العدسة – معتز أشرف:
خلص تقدير موقف مهم لمركز كارينجي للدراسات في الشرق الأوسط حول المشهد السوري حمل عنوان “إعادة النظر في التحالف” إلى أن ما يمكن تسميته بالطلاق التكتيكي بين حزب الله ونظام الأسد، مؤكدا أن “الحرب السورية تشارف على نهايتها وسط سعي من نظام الأسد وحزب الله لتصحيح التوازن في علاقتهما في لبنان”، وهو ما نستعرضه.
الرحيل من سوريا !
في تقدير الموقف الذي وصل “العدسة” لفت المركز الانتباه إلى أن خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في 8 مارس 2005 ، يتكرر هذه الأيام ولكن بشكل معاكس، موضحا أن الخطاب الأول كان أمام تجمّع حاشد في بيروت، اثناء انسحاب الجيش السوري من لبنان بعد ثلاثة عقود من الانتشار في البلاد، حمل عنوان “شكراً سورية”، في إشارةٍ إلى الدعم الثابت الذي قدّمه نظام الأسد إلى المقاومة الإسلامية ضد إسرائيل، حيث كانت تلك لحظة محورية، إذ تسلّم حزب الله مواقع نفوذ عدّة كانت خاضعة سابقاً إلى سيطرة سورية، كما تولّى إدارة شبكاتها المحلية، وبالتالي أصبح رجال سورية في لبنان رجال حزب الله.
وأضاف أنه بعد مرور ثلاثة عشر عاماً، تحدث العملية نفسها لكن بشكل معاكس، ففي سورية هذه المرة، إذ يبدو أن حزب الله يعتزم الحدّ من وجوده هناك، بضغط من روسيا وبقبول من نظام الأسد، بعد ست سنوات من القتال وسقوط الآلاف من القتلى والجرحى، وعلى حدّ تعبير أحد السياسيين اللبنانيين، آن الأوان كي تقول سورية بدورها “شكراً حزب الله”، أو على نحو أدق، أن تشكر كلّاً من حزب الله وإيران على كل الجهود التي بذلاها دفاعاً عن نظام الأسد، لكن مع رفض محاولة جعل سورية ساحة أخرى لإيران ووكلائها.
تطورات متوازية !
وأضاف تقدير الموقف أنه في غضون ذلك، لم يبقَ لبنان في منأى عن التطورات الأخيرة التي تشهدها سورية، فقد بات النظام السوري المتعافي يسعى إلى استعادة بعض النفوذ الذي خسره في المشهد السياسي اللبناني، وتحدث هذه العودة الوليدة إلى السياسة اللبنانية بالتزامن مع تنامي الضغوط الروسية على إيران في سورية، خاصة أنه بعد أسابيع على دعوة روسيا كل القوات الأجنبية إلى الخروج من سورية، نشرت صحيفة الوطن السورية التي يملكها ابن خال الرئيس بشار الأسد مقالة انتقدت مستشار المرشد الأعلى الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي لقوله إن التدخل الإيراني حال دون سقوط النظام السوري.
وأوضح التقرير أنه يتردّد صدى الانتقادات كذلك على المقلب الآخر، ففي الشهر الفائت، حذّر نائب إيراني من أن كلّاً من سورية وروسيا “تضحّيان” بإيران، حتى أنه وصف أيضاً سلوك الأسد بـ”الوقح”، وحتى شهر مايو كانت وسائل الإعلام التابعة لحزب الله في لبنان تحثّ رئيس الوزراء المكلّف سعد الحريري على توقيع اتفاقية التعاون العسكري بين لبنان وروسيا التي من شأنها منح القوات الروسية حق استخدام قواعد عسكرية لبنانية، لكن، بعد التوتر الذي طرأ الشهر الماضي بين الشرطة العسكرية الروسية وإحدى الوحدات التابعة لحزب الله على الجهة السورية من الحدود مع لبنان، التزمت وسائل الإعلام التابعة لحزب الله الصمت حيال هذه المسألة.
