العدسة – معتز أشرف:

يبدو أن الجهود الدبلوماسية بين الأهوجين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والديكتاتور الكوري الشمالي كيم جونج، أسفرت عن تطور جديد مهم، ظهر مع إعلان كوريا الشمالية تعليق إجراء أي تجارب نووية أو صاروخية وإغلاق موقع للتجارب النووية سعيًا لتحقيق النمو الاقتصادي وإحلال السلام على شبه الجزيرة الكورية، وهو ما نرصد أبعاده.

ردود إيجابية

بعد حرب كلامية شعواء، ذكرت وسائل الإعلام الرسمية السبت أن كوريا الشمالية ستعلق على الفور إجراء أي تجارب نووية أو صاروخية، وستغلق موقعًا للتجارب النووية؛ سعيًا لتحقيق النمو الاقتصادي، وإحلال السلام على شبه الجزيرة الكورية، قبيل قمتين مزمعتين مع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، ونقلت وكالة الأنباء المركزية الكورية عن الديكتاتور الكوري الشمالي كيم جونج أون قوله: إن بلاده لم تعد بحاجة إلى إجراء تجارب نووية أو تجارب لإطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات؛ لأنها استكملت هدف تطوير أسلحة نووية، من أجل تسهيل الاتصال الوثيق والحوار النشط“ مع دول الجوار والمجتمع الدولي من أجل تهيئة ”بيئة دولية مواتية“ للاقتصاد، وهو ما استقبلته الدول المعنية بالأزمة بترحاب كبير..

وجاءت ردود الأفعال عقب إعلان الديكتاتور الشاب إيجابية؛ حيث رحّب ترامب بالبيان وقال: إنه يتطلع إلى القمة مع كيم، وقال ترامب في تغريدة على توتير: ”كوريا الشمالية وافقت على تعليق كل التجارب النووية وإغلاق موقع تجارب رئيسي. هذا نبأ جيد جدا لكوريا الشمالية وللعالم وتقدم كبير! أتطلع لقمتنا“.

وقالت كوريا الجنوبية: إن قرار الشمال يمثل تقدمًا مهمًا إزاء نزع السلاح النووي على شبه الجزيرة الكورية وسيعمل على تهيئة ظروف مواتية لاجتماعات ناجحة معها ومع الولايات المتحدة، ورحّب رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي ببيان كوريا الشمالية، لكنه يجب أن يؤدي إلى نزع السلاح النووي بطريقة يمكن التحقق منها قائلًا: “هذا الإعلان تحرك للأمام أود الترحيب به… لكن المهم أن يؤدي ذلك إلى نزع السلاح النووي يمكن التحقق منه، أود التأكيد على هذا “.

منحنيات صعبة!

مرت الأزمة بمحطات ومنحنيات صعبة، وصلت إلى تهديد بحرب نووية؛ ففي حين انقسمت شبه جزيرة كوريا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وأصبح القسم الشمالي الشيوعي دكتاتورية ستالينية، نسبة إلى الزعيم السوفيتي ستالين، وعلى الرغم من انعزالها بالكامل تقريبًا عن المشهد العالمي، إلا أنّ زعماء كوريا الشمالية يقولون إنّ قدرتها النووية بمثابة قوة الردع الوحيدة في مواجهة العالم الخارجي الذي يسعى إلى تدميرها، وتشير الاختبارات الصاروخية الأخيرة التي أجرتها كوريا الشمالية إلى امتلاكها صواريخ باليستية عابرة للقارات قادرة على الوصول إلى الولايات المتحدة.

كما اختبرت البلاد معدات نووية خمس مرات، وتحذر تقارير استخباراتية من أن البلاد تقترب أيضًا، إن لم تكن أدخلت بالفعل تطويرًا، أو أجرت “تصغيرًا” لرؤوس حربية نووية بما يتناسب مع تركيبها على صاروخ.

وتعتبر بيونجيانج الولايات المتحدة خصمها الرئيسي، كما تنشر صواريخ في اتجاه كوريا الجنوبية واليابان، حيث يتمركز آلاف الجنود الأمريكيين، وأخفقت مساعي التفاوض على اتفاق يهدف إلى تقديم مساعدات مقابل نزع سلاح كوريا الشمالية، كما فرضت الأمم المتحدة مزيدًا من العقوبات المشددة دون أن يكون لها أدنى تأثير. وفرضت الصين، الحليف الوحيد الفعلي لكوريا الشمالية، ضغوطًا اقتصادية ودبلوماسية على البلاد، فيما تهدد الولايات المتحدة حاليًا القوة العسكرية الكورية، وتفاقمت الأزمة منذ سنوات، غير أن مهمة تصغير الرؤوس الحربية النووية من جانب كوريا الشمالية، ودخول الولايات المتحدة في نطاق ضربة صاروخية (محتملة) بمثابة تبادل للأدوار في اللعبة.

