العدسة – معتز أشرف

أيام فاصلة وطبول للحرب تدق في مواجهة إيران من مكتب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في البيت الأبيض، وطرح استعدائي انطلق من منصة وزارة الخارجية الأمريكية مرفق فيه 12 شرطًا للتوصل إلى اتفاق جديد مع إيران، إنها عاصفة جديدة تواجه الجمهورية الإسلامية، فهل تركع أمام من قالت عنه يوما إنه الشيطان الأكبر! أم تعلن التحدي؟ وهل لديها قدرات على ذلك؟ هذا ما نجيب عنه في سياق المؤشرات الحالية التي قد تغيرها في لحظة قرارات “ترامب” الهوجاء بحسب ما يرى كثير من المراقبين.

إعلان حرب

في أول خطاب رئيسي عن السياسة العامة لـ”بومبيو” منذ توليه منصب وزير الخارجية، وبعد أسبوع على إعلان “ترامب” الانسحاب من الاتفاق الذي وقعه سلفه باراك أوباما مع إيران والقوى العالمية، وعقب مناشدات من الحلفاء الأوروبيين بعدم الانسحاب من الاتفاق، أطاح وزير الخارجية الأمريكي “الاثنين” بالجميع، وأعلن “الاثنين” الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، والتي تتكون من 7 محاور للتعامل مع إيران فيما يوصف بأنه مواجهة حادة تقترب من الحرب، ووفق برايان هوك، أحد كبار مستشاري وزيرة الخارجية الأمريكية، فإن “سياسة واشنطن الشاملة تجاه إيران تأتي في إطار مواجهة كافة التهديدات الإيرانية”.
الضغط الاقتصادي هو الجانب الأبرز من الإستراتيجية الجديدة تجاه إيران، حيث من المستهدف أن تتعرض إيران للعقوبات الأكثر قسوة في التاريخ إذا واصلت سياساتها مقابل الإيقاف الفوري إذا وافقت على المطلوب منها، والذي تم بلورته في 12 شرطًا أمريكيًّا من إيران حول دعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار في المنطقة، إلى جانب الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه البرنامجين النووي والصاروخي لطهران، وكذلك استمرار قمع حراك الشعب الإيراني من أجل التغيير وانتهاكات حقوق الإنسان.
ثلاثة مطالب فورية على إيران تنفيذها، وهي: وقف دعم الإرهاب وحزب الله والحوثيين وسحب قواتها من سوريا، مع السماح لمفتشي الوكالة الدولية بدخول كل مواقعها النووية، ووقف إنتاج أية صواريخ قادرة على حمل رءوس نووية، وإعطاء الشعب الإيراني أبسط حقوقه، وعدم التوسع في المنطقة، فيما أعلنت واشنطن بوضوح في الإستراتيجية الجديدة الإطاحة بنظام الحكم في إيران مؤكدة أنها ستعمل على دعم الشعب الإيراني الذي لم يعد قادرًا على تحمل حكومته، وأصبح غاضبًا من النظام الذي ينهب موارده، ويتطلع لتغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية في بلاده، وهو التهديد الأبرز فيما يبدو للجمهورية الإسلامية في مواجهة من أسمته في وقت سابق “الشيطان الأكبر”.

توقع إيراني

إيران في أول رد صادر منها توقعت الحرب وأعلنت الاستعداد لها، ووفق بيان وزارة الخارجية الإيرانية “الاثنين” أكدت طهران رفض جميع الاتهامات والأكاذيب الواردة فيما يسمى بالإستراتيجية الجديدة، واعتبرت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي تدخلًا سافرًا في شؤونها الداخلية، وتهديدًا غير قانوني ضد دولة عضو في الأمم المتحدة، واحتفظت بالحق في اتخاذ الإجراءات القانونية، مؤكدة أن حكومة الولايات المتحدة ستكون مسؤولة عن عواقب أي إجراء إيذائي وغير قانوني وسلطوي ضد الشعب الإيراني، وفق البيان الذي شددت فيه كذلك على أن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي دولة ولدت من رحم الثورة الإسلامية للشعب الإيراني، الذي وقف صامدًا ومنتصرًا خلال أربعة عقود من حياة الثورة المباركة أمام جميع المؤامرات الخبيثة لأمريكا وحلفائها، وسوف تستمر (الجمهورية الإسلامية الإيرانية) في الوجود بقوة، وتفشل أيضًا المؤامرات الأمريكية الجديدة”.
5 اتهامات وجهتها طهران لوزير الخارجية الأمريكي والبيت الأبيض، وهي بحسب البيان: “الفقر المعلوماتي، والضعف في البصيرة، والتخلف في التحليل، والتخبط في عمليات صنع واتخاذ القرارات في الولايات المتحدة، وجهل التيارات المتشددة والداعية للحروب في أمريكا، ودعم الإرهاب، ولاسيما إرهاب الدولة”، مؤكدة أن النظام الأمريكي، ليس في موقف يسمح له بوضع الشروط أمام بلد عظيم كالجمهورية الإسلامية الإيرانية التي التزمت بجميع تعهداتها، ولا يحق له ان يقرر سياسات إيران في المنطقة.
ميدانيًّا، ركزت إيران في المقابل على الاتحاد الأوروبي، حيث استقبل وزیر الخارجیة محمد جواد ظریف، مساء الأحد، مفوض الاتحاد الأوروبي میجیل آریاس كانیتي، والوفد المرافق له في العاصمة طهران، وحصل على وعد واضح بالاستمرار في الاتفاق، حيث أكد مفوض الاتحاد الأوروبي أن الإرادة السیاسیة لدى الاتحاد الأوروبي ترتكز على تنفیذ الاتفاق النووي ومواصلة التعاون بین الشركات الأوروبیة مع ایران، وهو ما أكدته وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موجيريني، عقب إعلان “بومبيو” أنه لا يوجد حل بديل عن الاتفاق النووي مع إيران، موضحة أن “خطاب الوزير “بومبيو”، لم يثبت البتة كيف أن الانسحاب من الاتفاق النووي جعل أو سيجعل المنطقة أكثر أمانًا حيال تهديد الانتشار النووي، أو كيف سيجعلنا في موقع أفضل للتأثير في سلوك إيران في مجالات خارج إطار الاتفاق”.