وأشار إلى أنه نظراً إلى أن حزب الله أدّى دوراً أساسياً في إلحاق الهزيمة بالمعارضة السورية في القصير والمناطق المجاورة لها في العام 2013، حافظ على وجوده العسكري هناك وعلى انخراطه في الشؤون المحلية، خاصة أن الحدود اللبنانية الشمالية-الشرقية حسّاسة للغاية بالنسبة إلى حزب الله، إذ يهرّب من خلالها الكثير من الأسلحة من سورية.
تعزيز نفوذ سورية
وأوضح المركز أنه منذ الانتخابات البرلمانية اللبنانية في مايو الماضي، بات يمكن التمييز نوعاً بين كتلة موالية لسورية وأخرى موالية لحزب الله في لبنان، فمن جهته، يقوم وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، بالضغط على الحريري لإعادة بناء العلاقات مع سورية، مجادلاً بأن هذه الخطوة ستيسّر عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وتسمح باستئناف حركة الصادرات اللبنانية عبر معبر نصيب الحدودي مع الأردن، وتمنح لبنان كذلك دوراً في جهود إعادة إعمار سورية، وغالب الظن أن باسيل، الطامح إلى رئاسة الجمهورية، يرى أن سورية ستُفسح له المجال السياسي اللازم لانتخابه.
ويرى المركز في تقريره أن نتائج الانتخابات البرلمانية إلى تعزيز نفوذ سورية، إذ عادت إلى البرلمان اللبناني مروحة من السياسيين الذين تربطهم علاقات وثيقة بنظام الأسد، وتجسّدت هذه العودة مثلاً من خلال إيلي الفرزلي، وهو سياسي أرثوذكسي وحليف قديم لسورية خسر مقعده في مجلس النواب بُعيد الانسحاب السوري من لبنان في العام 2005، حيث قال الفرزلي بعد انتخابه نائباً لرئيس مجلس النواب مؤخراً: “ما حصل هو تصحيح لخطأ تاريخي”. إذاً، تشكّل عودته إلى منصبٍ كان شغله خلال سنوات الهيمنة السورية تأكيداً رمزياً على انقلاب قواعد اللعبة مقارنةً مع ما حدث في العام 2005.
وأضاف أن موقف جميل السيد، وهو نائب آخر في البرلمان وكان مسؤولاً أمنياً بارزاً خلال فترة الوجود السوري في لبنان، تناغم مع موقف باسيل في الدفع نحو توطيد العلاقات مع سورية. ويُشار إلى أن السيد سُجن لأربع سنوات على خلفية دوره المزعوم في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، ووجّه مؤخراً انتقادات إلى سعد الحريري إثر قيامه بالتنسيق مع روسيا بشأن حل أزمة اللاجئين السوريين، وحثّه بدلاً من ذلك على زيارة دمشق.
اعادة نظر فقط !
وشدد المركز على أنه لا يمكن اعتبار أن ثمة شرخاً في العلاقة بين حزب الله والنظام السوري المدعوم من روسيا، فهذا أمر مستبعد، بحسب قوله ، بل يجري الفريقان على ما يبدو إعادة نظر في شروط تحالفهما، ففي الماضي، لطالما اتّسم نظام الأسد بالمرونة على الساحة الدولية، وغالباً ما فاجأ طهران وحزب الله بالتفاوض مع إسرائيل، وكانت آخر مرة في العام 2007 عندما أجرى الطرفان محادثات “غير رسمية، على حدّ تعبير وزير إسرائيلي، يُضاف إلى ذلك أن المخاوف الإيرانية تأجّجت مجدّداً عقب تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخراً على أن إسرائيل لن تعارض عودة النظام السوري إلى الواجهة في حال سحبت إيران قواتها من البلاد.
وأضاف أنه في الوقت الراهن، يبدو حزب الله عازماً على الاضطلاع بدور أكبر في الحكومة اللبنانية العتيدة، وعلى ضوء العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، قد يجد نفسه مضطرّاً للانكفاء إلى الجبهة الداخلية، حيث يلوح في الأفق عددٌ من التحديات، ولا سيما أن البلاد تواجه أزمة اقتصادية كبيرة قد تلقي بوزرها على قاعدة دعم حزب الله الضعيفة اقتصادياً.
اضف تعليقا