تنشط جرافات إسرائيلية في تجريف أرض واسعة كانت حتى وقت قريب جزءا من مطار القدس الدولي أو “مطار قلنديا” شمالي المدينة المحتلة.

وفي داخل ما تبقى من المطار، كان مدرج المطار الذي تأسس في عشرينات القرن الماضي قد امتلأ بالحجارة وتوقفت عليه بضع حافلات.

مبنى المطار نفسه مغلق ومحاط بالحشائش الطويلة، فيما يتكدس التراب في قسم المغادرة فيه وتصدّأت عجلات نقل الحقائب.

برج المطار الدائري، الذي يعلو مبنى المطار الصغير، تعشعش فيه الطيور ونوافذها محطمة، وما تبقى منه تتكدس عليه الأتربة.

ما زال الكثير من الفلسطينيين يحتفظون بصور قديمة لمبنى المطار الذين كانوا يأملون بأن يعود يوما قبل أن تقرر بلدية الاحتلال الإسرائيلي بالقدس، الأربعاء، تحويل مدرجه الكبير إلى مستوطنة.

واستنادا إلى المخطط الإسرائيلي، فإنه سيتم بناء 10 آلاف وحدة استيطانية وفنادق ومرافق عامة على أنقاض المطار.

وحتى العام 1967 (سقوط الضفة الغربية تحت الاحتلال الإسرائيلي)، كان “مطار القدس الدولي” الميناء الجوي الوحيد في الضفة، قبل أن تضع إسرائيل يدها عليه وتحوّله مطارا لرحلات داخلية قليلة، إلى أن أغلقته نهائيا عام 2000.

وقال خليل التفكجي، مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية (خاصة)، لوكالة “الأناضول” التركية: “أقيم المطار في العام 1920 في فترة الانتداب البريطاني واستخدم خلال الفترة الأردنية في الفترة ما بين 1948 و1967”.

وأضاف: “كان يعتبر المطار الاستراتيجي الثاني بعد مطار عمان، وقامت الحكومة الأردنية عام 1966 بتوسيعه، ولكن جاءت حرب 1967 وتم توقيفها”.

وتابع التفكجي: “حاولت إسرائيل أن تجعله مطارا دوليا، ولكن الحكومة الأردنية رفعت دعوى على الجانب الإسرائيلي، وبالتالي تم تحويله إلى مطار داخلي لشركات إسرائيلية، وفي العام 2000 تم إغلاقه بشكل نهائي”.

وتظهر في محيط المطار، المحاط بسياج حديدي، لافتات صغيرة كتب عليها باللغتين العبرية والعربية: “ممنوع الدخول”.

ولكن مع الحركة الناشطة للحافلات والشاحنات والجرافات في أرض المطار، بالإمكان الدخول إليه والتجول بين أطلاله.

وإضافة إلى مخطط إقامة المستوطنة الإسرائيلية، فإن سلطات الاحتلال تعمل على شق نفق ضخم أسفل الأرض، لربط المستوطنات بالقدس الشرقية ومحيطها مع أحد الشوارع الرئيسة المؤدية إلى تل أبيب.

وقال التفكجي: “يعتبر هذا من أخطر المشاريع الإسرائيلية ضمن مخطط القدس عام 2020 الذي تم وضعه عام 1994، والذي يقضي بإقامة مستوطنات جديدة وتوسيع مستوطنات قائمة، وبالتالي بناء 58 ألف وحدة استيطانية وإحداث تغيير جذري في ديمغرافية المدينة لمصلحة الإسرائيليين”.

وبعد مصادقة اللجنة المحلية للتخطيط والبناء التابعة لبلدية القدس الإسرائيلية، الأربعاء، على المخطط، فإن من المقرر عرضه مطلع الشهر المقبل على “اللجنة اللوائية” (المحلية) التابعة لوزارة الداخلية الإسرائيلية لإقراره بشكل نهائي.

وقالت حركة السلام الإسرائيلية، الرائدة في رصد الاستيطان، إن المخطط يقضي ببناء 9000 وحدة استيطانية، ولكن هيئة البث الإسرائيلية قالت إن الحديث يدور عن 10 آلاف وحدة استيطانية، فيما قال التفكجي إن المخطط النهائي يقضي بإقامة 12 ألف وحدة.

وأضافت الحركة في تغريدة على “تويتر”، الأربعاء: “يعتبر بناء 9000 وحدة سكنية بالقرب من رام الله خرقا كاملا للوضع السياسي الراهن”.

وتابعت: “حتى نتنياهو لم يجرؤ على الترويج لهذه الخطة الخطيرة. حان الوقت لأن يكف مؤيدو الدولتين في الحكومة عن السماح للوزراء اليمينيين بفعل ما يريدون، ومنع تدمير فرصة السلام”.

ورأى التفكجي إن ثمة أهدافا استراتيجية كثيرة تقف خلف إقامة المستوطنة.

