على مدار السنوات الأخيرة، انشغل الشارع الفلسطيني بالحديث عمن سيخلف رئيس السلطة محمود عباس، خصوصا مع تقدمه بالسن وتأخر وضعه الصحي، وتردده المستمر على المشافي الإسرائيلية.

هذا الملف تناولته أوساط إعلامية عبرية باستمرار ويقابله تكتم لدى السلطة الفلسطينية، وسط تحركات لتثبيت نفوذ أشخاص أصبحت أسماؤهم معروفة. 

وتشهد رام الله منذ أسابيع لقاءات واتصالات مكوكية وسرية، لتحديد خليفة عباس، خاصة أن عدد الأسماء المعروضة لهذا المنصب والتي خرجت على الملأ قليلة، وفق مصادر محلية عديدة.

يتمحور النقاش حول القياديين في حركة التحرير الوطني “فتح”، ماجد فرج مدير المخابرات العامة، وحسين الشيخ وزير الشؤون المدنية، حسب ما نشرته وكالة “فلسطين اليوم” في 23 فبراير/شباط 2022.

وأجرى المجلس المركزي في الثاني من فبراير تغييرات في منظمة التحرير، كان أبرزها تعيين حسين الشيخ أمينا لسر اللجنة التنفيذية للمنظمة، وهو المنصب الأهم لصنع القرار بعد الرئيس.

ويرى مراقبون أن تعيين الشيخ في هذا المنصب المهم في منظمة التحرير التي نتجت عنها السلطة الفلسطينية، يأتي كخطوة أولى لرسم مرحلة ما بعد عباس. وخلال الأشهر الأخيرة تزايدت التسريبات والتقارير الإخبارية التي تحدثت عن هوية الرئيس القادم للسلطة.

قالت صحيفة “الأخبار” اللبنانية، في 20 يناير/كانون الثاني 2022، نقلا عن مصدر في فتح، إنه بعد طول تخطيط وتحضير، بدأ حسين الشيخ وماجد فرج خطواتهما العملية لوراثة محمود عباس.

 

قرار تل أبيب 

وتشير التقديرات إلى أن إسرائيل تلعب دورا كبيرا في اختيار الرئيس القادم، وأنها تفضل مرشحين على آخرين من حيث التزامهم بالعلاقات معها، ونبذ المقاومة ومواصلة التنسيق الأمني.

وقالت صحيفة “معاريف”، إن إسرائيل تحب التعامل مع الوزير حسين الشيخ الذي وصفته بـ”الغلام”. وأشارت إلى أنه “صاحب خبرة واسعة وعلاقات مع القيادات الإسرائيلية، وهو يتحدث العبرية بطلاقة، وتربطه علاقات جيدة مع الضباط الكبار في الجيش الإسرائيلي، ويتمتع بمعرفة واسعة عن الساحة السياسية الإسرائيلية الداخلية”، حسب وصفها.

وبدوره، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية، سعيد بشارات إن إسرائيل تتعامل مع موضوع خلافة عباس بشكل حساس، حيث تميل المؤسسة السياسية والأمنية في تل أبيب لأن يخلف شخص من اثنين “أبو مازن”.

وهما حسين الشيخ عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول الإدارة المدنية، أو ماجد فرج القيادي الفتحاوي ومسؤول جهاز المخابرات.

وأضاف في حديث صحفي: “الشيخ وفرج مقربان من الاحتلال بحكم مناصبهما ويعتبران الأكثر حظا لتولي الرئاسة، فهما قادران على مواصلة التنسيق الأمني مع إدارة الضفة الغربية أمنيا وبالقوة”.

وأردف: “من يتابع الإعلام العبري يلاحظ أن اليمين الإسرائيلي يحاول إقناع الشارع الصهيوني بهما، وبالأخص حسين الشيخ”.

وأوضح بشارات أن هناك صوتا آخر في إسرائيل ينادي بعدم تولية قيادة السلطة للشيخ أو فرج ويرى أنها مقامرة؛ باعتبار أنهما منبوذاذن شعبيا وهو ما سيساهم في تصاعد الأوضاع في الشارع الفلسطيني بعكس ما يريده الاحتلال.

وتابع “الوظيفة الحالية للسلطة هي إدارة الأمور أمنيا وجمع المعلومات عن المقاومين وتنفيذ التنسيق الأمني، وخلال السنوات الماضية عمل الاحتلال على ربط حياة فلسطينيي الضفة الغربية بمكاتب الارتباط الإسرائيلية، ليحكم سيطرته على الأمور هناك”.

وأكد على أن للاحتلال دورا أساسيا في تحديد هوية الرئيس القادم للسلطة، فمصادره المالية وتحركه في الضفة الغربية وإلى خارجها وكافة الأمور الإدارية مرتبطة برضا إسرائيل وهذا نتاج اتفاق أوسلو (1993).

شهدت السنوات الأخيرة إخفاء لشخصيات وطنية في فتح كالقيادي محمود العالول أو جبريل الرجوب، وجرى إظهار الأشخاص الأقرب للاحتلال.

وأضاف بشارات “أي رئيس قادم للسلطة سيواصل التنسيق الأمني فهو شرط وجودها، ومن المتوقع أنه مع وصول أشخاص كحسين الشيخ وفرج فإن التعاون مع الاحتلال سيزداد أكثر وإن كان محمود عباس لا يدخر جهدا في هذا الصدد”. 

 

صراع محتمل

وقال نداف شرغاي الكاتب الإسرائيلي بصحيفة “إسرائيل اليوم”، في 4 فبراير، إنه من المتوقع أن ينتج من الصراع على خلافة عباس نزاعات في داخل السلطة. وقد يصل الأمر إلى حدوث اشتباكات مسلحة، خصوصا أن كل قيادي رفيع لديه أتباع والسلاح متوفر في الضفة، وفق الكاتب.

