لا يزال النظام الإماراتي يتلقي الصفعات المتتالية من قبل المؤسسات الدولية والهيئات العالمية نظراً لانتهاكاته المستمرة لحقوق الإنسان، حيث أصدرت هيئة تنظيم البث والرقابة على الاتصالات في بريطانيا قراراً يدين قناة “أبوظبي” الإماراتية؛ لبثِّها اعترافات مزعومة لمواطن قطري أثناء وجوده في سجون أبوظبي عام 2013.

خرق للعدالة

وفي تطور لافت أصدرت هيئة البث البريطانيه “Ofcom” قرارا بإدانة قناة أبوظبي لبثها مقابلة تلفزيونية سجلت على شكل اعترافات مزعومة مع الدكتور محمود عبد الله الجيدة أثناء وجوده في سجون أبو ظبي عام 2013، معتبرة أن عملية انتزاع الاعترافات التي تمت مع الجيدة تمثل خرقاً للعدالة.

وجاء في القرار أن قناة أبوظبي  التابعة للمجموعة الاعلامية Abu Dhabi Media Company PJSC (“ADMC”) قامت بتاريخ 28/06/2020 ببث المقابلة المسجلة تحت عنوان “محمود الجيدة والتنظيم السري في الإمارات”.

واعتبر القرار أن بث المقابلة رغمًا عن إرادة الجيد الذي عذب وعومل معاملة مهينة في السجن يعتبر خرقا جسيما لقواعد العدالة والإنصاف المنصوص عليها في لوائح “Ofcom” وتنتهك قواعد الخصوصية .

وتوعد القرار بانزال عقوبات بالقناة حيث جاء فيه “تعتبر Ofcom أن انتهاكات القواعد 7.1 و 8.1 من المدونة الناظم لمؤسسة البث خطيرة،لذلك فإننا نبلغ المرخص له بأننا نعتزم النظر في الانتهاكات لفرض عقوبات قانونية”.

وتعود أحداث القضية إلى آذار 2018 عندما تقدم الجيدة بشكوى إلى Ofcom عبر محاميه في Temple Guarden; حيث حاولت قناة أبوظبي في البداية عرقلة التحقيقات عبر عدم الرد على طلبات هيئة البث مما حدا بالهيئة الى فتح تحقيق في سلوك القناة وتوجيه تحذير لها بإمكانية سحب الرخصة مما حدا في القناة بالرد ” الإدارة القديمة اختارت تجاهل رسائل هيئة البث ولكن اليوم في ظل الإدارة الجديدة فإنها تعبر عن عزمها التعاون مع أوف كوم”.

وفي هذا السياق قال الدكتور محمود الجيدة: “أنا سعيد بهذا القرار وهو بداية بسيطة لإحقاق العدالة ، لقد تعرضت لتعذيب شديد و معاملة حاطة من الكرامة من قبل الأمن الإماراتي وقناة أبو ظبي لتحطيمي وشيطنتي بربطي وربط دولتي قطر بالإرهاب،وهذا القرار بالطبع لا يعوضني عما لحق بي من أذى إلا أنه بدايه بسيطه لإحقاق العدالة وهناك العديد من القضايا بانتظار البت لمحاسبة الجناة”.

من جهتها، اعتبرت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر قرار إدانة قناة أبوظبي الحكومية “سابقة تاريخية”.

وعبر الدكتور علي المري رئيس اللجنة عن سعادته بالقرار وقال: “على الرغم من أن القضية أخذت وقتا طويلا للبت فيها إلا أنها انتهت بقرار حاسم فيه عقوبات تردع مثل هذه القنوات في المستقبل من استخدام الفضاء من أجل بث بروباجندا سياسية وحكومية وأمنية، والترويج للأكاذيب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”.

قمع متواصل

ويوما بعد الآخر، يتزايد القمع الإماراتي لحريات المواطنين، حيث قالت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية إن دولة الإمارات تضطهد الناشط الحقوقي أحمد منصور المعتقل على خلفية الرأي، مطالبة بالإفراج عنه فورا.

وقال جو ستورك الخبير الحقوقي الدولي ونائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان إن منصور حُبس في زنزانة منعزلة في الإمارات منذ اعتقاله في مارس/آذار 2017، وحُرم من الكتب، والسرير، وحتى الهواء النقي، فتدهورت صحته.

وحكمت محكمة إماراتية على أحمد منصور بالسجن 10 سنوات بتهمة “إهانة هيبة ومكانة الدولة ورموزها” و”نشر معلومات كاذبة وشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي”.