وقال: “أولاً، يُلاحظ أن هذا المخطط هو إنهاء كامل لأن يكون للدولة الفلسطينية مطار في هذه المنطقة، وبالتالي فإن الجانب الإسرائيلي يعتبر أن مدينة القدس عاصمة للدولة العبرية وغير قابلة للتقسيم وبشرقها وغربها، وحتى الأغوار هي للدولة الإسرائيلية”.

أما الهدف الثاني، في رأي التفكجي، فهو “بناء حاجز اسمنتي من الكتل الاستيطانية تفصل التجمعات الفلسطينية التي تقع داخل الجدار عن التجمعات خلفه”.

فيما يكمن الهدف الثالث في “إقامة القدس الكبرى بالمفهوم الإسرائيلي”، وفق التفكجي.

ولفت إلى أن الهدف الرابع هو “التغيير الديمغرافي، وهو أحد الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية، بحيث يكون سكان القدس كالتالي: 12 بالمئة عرب، و88 بالمئة يهود في شطري المدينة المقدسة”.

وقال التفكجي إن “خطورة هذه المستوطنة هو في أنها رسالة واضحة للجانب الفلسطيني بأن القدس غير قابلة للتقسيم، وأنها عاصمة للدولة العبرية فقط، كما يزعم الإسرائيليون”.

وحاليا، يشكل الفلسطينيون، البالغ عددهم نحو 350 ألف نسمة، قرابة 38 بالمئة من سكان القدس، بشطريها الشرقي والغربي.

وأشار التفكجي إلى أنه ستقام المستوطنة على مساحة 1300 دونم (الدونم ألف متر مربع) في هذه المنطقة، وهي مصادرة لما تسمى “المصلحة العامة”.

وحال إقامتها، ستعزل المستوطنة عشرات آلاف الفلسطينيين من حَمَلَة الهوية المقدسية الذين يقيمون في أحياء عدة خلف الجدار، ويفصلهم عن المدينة حاجز قلنديا العسكري الإسرائيلي.

ويقيم هؤلاء في أبنية شاهقة من دون الحصول على خدمات من البلدية الإسرائيلية في القدس، على الرغم من دفعهم الضرائب الإسرائيلية.

وقال التفكجي: “بحسب السياسات الإسرائيلية، فإنهم لا يريدون الفلسطينيين المقدسيين خلف الجدار، وهنا يتكلمون عن التخلص من هؤلاء بشكل كامل وإحلال إسرائيليين مكانهم”.

وأضاف: “هذه الاستراتيجية الإسرائيلية التي تقوم على 3 نقاط رئيسة، وهي: تطويق الأحياء الفلسطينية، واختراق الاحياء الفلسطينية بمعنى إقامة البؤر الاستيطانية، وأيضا تشتيت الأحياء الفلسطينية بمعنى تحويلها إلى فسيفساء داخل الأحياء اليهودية”.

وتابع: “الجانب الإسرائيلي ينفذ صفقة القرن، خطوة خطوة، من دون الإعلان عن ذلك”، في إشارة إلى خطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بجعل القدس عاصمة لإسرائيل.

وبموازاة هذه المستوطنة، تدفع إسرائيل باتجاه إقامة 1250 وحدة استيطانية في إطار مخطط مستوطنة “جفعات هاماتوس”، جنوبي القدس، ومخطط “إي واحد” بإقامة 3500 وحدة استيطانية شرق المدينة.

وقال التفكجي: “الارتباط بين هذه المستوطنة وجفعات هاماتوس و”إي واحد” هو أنها جميعا تأتي ضمن البرنامج الإسرائيلي لعزل القدس الشرقية”.

وأوضح أن “جفعات هاماتوس” هي “بناء استيطاني متكامل ما بين الجنوب الشرقي من مدينة القدس حتى الجنوب الغربي من المدينة، بمعنى فصل بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور عن القدس، وفي الوقت ذاته فإن إي واحد هو إقامة القدس الكبرى”.

وذكر التفكجي إنه في حين تحرم إسرائيل الفلسطينيين من مطارهم الوحيد في الضفة الغربية والقدس، فإنها تخطط لمطار ضخم داخل الضفة الغربية.

وقال: “ضمن مشروع إسرائيل القدس 2050، هناك مخطط إقامة أكبر مطار في الشرق الأوسط في منطقة البقيعة في غور الأردن، لاستقبال 35 مليون مسافر و12 مليون سائح، وإقامة سكك حديد وفنادق وسياحة علاجية بالبحر الميت وسياحة باتجاه الأردن وسياحة دينية باتجاه الضفة الغربية”.

تواصل الجرافات الإسرائيلية عملها على أرض المطار، حتى من دون الحصول على تراخيص نهائية للبناء.

وقال التفكجي: “ما يجري هو فرض أمر واقع”.