وأضاف “المرشحون الآخرون مقابل الشيخ وفرج هم محمد دحلان، خصم عباس، الذي يضخ في السنوات الأخيرة لمخيمات اللاجئين في الضفة أموالا كثيرة تستخدم لشراء السلاح”.

ويضاف للمرشحين لرئاسة السلطة كل من الأسير المحكوم بالمؤبد مروان البرغوثي وله شعبية واسعة في الشارع، ورئيس الأمن الوقائي الأسبق جبريل الرجوب، وفق قوله.

وكان محلل الشؤون العربية في إذاعة جيش الاحتلال جاكي حوجي، حذر في 7 فبراير، المستويات الرسمية لدى الاحتلال من التسرع في تحديد مرشحها لقيادة السلطة خلفا لعباس. 

وأشار إلى أن مواقف الشيخ تجعله شخصية غير مناسبة لقيادة السلطة بالنسبة للفلسطينيين. 

ومن جانبه، يرى الكاتب الفلسطيني إياد القرا، أن الرضا الإسرائيلي الأميركي هو معيار أساسي في اختيار خليفة محمود عباس، وكذلك أن يكون متبنيا لمشروع التسوية والتنسيق الأمني، ورفض أي شكل من أشكال المقاومة المسلحة.

وأضاف في حديث صحفي: “الشخصية القادمة لقيادة السلطة ستتبنى الرؤية الإسرائيلية للقضية الفلسطينية بحذافيرها، بصورة كيان ينعم باقتصاد جيد نسبيا منزوع السلاح والسيادة، تشرف عليه مؤسسات أمنية محلية تكون مهمتها منع أي عمليات ضد الاحتلال”.

وأكد القرا أن نظام السلطة مبني بالكامل على حكم الشخص الواحد، بحيث لا رقابة ولا محاسبة شعبية ولا حاجة لديه لقياس مدى غضب الشارع أو رضاه.

وتابع “مع تزايد جرائم الاحتلال يتجه الفلسطينيون لمزيد من الغضب تجاه إسرائيل، وتتنامى المقاومة بشكل واضح ومعها يزداد التنسيق الأمني وجهد السلطة في قمعها”.

وهذا ما سيسبب بالنهاية صداما قويا بين الشارع الفلسطيني وبين من يراهم وكلاء أمنيين للاحتلال، ولن يقبل بأي شخصية تتبنى ذات النهج، وفق تقديره.

 

نهاية الانتخابات

وحسب القانون الفلسطيني فإن اختيار الرئيس يجري عبر الانتخابات، وهو أمر متوقف منذ 13 سنة.

وأصدر عباس مرسوما عام 2020، لإجراء الانتخابات التي كانت مقررة في مايو/أيار 2021، لكنه تراجع عنه باللحظات الأخيرة، من خلال تأجيلها لأجل غير مسمى، بحجة عدم أخذ إذن من الاحتلال بإجراء الانتخابات في القدس.

 وهو ما عارضته الفصائل التي أكدت أنه كان من الممكن إرغام الاحتلال على عقد الانتخابات في القدس.

وأصدر مرسوم تأجيل الانتخابات بعد استطلاعات للرأي أظهرت رفضا شعبيا كبيرا لحركة فتح ولمحمود عباس، بالإضافة إلى تشتت قوائمها وحدوث انشقاقات داخلها.  

وكان آخر استطلاع للرأي نفذه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في 15 ديسمبر/كانون الأول 2021 أظهر أن قرابة 50 بالمئة من الفلسطينيين سيقاطعون الانتخابات التي يكون عباس طرفا فيها، فيما سيصوت 65 بالمئة من الناخبين المشاركين ضده.

وقال المحلل الإسرائيلي يوني بن مناحيم في 23 فبراير إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لن تضغط على عباس لإجراء انتخابات في الضفة الغربية وقطاع غزة لمنع تعزيز قوة حركة المقاومة الإسلامية حماس.

ومن جانبه، قال الباحث في الشأن الفلسطيني هلال وائل، إن اختيار الرئيس لن يكون بواسطة الشعب ولن يكون قرارا فلسطينيا بالأساس، فالسلطة تعمل عمل الوكيل للاحتلال في أراضي الضفة الغربية.

وأضاف إن إلغاء الانتخابات الفلسطينية الأخيرة مؤشر واضح أن عهد صناديق الاقتراع انتهى وأن مناصب السلطة ستكون بالتوريث حسب رغبة تل أبيب، وتعلم “فتح” أن شعبيتها المتدنية للغاية تمنعها من خوض الاستحقاق الانتخابي.

 وشدد الباحث أن حالة الغليان الشعبي ضد عباس وسلطته ستعيق توريث السلطة لأحد من نسخه الكربونية سواء الشيخ أو فرج.

كما يتوقع أن ينتفض الشارع الفلسطيني “الذي لا يمكن لقادة فتح أو الاحتلال أن يفرضوا أو أن يملوا عليه من يحكمه، وستكون الكلمة العليا لإرادة الشعب”.

وتابع “على مدار الأشهر الأخيرة وخصوصا بعد خروج الحراك الكبير المندد بقتل السلطة للمعارض نزار بنات 27 أغسطس/آب 2021، زاد الدعم الأمني الإسرائيلي للسلطة بأدوات قمعية، ودعم اقتصادي”.

وخرج وقتها وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس علنا ليقول إنه سيقوي موقف السلطة وإلا فإن النتيجة ستكون تصاعد قوة حماس.