العدسة – معتز أشرف

رغم أنها دمرت العراق بعد احتلاله، وسلمته لقوى التطرف ممثلة في تنظيم “داعش”، ولحلفاء إيران في العراق، الذين رفعوا البعد المذهبي فوق مصالح الشعب العراقي، جاءت أمريكا في المرتبة الثانية للمانحين، في مؤتمر إعادة إعمار العراق الدولي، الذي أقيم بالكويت قبل أيام، بوعود أثبتت الأيام أنها خديعة، بينما الفساد يضرب بلاد الرافدين باعتراف أكبر المسؤولين في البلاد، ينتظر اللصوص الأموال لتدويرها في عملياتٍ كشفت الأيام أنها أكبر عملياتِ لصوصية لسرقة الدول في المنطقة، ما جعل الصورة الراجحة للمشهد القادم، أن مؤتمر الكويت لن يقدم الكثير.

تناقضات عديدة

تساءل مراقبون، هل هو إعادة إعمار العراق أم تغذية الفساد؟ عقب المؤتمر الدولي الذي احتضنته الكويت علي مدار ثلاث أيام، بمشاركة وفود أكثر من 50 دولة، ومئات الشركات الخاصة ورجال الأعمال الأفراد، إلى جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وصندوق النقد ومنظمات غير حكومية، مؤكدين أنه رغم إعلان الحكومة العراقية برنامجًا هائلًا للاستثمار في مختلف ميادين إعادة الإعمار، بينها قرابة 40 مشروعًا له صفة إستراتيجية، إلا أن هذا يصطدم بسلسلة تناقضات تهدد بتحويله إلى مجرد محفل دولي جديد عن العراق، لا يتجاوز منابر الخطابة وإطلاق الوعود،

أول التناقضات، بحسب صحيفة “القدس العربي”، هو أن أمام إعادة الإعمار جدارًا عازلًا صلبًا، وهو استشراء الفساد في البلاد، وتحوله من ظاهرة تخص حفنة من الأفراد والمسؤولين في مختلف مراتب الدولة، إلى مؤسسة متكاملة هائلة السطوة، ومتعددة النفوذ، ومرتبطة مباشرة بمنظومة المحاصصة السياسية الطائفية والمذهبية، التي استقرت رسميًّا في العراق بعد الغزو الأمريكي لعام 2003، حيث يأتي العراق في المرتبة 166 من أصل 176 للدول الأكثر فسادًا في العالم، حسب آخر تصنيف لمنظمة «الشفافية الدولية»، ورغم استحداث أجهزة مختصة، مثل هيئة النزاهة ومكتب المفتش العام وديوان الرقابة المالية، فإن مظاهر الفساد والإفساد تتجذر أكثر فأكثر، والتقديرات الرسمية تشير إلى 24 مليار دولار، خسرتها الخزينة الوطنية عبر طرائق نهب متنوعة.

التناقض الآخر، هو أن العراق يحتل المرتبة الثانية في منظمة الدول المصدرة للنفط، ويضخ 4.4 مليار برميل يوميًّا، ويُفترض بالتالي أنه دولة غنية ولا يحتاج إلى استجداء منظمات غير حكومية تتبرع له بمبلغ 300 مليون دولار لمساعدة الملايين من نازحيه، لكن العجب سرعان ما يزول إذا اتضح السبب الرئيسي وراء هبوط العراق من حال الغنى إلى الفقر، أي توحش أنماط النهب التي تستنزف قطاع تصدير النفط بالذات، والتي لم تعد أرقامها سرًّا على أحد لأنها باتت تُحتسب بمئات المليارات، في بلد تعتمد ميزانيته على عائدات النفط بمعدل 95٪، خاصة أن منظمة «فايرفاكس ميديا» الأسترالية قد قدّرت أن الفساد ابتلع 800 مليار دولار من التبرعات الدولية للعراق بين 2003 و2015، فلا عجب أن يطلب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي اليوم 100 مليار إضافية!.