التهديدات المتبادلة بين واشنطن وبيونج يانج أخذت مسارات متصاعدة، أخطرها بحسب المراقبين  في أواخر العام 2017؛ حيث سلكت تهديدات ترامب لكوريا الشمالية مسارًا خطيرًا بإعلانه ضربها بـ “النار والغضب”، فيما ردت القيادة في بيونج يانج عبارة عن تهديد بقصف محيط جزيرة جوام الأمريكية في المحيط الهادئ، وتظهر باستمرار القاذفات من طراز بي – 1 بي ضمن مناورات عسكرية في شبه الجزيرة الكورية، ومع تصاعد وتيرة الحرب الكلامية، يتصاعد معها أيضًا خطر خروج الوضع عن السيطرة، وظهرت بحسب مراقبين سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه كوريا الشمالية متناقضة منذ تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة؛ ففي حين أكد وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، أن الولايات المتحدة لا تشكل تهديداً لكوريا الشمالية، كما أن الإطاحة بالحكومة الحالية في بيونج يانج ليس هدف واشنطن، عاد بعدها واستدرك  قائلا “إنه لا يعتقد أن هناك تهديدًا فوريًا لأمريكا”، غير أن ما يُستشف من كلمات الرئيس ترامب في الفترة السابقة عكس ذلك خاصة في ظل أن التصعيد المتعمد هو جزء من استراتيجية النظام في بيونج يانج، فكونها دولة دكتاتورية تعاني من ظروف اجتماعية واقتصادية كارثية، فإن النظام بحاجة إلى شرعنة برنامج نووي يكلف مبالغ باهظة من قبل الشعب”. وهو بالفعل يقوم بتوظيف هذه التهديدات عن عمد لإضفاء الشرعية على البرنامج النووي.

 دلالات الإعلان

وبحسب المراقبين فهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها كيم بشكل مباشر عن موقفه من برامج الأسلحة النووية لبلاده قبل القمتين المزمعتين مع رئيس كوريا الجنوبية مون جيه-إن هذا الأسبوع ومع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أواخر مايو أو أوائل يونيو، خاصة أن يأتي في ظل سياق مختلف فقد كان جد كيم قد شرع في تطوير الأسلحة النووية وواصل والده العمل، لكن التعهد بوقف ذلك يعني تحولا كبيرا في موقف الديكتاتور الشاب (34 عاما) الذي دعم أمنه بترسانته النووية، وأمضى سنوات وهو يحتفل بمثل هذه الأسلحة كجزء لا يتجزأ من شرعية نظامه وقوته، ولا يفي تعليق التجارب النووية والالتزام بإغلاق موقع للتجارب النووية بطلب واشنطن أن تفكك بيونجيانج بالكامل أسلحتها النووي وصواريخها، لكن خبراء يقولون بحسب وكالة رويترز إن الإعلان عن تنازلات الآن، وليس خلال اجتماعات القمة يظهر أن كيم جاد بشأن محادثات نزع السلاح النووي، وقال ديفيد رايت المدير المشارك لبرنامج الأمن العالمي التابع لاتحاد العلماء المعنيين: ”نبحث جميعا عن دليل على أن كيم جاد حقا بشأن المفاوضات، ومثل هذه الإعلانات تشير بالتأكيد إلى أنه كذلك، وأنه يحاول أن يوضح للعالم أنه كذلك“.

الحل الدبلوماسي الذي ظهرت بوارده مع إعلان كيم، ولكن وفق مراقبين هناك وجهتا نظر متضاربتان يصعب التوفيق بينهما؛ حيث إن البرنامج النووي يعد حجر الأساس لسياسة كوريا الشمالية سواء في الداخل أو الخارج. في الوقت ذاته لا تريد الولايات المتحدة، التسامح مع مثل هذا البرنامج، و”هناك مخرج وحيد وهو وسيلة لحفظ ماء وجه الطرفين، وهو ما انحاز له “كيم ” وهو إعلان كوريا الشمالية أنها مستعدة للتخلي عن أسلحتها النووية، وهو ما حدث، وهي حين تصل إلى تحقيق نجاح سياسي وإزالة الأسباب التي تجعلها تتمسك بالأسلحة النووية، وهذا يعني أنه سيكون على الولايات المتحدة تقديم ضمان أمن أو إقرار معاهدة عدم اعتداء وهو المنتظر من ترامب في ظل التصريح الشهير لوزير الخارجية السابق الذي قال فيه: “إن “ترامب” يريد حل الأزمة دبلوماسيًّا، وإنه لا يسعى إلى الحرب والجهود الدبلوماسية ستستمر حتى إلقاء أول قنبلة على بيونج يانج”.