العدسة – ربى الطاهر

لم تختلف النتائج التي توصلت إليها الدراسات النفسية، وكذلك الطبية، على أن إدمان المواقع الإباحية له آثار مدمرة على العديد من المستويات النفسية والاجتماعية، بل وكذلك الجسدية، فقد شملت بعض هذه الأعراض التي حذر منها العلماء بكافة تخصصاتهم ما بين التعرض لمرض باركنسون “الشلل الرعاش” وبين انفصام الشخصية.

ولعل انطلاق هذه التحذيرات تصاعد مع زيادة معدلات الدخول على هذه المواقع عبر الأجهزة الإلكترونية، وربما دلت الإحصائيات على الحجم الحقيقي لمثل هذه المشكلة؛ فقد أكد بول فيشبين، رئيس إحدى شبكات تسويق الفيديوهات للبالغين أن العائد الاقتصادي لصناعة المواد الإباحية قد تصاعد من 13 مليار دولار في العام 2006، إلى 20 مليار دولار في العام 2007، وتحقق ذلك من خلال مبيعات الفيديو والإنترنت والتليفزيون والمجلات، واختصت الولايات المتحدة وحدها بـ 50% من هذه النسبة… إلا أن هذه الصناعة الرائجة منيت بخسارة كبيرة بعد العام 2007، نظرًا لإتاحة هذه المواد الإباحية مجانًا على شبكة الإنترنت.

وأكد المختصون في التجارة الإلكترونية، أن تداول تلك المنتجات الإباحية بيعًا وشراء يعتبر من أقدم أنشطة هذه التجارة بل وأسرعها نموًّا وانتشارًا، وأوضحت تقديرات لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي لعام 2012، أن ما يتراوح بين 70 إلى 80 % من هذه المواقع المجانية، إنما هي مجرد طعم لصالح المواقع مدفوعة الأجر، مشيرة إلى أن مشاهدة هذه المواقع تجذب 30000 شخص كل ثانية، وتصل أرباح هذه المواقع إلى 3000 دولار أيضًا كل ثانية.

وتوصلت إحدى الدراسات التي أجريت على 800 شاب بلندن في سبتمبر 2012 إلى أن معظم المراهقين يشاهدون هذه المواقع بمعدل يتراوح ما بين مرتين إلى ثلاثة أسبوعيًّا فيما أشارت دراسة هندية أخرى أجريت في مايو 2013، إلى أن 80% من طلاب المدارس الثانوية يشاهدون هذا المحتوى كما أن 70% من الرجال أيضًا يتابعون هذه المواد، والتي تمثل 30% من المواد المتاحة عبر الإنترنت.

آثار متابعه هذا المحتوى

وكشفت دراسة تحت عنون “تأثير إدمان المحتوى الإباحي على الصحة العقلية وأثره على الأسرة والجتمع”، أن متابعة مثل هذه المواد يزيد من العوارض السلبية التي تواجه الأسرة مثل الانفصال والطلاق وزيادة اتباع سلوكيات مسيئة غير قانونية، بالإضافة إلى انخفاض النظرة التقديرية إلى الزواج وعدم الاقبال على بناء أسرة مستقرة ذات علاقات سليمة وإنجاب إطفال.

كما أوضح البروفيسير وليام ستروزر، أستاذ علم النفس بجامعة ويتون الأمريكية أسباب الإقبال على مشاهدة هذا المحتوى الإباحي أن هناك خمسة مركبات كيميائية مسؤولة عن ارتفاع الشهوة الجنسية في المخ لدى الرجل، أهمها وأشهرها هي مادة “الدوبامين” وهي هرمون السعادة وأحد أهم عوامل الاستمتاع الجنسي، وغالبًا ما تكون هي المسؤولة عن التفاعل والشعور بالسعادة عند مشاهدة المواد الإباحية، وهي أيضًا المسؤولة عن إدمان المواد المخدرة بشكل عام، وهذه المادة تمنح المشاهد في بدايات التعاطي مع هذه المواد شعورًا بالراحة وإزالة التوتر الجنسي الذي يعانيه، ولكن الأمر يختلف مع مرور الوقت؛ فإفراز هذه المادة بنسب أعلى من معدلاتها الطبيعية يصيب بأمراض حركية مثل “باركنسون”، وانفصام الشخصية، وقصور الانتباه، ومتلازمة توريت.