التناقض الثالث، هو أن تدويل الفساد العراقي ليس حلاً ناجعًا كما أثبتت التجارب، وبيَّنها اتفاق التعاون الذي وقعته حكومة “العبادي” مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتضمن مشاركة مفتشين أمميين في التحقيقات حول الفساد، وكان هذا الحل كفيلاً بإنجاز مقدار الحد الأدنى من الشفافية، لولا أنّ مؤسسة الفساد متأصلة في قلب الأحزاب المشاركة في الحكم، مثلما هي حاضرة بقوة في البرلمان والقضاء والوزارات، ولم يكن غريبًا أن يعلن “العبادي” أن «أحد أسباب دخول الإرهاب هو الفساد، وباتت محاربته جزءًا أساسيًّا وحيويًّا».

ميزانية الإعمار

يحتاج العراق إلى 88.2 مليار دولار لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار، داخل البلد الذي شهد دمارًا كبيرًا خلال الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وفقًا لوزارة التخطيط العراقية، وأوضح وزير التخطيط سلمان الجميلي، خلال مؤتمر دولي في الكويت، أن هذه التكلفة تستند إلى دارسة أجراها خبراء عراقيون ودوليون، وأشار “الجميلي” إلى أن الحجم الكلي للأضرار والخسائر بالعراق بلغ 45.7 مليار دولار، وبحسب المدير العام في وزارة التخطيط العراقية، قصي عبدالفتاح، فإن بغداد في حاجة إلى 22 مليار دولار بشكل فوري.

وفي المقابل، فإن ما أعلن عنه في التعهدات وصل فقط إلى ما يقارب 30 مليار دولار، هو حجم التعهدات المالية التي أعلنتها الدول والمنظمات الدولية والإقليمية المشاركة في مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق، وهي المبالغ التي لم تتجاوز نصف حاجة العراق، وجاء ترتيب أبرز الدول والمنظمات التي ساهمت بمبالغ في إعادة إعمار العراق، سواء على شكل قروض أو منح أو فرص استثمارية، كالتالي: الولايات المتحدة الأمريكية ” نحو ثلاثة مليارات دولار”، وتركيا “خمسة مليارات دولار” الكويت “مليار دولار”، السعودية “مليار و500 مليون دولار”، وقطر “مليار دولار”، والإمارات”500 مليون دولار”، وبريطانيا “مليار دولار”، وألمانيا “350 مليون يورو”، وإيطاليا “260 مليون يورو، على شكل قروض ميسرة، و11.5 مليون دولار مساعدات”، وفنلندا ” 10 ملايين دولار، تخصص لنزع الألغام”، وماليزيا ” 100 ألف دولار”، الاتحاد الأوروبي “400 مليون دولار”، ومنظمات غير حكومية “330 مليون دولار”، والبنك الإسلامي للتنمية “500 مليون دولار”، والصندوق العربي للإنماء “تسوية بمقدار مليار ونصف المليار دولار”، فيما غابت الجارة إيران عن مشهد الدفع، وفي أول رد فعل على الإعلان، قال وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري: “كنا نأمل بمبلغ أكبر”.