إنها المواجهة!

رسائل عدة تكشفها إستراتيجية “بومبيو”، بحسب مراقبين، فهي تأتى ردًّا من جانبه على الأصوات الأمريكية الداخلية ووسائل الإعلام التي تقول بأن الإدارة الأمريكية لا تملك إستراتيجية محددة تجاه إيران، سوى المضى قدما في معاقبتها، كما أنها تعيد واشنطن بها الكرة إلى الملعب الإيرانى بعد الانسحاب من الاتفاق النووي، الثلاثاء 8 مايو الحالي، بالتزامن مع محاولات البعض من أوروبا والصين وروسيا التوصل إلى اتفاق جديد يعرض على إيران، فضلًا عن الضغط لإقرار اتفاق جديد التوصل إلى التزام توقعه إيران يضرب أكثر من عصفور -كما يقولون- بحجر واحد، فمن حيث يعمل على وقف مشاركتها في اليمن وسوريا ولبنان، يسعى إلى تعديل “البنود المرفوضة من “ترامب” في الاتفاق النووي، وإدخال تعديلات على بنود الغروب وإلزام إيران بوقف التجارب الصاروخية الباليستية.
“إعلان حرب مؤقت”، هكذا يمكن قراءة الإستراتيجية الجديدة، التي قدمت السقف الأعلى للإدارة الأمريكية، فإذا وافقت إيران عليها فهو صك الاستسلام، وإن رفضت أعلنت الحرب عليها من خلال عمل عسكري قريب جدًّا أو عقوبات اقتصادية كبيرة جدًّا، وهو ما ينتظر رد الفعل الأوروبي والحلفاء، وهم الصين وروسيا، الذين تراهن عليهم إيران قبل أن تقرر المواجهة بالخروج من الاتفاق وإعادة تخصيب اليورانيوم وبدء المواجهة مع أمريكا.
بعض المراقبين -في سياق آخر- يرون أن الأمر برمته “فخّ لـ”ترامب”، بحسب تقدير موقف صادر عن مركز كارنيجي للشرق الأوسط، حيث يضع المتشدّدون بشأن الاتفاق النووي مع إيران الرئيس الأمريكي أمام خيار يتيم، ألا وهو “الحرب”، مؤكدين أنه في الوقت الذي تتكيّف فيه دول العالم مع قرار الرئيس دونالد “ترامب”، بسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، فإنّ العديد منها تدرك من دون شكّ إلى أين سيُفضي المسار الأمريكي: “الحرب”.
إستراتيجيًّا، بحسب المركز ستبقى إيران في خطة العمل الشاملة المشتركة ما دامت المسألة تستحق العناء بالتزامن مع فرض إدارة “ترامب” عقوبات ثانوية على المتعاملين تجاريًّا مع إيران لمنع الجمهورية الإسلامية من جني المكاسب، ومن الممكن أن تعلن طهران الانسحاب وتخصيب اليورانيوم، حيث سبق أن خصّبت اليورانيوم في ظلّ العقوبات، فمن المرجّح أن تفعل ذلك مرّة أخرى مستقبلًا، وهكذا، سرعان ما ستجد الولايات المتحدة نفسها أمام القليل من البدائل، عدا إبرام صفقة جديدة، والتي سترفضها طهران؛ نظرًا لسلوك أمريكا الأخير في ما يتعلق بخطة العمل الشاملة المشتركة، وبالتالي، فواشنطن إما أنها لن تفعل شيئاً بشأن التقدّم النووي الإيراني، أو أن تهاجم إيران.
ميدانيًّا، وفق تقدير الموقف لمركز “كارينجي”، فإيران مستعدة للحرب؛ فمنشآتها النووية محميّة بشكل جيد، والصواريخ التي قدّموها لحزب الله في لبنان موجودة للعمل كرادع لأية خطة لقصف إيران، ولدى الإيرانيين الكثير من الوسائل الأخرى للردّ على الولايات المتحدة وإسرائيل، كما لا توجد ضمانة لنجاح الضربة العسكرية، أو لأن تعيد إيران بناء برنامجها النووي، والأسوأ من ذلك، أنّ “ترامب” أحدث إرباكًا كبيرًا في تحالفاته، قد تجد الولايات المتحدة نفسها بسبب ذلك معزولة، في الوقت الذي تحضّر حججها لضرب إيران.