والتعرض المستمر لهذه المواد يزيد من إفراز “الدوبامين” وهو يؤثر سلبًا على إفراز هذه المادة بشكل طبيعي، ومع مرور الوقت يحدث التحفيز فوق الطبيعي مع كثرة مشاهدة المزيد من هذا المحتوى حيث يتعرض الفرد للإثارة الزائدة عن المعدلات الطبيعية، وهو ما يجعل المخ يلجأ إلى تغيير الكيمياء الخاصة به فيخفض من قدر استجابته للدوبامين، وهو ما يترتب عليه أن التعرض للمشاهد الإباحية المعتادة أو حتى ممارسة الجنس بشكل طبيعي لن تحقق للمشاهد هذا الشعور بالسعادة مما يعني أن الأمر تخطى حدود ممارسة الجنس الطبيعية أو حتى الاكتفاء بما كان يشاهده من مقاطع فيديو سابقا، ولكنه سيزيد من أوقات المشاهدة، وعدد المقاطع الإباحية، ومع الوقت يبحث عن الجديد من الأفلام الإباحية، والتجارب الجديدة، حتى يتمكن من الوصول إلى الشعور بالسعادة التي كان يشعر بها سابقا… ولكن الأمر في تطور دائم، فسيستمر المشاهد من انحدار إلى آخر بلا نهاية.

وليس هذا هو السبب الوحيد في الإقبال المتزايد على هذه المشاهد، وإنما قد يرجع الأمر كذلك إلى “تأثير الكوليدج”، وهي ظاهرة تختص بها الثدييات، حيث تجعل التواصل مع شريك جديد يضفي نوعًا من التجديد الذى يقابله إهمال وعدم الرغبة بالتواصل مع الشريك القديم.

ويبين “ستروزر” مدى خطورة مشاهدة هذه المواد لأنها في حالة مستمرة من التنوع والتجديد، عكس إدمان المخدرات والأطعمة، وفسر إقبال المراهقين على هذه المواد بأن إفراز الدوبامين لديهم يكون في أعلى مراحله، كما أن الخلايا العصبية تكون أيضًا في أكثر درجات مرونتها، وفيما يخص الرجال، فإن الأمر يختلف لديهم، حيث إن منطلقات مشاهدتهم لهذا المحتوى تعود لأسباب نفسية، منها: الشعور بالقلق الاجتماعي، أو الضعف الجنسي، أوالتصورات السلبية عن النفس.

التأثير على العلاقات الزوجية

وذكر تقرير نشرته مجلة “صحة المراهقين”، أن إدمان المحتوى الإباحي من شأنه تعريض صاحبه للعديد من الأعراض التي قد تؤدي إلى مشاكل مرضية واجتماعية منها إعطاء النشاط الجنسي تقديرًا اجتماعيًّا مبالغ فيه، وعدم التقدير لأهمية الزواج وجدوى العلاقة بداخله، وعدم الإقبال على إقامة أسرة وإنجاب أطفال وتربيتهم، وإقامة علاقة زوجية في إطارها الصحيح، بل ينظر إلى الزواج على أنه مجرد حصار لا داعي للاقتراب منه.

وكشفت دراسة أخرى أن هناك 100 أثر سلبي يواجه الأطفال والمراهقين من مشاهدة المحتوى الإباحي، أهمها ردود الافعال السلبية بشكل دائم، والتعرض للأمراض الجنسية المعدية، والتعرض لاكتساب معلومات عن النشاط الجنسي غير صحيحة، والاعتقاد في إمكانية تحقيق الإشباع الجنسي بدون شريك.

كما أثبتت دراسة أخرى أجريت عام 2007، أن مشاهدة الرجال لعدد كبير من صور الفتيات الإباحية يؤدي إلى عدم التقدير للزوجة والتقليل من شأنها في نظرهم، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى الطلاق أو الطلاق الصامت، والنفور بين الزوجين، فقد تتحول نظرة الزوج لزوجته فيراها أقل جاذبية من هؤلاء الفتيات.

التعافي من إدمان الإباحية

ومثل أي إدمان، يمر المدمن أثناء التعافي بمرحلة انسحاب، حيث تتسبب هذه المواد الإباحية في تغيير كيمياء المخ والجسم كذلك إلا أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، ولكنه يتخطى ذلك إلى آثار نفسية سيئة بالإضافة إلى تدهور صحته الجنسية، وقد تدمر حياته الزوجية أو تكون على المحك في أحسن الأحوال، فهذه الصناعة لا تهدف إلى تحسين أحوال المشاهدين لها، أو حتى تحرص على تقديم معلومات جديدة قد تفيده، وإنما تسعى لربط المشاهد بما تقدمه من منتجات بهدف الربح فقط.

ويقدر المتخصصون فترة التعافي من هذه المواد الإباحية بشهرين كحدٍ أدنى، وحتى يتمكن المدمن من استرداد كامل طاقته وصحته الجنسية يمر فيها بمرحلة الانسحاب، ويعد أبرز الأعراض التي يتعرض لها المدمن في هذه المرحلة، هو ما اصطلح على تسميته بالخطّ المستوِي (Flatline)، ما يعني أن هذه الفترة تعد مرحلة “موت جنسي”، ويفقد فيها المريض رغبته الجنسية بشكل كامل، ويسيطر عليه الشعور بالخمول، ولكن هذا العرض يختفي تمامًا مع تعافي كيمياء الجسم وعودتها إلى ما كانت عليه سابقا، ومن ثم تعود الأمور إلى طبيعتها.