من المسؤول؟

الولايات المتحدة الأمريكية، لعبت دورًا بارزًا في إلحاق كل دمار حدث في العراق، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، الذي بدأ منذ الحصار الأمريكي، وبلغ ذروته في احتلال عام 2003، من قِبل التحالف الذي قادته الولايات المتحدة وطائراته ودباباته، حيث جرى تدمير البنى التحتية الرئيسية من جسور، ومحطات مياه، وكهرباء، ومستشفيات، ومدارس، حتى إن “داعش”، بحسب مراقبين، جاء صعودها نتيجة سياسات الإقصاء والتهميش التي مارستها الولايات المتحدة وقيادتها العسكرية وجنرالاتها الذين كانوا يديرون شؤون العراق، من حيث تهيئة البيئة الحاضنة للتطرف بأشكاله كافة، ولهذا ذهبت جريدة الرأي اليوم التي يرأس تحريرها الكاتب عبد الباري عطوان، إلى القول إنه: “يجب أن تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية إعادة الإعمار كاملة، وأن تقدم تعويضات لاستشهاد أكثر من مليون عراقي بسبب حصارها، ومئات الآلاف الآخرين الذين استشهدوا بفعل عدوانها بعد احتلال عام 2003″، وهو ذات الاتجاه الذي تبنته أخبار الخليج البحرينية؛ حيث أكدت على لسان الكاتب عبدالله الأيوبي، أن  “أمريكا ليست فقط تتحمل العبء الأكبر من مسؤولية إعادة إعمار العراق ودفع تكاليف هذا المشروع، وإنما هي المسؤول الأول عن ذلك؛ لأنها هي من قادت عملية التدمير، وخرقت جميع المواثيق والقوانين الدولية، وفي مقدمتها تحريم انتهاك السيادة الوطنية للدول، نعم، هناك دول أخرى تتحمل المسؤولية الأخلاقية فيما يتعلق بإعادة إعمار العراق؛ بسبب مشاركتها في جريمة غزوه، ولكن هذه الدول كلها ما كانت لتقدم على هذه المشاركة لو لم يكن هناك ضغط أمريكي كبير عليه لإضفاء الطابع الجماعي على العملية العسكرية”.

لصوص العراق

ويرى مراقبون أن الأمر لا يعدو أن يكونسبوبة، فمنذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وسقوط نظام صدام حسين، والأموال التي خصصت لإعمار العراق تخطت الـ2 تريليون دولار، وفقا لمراقبين، وهو ما يكفي لإعمار عدة دول، لكن المحصلة النهائية صفر!، فالعراق لم يعمر بعد، ولا يزال غارقًا في بحر العنف والقتال، وكل مؤسساته متهالكة ومنهارة، والخراب أصاب كافة القطاعات من تعليم وصحة وكهرباء، وبنية تحتية، وطرق ومبانٍ سكنية، ومنشآت خاصة وعامة، وغير ذلك، حتى باتت الدولة النفطية الهامة، تعاني من ظروف اقتصادية بالغة السوء، دفعت ببعض المنظمات ومراكز البحوث الدولية والمحلية للحديث عن توقع أن يعلن العراق إفلاسه في وقت قريب، ما لم تحصل معجزة تغيّر الوضع السيئ الراهن.

من جانبه، انتقد مفرج الدوسري في الوطن الكويتية من أطلق عليهم لصوص العراق، ويقول: “دُمر العراق من أجل [رئيس الوزراء الأسبق نوري] المالكي، وليس من واجبنا إعمار ما دمر، لو أيقنا بأن الأموال التي ستجمع ستذهب للشعب العراقي الشقيق ما اعترضنا بحرف، ولكن كلنا يعلم أن 80% من هذه الأموال سيسمع بها الشعب العراقي ولن يراها، وستذهب إلى أرصدة الأحزاب والكتل والمرتزقة لشراء السلاح والولاءات”، فيما يعبر حسين أحمد السرحان، عن تشاؤم مماثل، ويقول في العالم العراقية: “على صانع القرار إدراك أن الأموال التي يمكن أن يحصل عليها من الدول تتأتى في الغالب من إيرادات دافعي الضرائب، وبالتالي لا يمكن أن يضحي صانعو السياسات في الدول المشاركة بناخبيهم وجماهيرهم في دفع أموالٍ لمؤسساتٍ يرونها في أغلبها فاسدة”.

وكذلك ذهب فاروق يوسف، في العرب الدولية، وتساءل: “مؤتمر لإعمار العراق أم لسرقة المانحين؟ لم لا يتقشف العراقيون بدلا من أن يتسولوا على أبواب الدول المانحة، ويعرضوا أنفسهم لسخرية شركات الاستثمار العالمية؟”، قائلا: “من غير المتوقع أن تستلم الحكومة العراقية ما تحلم بالحصول عليه نقدًا، لا لشيء إلا لأن ذلك النقد من وجهة نظر الجميع سيذهب إلى أرصدة الأحزاب التي تتقاسم ثروات البلد في ظل نظام المحاصصة”.