين باتجاه مناطق سيطرة نظام بشار الأسد، الأمر الذي يعرض المٌرحّل لخطر الاعتقال أو القتل؛ وهو مخالف بطبيعة الحال للقانون الدولي، وفق مراقبين.

لكن وكالة الأناضول التركية ذكرت في يناير الماضي، أن نحو 300 ألف سوري عادوا من تركيا إلى مناطق شمالي سوريا طوعياً منذ انطلاق عمليتي “درع الفرات (2017)” و”غصن الزيتون (2018)”.