وقال ستورك “لا نعرف ما هي “الإهانة” المزعومة أو “المعلومات الكاذبة” التي يمكن أن تبرر عقدا خلف القضبان. انتهت محاكمة أحمد ولم يُعلن عن لائحة الاتهام ولا حكم المحكمة. استخدم أحمد “فيسبوك” وغيره من منصات وسائل التواصل الاجتماعي للفت الانتباه إلى إنكار العدالة في الإمارات. كما تبادل المعلومات مع المنظمات الحقوقية في الخارج حول المحاكمات الجائرة التي أودت بنشطاء حقوقيين ومحامين إماراتيين إلى السجن.

وأضاف أن “هذا دليل على دبلوماسية الإمارات السلسة وأموال العلاقات العامة التي جنبتها طويلا انتقاد سجلها الحقوقي المروع من قبل حلفاء مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا. ما الذي كان سيقوله جورج أورويل عن دولة استضافت بوقاحة “قمتين عالميتين للتسامح” وأنشأت وزارة “السعادة وجودة الحياة”، بعد إغلاق الجمعيات المدنية والسياسية التي روّجت سلميا لوجهات نظر مختلفة عن آراء الحكام؟ غياب أي صحافة مستقلة في الإمارات زاد أهمية التغطية التي يقدمها أحمد على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن زاد أيضا الخطر المرتبط بها.

وأكد الخبير الدولي ان اضطهاد الإمارات بحق أحمد منصور بسبب “جرائمه الفكرية” قاس وغير مبرر، وأن الأحداث الرياضية والثقافية الدولية هي الوجه الذي يقدمه حكام الإمارات إلى العالم، لكنهم لا يستطيعون إخفاء المشهد الفظيع للحقوقي الرائد وحيدا في زنزانة خاوية، في ظروف غير إنسانية.

تسامح زائف

من جانبها، تواصل المنظمات الحقوقية العالمية فضح الانتهاكات الخطيرة التي تمارسها الإمارات، حيث قالت منظمة العفو الدولية- فرع الخليج، إن دولة الإمارات تحاول تلميع صورتها أمام المجتمع الدولي  من خلال شعارات التسامح الزائفة.

وقالت منظمة “مراسلون بلا حدود” في تقرير لها أن “الإمارات أصبحت رائدة في المراقبة الإلكترونية للصحفيين الذين أصبحوا أهدافًا دائمة بعد أن تمّ إقرار قانون الجرائم الإلكترونية سنة 2012، حيث أصبح الصحفيون هدفًا للسلطات في الإمارات بمجرّد تقديمهم أي نقد”

وفي سياق متصل، رفضت منظمات حقوقية دولية ترشيح مسؤول إماراتي لرئاسة الشرطة الجنائية الدولية الإنتربول، واعتبرته بمثابة عار وانتكاسة لا يجب على المجتمع الدولي السماح به.

وأكدت 15 منظمة أن ترشيح اللواء أحمد ناصر الريسي المفتش العام لوزارة الداخلية بدولة الإمارات لرئاسة الإنتربول) يتعارض مع رسالة المنظمة الدولية ويؤثر بشدة على قدرتها في تنفيذ مهمتها.

وخاطبت تلك المنظمات بشكل مشترك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيترش لتأكيد أن احتمال ترأس الريسي الشرطة الجنائية الدولية يضر بسمعة الإنتربول ويتعارض بشكل كبير مع روح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومهمة المنظمة.

وأبرزت المنظمات سجل الإمارات السيئ في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك الاستخدام المنهجي للتعذيب وسوء المعاملة في مرافق أمن الدولة، منوهة إلى “التقارير السابقة حول إساءة استخدام الإمارات للنشرات الحمراء للإنتربول”.

ونوه البيان إلى أن الريسي هو جزء من جهاز أمني يستمر في استهداف المنتقدين السلميين بشكل منهجي، مما يجعل الحيّز المدني غير موجود تقريبًا في الدولة، حيث تعرض المحامون والصحفيون والنشطاء السياسيون والمدافعون عن حقوق الإنسان في الإمارات لأعمال إنتقامية قاسية وأساليب ترهيب واختفاء قسري وتعذيب واحتجاز تعسفي نتيجة للتعبير السلمي عن آرائهم، بما في ذلك تهم ملفقة تتعلق بـ(الإرهاب).

وكان فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي، قد أعرب في رأي صدر مؤخرًا، عن قلقه إزاء “المشكلة المنهجية المتعلقة بالاحتجاز التعسفي في الإمارات”، مضيفًا أن “الحرمان الممنهج من الحرية في انتهاك للقانون الدولي “قد يشكل جرائم ضد الإنسانية”، وفق بيان المنظمات الحقوقية.

ومن أهم المنظمات الحقوقية الموقعة على البيان هي: منظمة هيومن رايتس ووتش، أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، جمعية ضحايا التعذيب في الإمارات، الديمقراطية في العالم العربي الآن (DAWN)، المركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان، مركز الخليج لحقوق الإنسان، الحملة الدولية للحرية في الإمارات، المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان، المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب.