العدسة – منذر العلي

حجر في مياه ليست راكدة، ألقته وزيرة إسرائيلية في خضم أحاديث متزايدة حول توطين الفلسطينيين في سيناء، أو ما بات يُعرف إعلاميًّا بـ”صفقة القرن”، في أعقاب مجزرة مسجد الروضة في بئر العبد.

ملابسات التصريح المنسوب للوزيرة لم يضاعف من الجدل المثار بشأن الصفقة فحسب، بل أفرز تساؤلات عدة حول توقيت نشره المتزامن مع وجودها في القاهرة لحضور مؤتمر إقليمي برعاية الأمم المتحدة.

قنبلة امتصتها القاهرة

وكأنها ألقت قنبلة، قالت وزيرة المساواة الاجتماعية الإسرائيلية “جيلا جملئيل”، إن أفضل مكان للفلسطينيين ليقيموا فيه دولتهم هو سيناء.

وأضافت الوزيرة، التي شاركت في مؤتمر نسائي تابع للأمم المتحدة بالقاهرة، في حوار لمجلة “السيادة” العبرية الأسبوع الماضي، أنه لا يمكن إقامة دولة فلسطينية إلا في سيناء.

” جيلا جملئيل “

ونقلت القناة الثانية في التليفزيون العبري عن مسؤول إسرائيلي في وزارة الخارجية قوله إن “تلك التصريحات لا تمثل الموقف الرسمي للحكومة، ولا تعكس سياستها”.

القناة قالت إن وزارة الخارجية المصرية طلبت بشكل رسمي توضيحات من نظيرتها الإسرائيلية حول تصريحات “جملئيل”، كما عبرت القاهرة عن طريق سفيرها في تل أبيب “حازم خيرت”، عن “غضبها الشديد” إزاء تلك التصريحات.

إلا أن الأمر لم يكن بهذه الحدة، وفق تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي نفى استدعاء سفير الاحتلال بالقاهرة للتشاور، لكنه قال في الوقت ذاته إن بلاده “لن تسمح بالتفريط في ذرة واحدة من تراب شبه جزيرة سيناء”.

” سامح شكري “

وفي مداخلة هاتفية مساء الاثنين قال إنه يرفض أي تناول لشأن مصري للحديث عن أراضٍ مصرية  نوفمبر الجاري، شدد “شكري” على أنه “يرفض حتى مجرد التفكير في أي نوع من الانتقاص من سيادة مصر على أراضيها، وخصوصًا سيناء”.

تزامن عفوي أم مقصود؟

وتبدو عدة أمور لافتة للنظر في هذه القصة القصيرة، فالجرأة الإسرائيلية التي وصلت لحد نشر التصريحات بالتزامن مع زيارة الوزيرة للقاهرة، ربما تصل إلى حد الوقاحة.

ومن غير المنطقي أن يكون هذا التزامن عفويًا أو غير مقصود، لكن الأقرب للتصديق أنه جاء مرتبًا ومعدًّا له مسبقًا، على نحو يخلق تلك الحالة من الجدل، ولا يخلو الأمر من دلالة مفعمة بالرمزية في هذا التزامن المريب.

أما موقف حكومة الاحتلال الذي ادعى عدم تعبير التصريح عن حقيقة موقفها فليس أكثر من كونه مثيرا للسخرية، فما الذي يجبر وزيرة على مثل هذا التصريح؟ إلا إذا كان بإملاء من حكومتها، فيما يشبه عملية جس النبض أو بالون الاختبار.

“السيسي” و ترامب

المعني بجس النبض في المقام الأول هنا مصر، التي لم تتردد في ذر الرماد بالعيون، وحفظ ماء وجهها، فلجأت إلى تكرار تصريحات سابقة بشأن رفض المساس بسيناء، أو اعتبارها وطنًا بديلًا للفلسطينيين.

ولعل حكومة الاحتلال سببت حرجًا بالغًا لمصر، دفعها للقول بأنها استطاعت “امتصاص ردة فعل الغضب المصري”.

ولعل الرئيس عبد الفتاح السيسي هو أول من تحدث عن “صفقة القرن” في تصريح أدلى به خلال زيارته لأمريكا ولقائه نظيره دونالد ترامب في أبريل الماضي، حينما قال له: “ستجدنى بكل قوة ووضوح داعمًا لأى مساعٍ لإيجاد حل للقضية الفلسطينية في “صفقة القرن”، ومتأكد أنك تستطيع أن تحلها”.

ما هي صفقة القرن؟

في يناير 2010 أنهى مستشار الأمن القومى الإسرائيلى السابق، اللواء احتياط “جيورا أيلاند”، عرض المشروع الإسرائيلى المقترح لتسوية الصراع مع الفلسطينيين فى إطار دراسة أعدها لصالح مركز “بيجين-السادات” للدراسات الإستراتيجية، بعنوان: “البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين”.

الدراسة التي نشرت تفاصيلها تقارير إعلامية في حينها، تقوم على اقتطاع 720 كيلومترًا مربعًا من شمال سيناء للدولة الفلسطينية المقترحة تبدأ من الحدود المصرية مع غزة، وحتى حدود مدينة العريش، على أن تحصل مصر على مساحة مماثلة داخل صحراء النقب الواقعة تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، بينما تخلو الضفة الغربية بالكامل للاحتلال.

ترتكز الخطة على تحويل غزة إلى مدينة اقتصادية عالمية على غرار “سنغافورة”، بعد زيادة مساحة شريطها الساحلي، مقابل إغراء مصر بمكاسب اقتصادية ضخمة للتحكمها في شبكة الحركة البرية والجوية والبحرية التي ينتظر أن تربط تلك الدولة الفلسطينية بمصر والأردن والعراق ودول الخليج أيضًا.

ما أسماه الجنرال “أيلاند” – الموصوف بأحد القريبين من دوائر صنع القرار في إسرائيل – تسوية إقليمية، تجبر 22 دولة عربية على حل القضية الفلسطينية، ويُظهر خطته وكأنها ملائكية هدفها الأول والأخير تحويل فلسطين إلى “سنغافورة الشرق الأوسط”.