العدسة – معتز أشرف

“المخادع ذئب يبكي تحت أقدام الراعي”.. هكذا يقول الحكماء للتحذير من الخداع الذي قد يتصنعه البعض في مواجهة الآخرين لإثبات ما لاصحة له، ففيما يتحرك غيورون علي الحرمين الشريفين لتدشين مؤسسة عالمية تعنى برصد ومراقبة سبل وطريقة إدارة المملكة العربية السعودية للمشاعر المقدسة في مكة والمدينة خاصة الحرمين بما في ذلك المواقع التاريخية الإسلامية في المملكة، ويعلنون استنادهم في عملها إلى مرجعية إسلامية والحرص على مصالح المسلمين من المحيط حتى الخليج وكافة مناطق التواجد الإسلامي، تتحرك أذرع دول الحصار برعاية الأميرين الطائشين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد ومشاركة آل خليفة في البحرين  لذرف دموع التماسيح والهجوم علي قطر بدون اي مناسبة، وبخداع بالغ رغم العراقيل التي وضعت من الرياض أمام حجاج قطر، رغم أن محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، وزير خارجية قطر قال إن بلاده لم تطلب بتاتا تدويل موضوع الحج، وإنما المطالبة بإنهاء العقبات الموضوعة أمام الحجاج القطريين!

 إلا الحرمين الشريفين

أثار تقرير الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين الشريفين غضب الدول المشاركة في حصار قطر، وفي توقيت واحد وبعبارات متشابهة سارع وزراء ومستشارون في عدد من دول الحصار في تغريدات لهم على تويتر للتعبير عن غضبهم من التقرير، أبرزهم المستشار بالديوان الملكي السعودي سعود القحطاني، ووزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، ووزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة.

وتحت وسم #إلا_الحرمين_الشريفين ” انطلقت معركة الخداع والتزييف، ليتصدر الوسم قائمة الأعلى تداولا، على موقع التدوينات القصيرة تويتر، رغم أن مضمون الوسم هو ما طلبت به قطر منذ اللحظة الأولى عندما عرقلت السعودية إجراءات حج أبناء قطر، ولكن جاءت التغريدات في واد آخر تتهم الدوحة بالتأمر علي الحرمين الشريفين متجاهلين الانتهاكات التي رصدتها المؤسسة الدولية، وانضم وزير الثقافة والإعلام السعودي عواد العواد إلى التنديد بسياسات قطر وهو ما سار عليه  الأمير فهد بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز رئيس جمعية الطيران بمجلس التعاون لدول الخليج العربي، ووزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد، فيما أعاد بعض المغردين نشر مقطع فيديو لوزير الخارجية عادل الجبير، قال فيه: “المملكة العربية السعودية تعتبر أن أي طلب لتدويل الأماكن المقدسة يعتبر بمثابة عمل عدواني ونعتبره بمثابة إعلان حرب على المملكة”.

تسيس الحج

وبحسب الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين، فإن السعودية وحلفاءها يسعون لحرمان بعض الدول من الحج هذا العام والتي عادةً ما تكون أو ستكون على خلاف سياسي معها، مشيرة إلى الشهر الماضي، حيث كان هناك جلسة مفاوضات بين الجزائر والسعودية بهدف زيادة حصة الجزائر في الحج الموسم القادم؛ حيث رفضت السعودية زيادة تلك الحصص بسبب قدرة الاستقبال، وأكد مصدر مقرب من الوفد الجزائري المفاوض للهيئة بحسب ما نشر موقع الهيئة علي الإنترنت أول أمس أنه قد تم تهديد الوفد الجزائري بشكل غير مباشر بعدم تقديم المساندة السياسية لبعض الدول الإسلامية او اتخاذ مواقف سياسية مختلفة عن مواقف المملكة السعودية السياسية؛ لأنه سيؤدي بالنهاية إلى حرمان الجزائر من الحج هذا العام أو عدم زيادة حصتهم من الحج.

واتهمت الهيئة الدولية السعودية بأنها تمارس الابتزاز السياسي ضد الدول الإسلامية والذي بدوره يؤدي إلى حرمان المسلمين من تأدية مناسك الحج والعمرة، وتستغل الحج لتصفية حساباتها مع الدول التي تعارضها سياسياً ولفرض أجندتها السياسية على جميع الدول؛ لأنها تعلم بأن جميع المسلمين والدول الإسلامية بحاجة ماسة لتأدية هذه الفريضة الإسلامية الخامسة، مؤكدة أن الإدارة السعودية الحالية لا تستحق أن تدير الأماكن الإسلامية المقدسة وأنها فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة شؤون الحج والعمرة.

وطالبت الهيئة الدولية بإشراك الحكومات والمؤسسات الإسلامية في إدارة الأماكن المقدسة في السعودية، لعدم تكرار مثل هذه الممارسات التي تنم عن جهل الإدارة السعودية بتعاليم الإسلام القائمة على العدل والمساواة بين جميع المسلمين, خاصة وأن الإدارة السعودية الحالية تعمل وفق مبادئ وأساليب قذرة في إدارة أماكن العبادة الإسلامية ليس لها دخل بالإسلام لا من قريب أو بعيد.

انتهاكات مستمرة

وفي تقريرها الشهري الأول أعلنت الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين أبرز انتهاكات السلطات السعودية في إدارة الأماكن الإسلامية المقدسة في المملكة، كما وثق التقرير عددا من الانتهاكات مثل اعتقال معتمرين لدى وصولهم لأداء شعائر دينية والمنع والحرمان والترحيل والإبعاد وتشويه الأماكن التاريخية المقدسة في المملكة إلى جانب رصد إجراءات تعسفية أخرى بحق معتمرين والكشف عن عمليات فساد كبرى تتم بموافقة الإدارة السعودية وتسييس المنابر الإسلامية وممارسة الابتزاز السياسي عن طريق استخدام الشعائر الإسلامية.

وجاء في التقرير أن الحملة رصدت في 21 يناير 2018 مساومة السعودية للدول الإفريقية ذات الأغلبية المسلمة وخاصة دولة نيجيريا. حيث كشف مصدر مقرب من الحكومة النيجيرية للهيئة بأن السعودية قد عرضت على نيجيريا زيادة حصتها في الحج مقابل بعض المواقف السياسية الداعمة للسعودية ضد بعض الدول. وهذا قد يجعل الدول الإفريقية تقع بين مطرقة اتخاذ مواقف سياسية تكون مجبرة عليها وسندان عدم زيادة حصتها في الحج.

وأعلنت الهيئة في تقريرها عن رصدها لعدد كبير من عمليات الفساد المنظمة بتاريخ 29 يناير 2018 التي تتم تحت نظر وموافقة الحكومة السعودية مثل الرشاوي والابتزاز والمحاباة والاحتكار. وقالت الهيئة في بيان بهذا الخصوص إن سماسرة من الأمراء والعائلة المالكة شرعوا بالعمل في السوق السوداء في السعودية من الآن في رفع الأسعار واستغلال وابتزاز بعثات الحج في الدول العربية وإفريقيا.

وبحسب تقرير الهيئة تضطر تلك البعثات لدفع الرشاوي للأمراء والمتنفذين في السعودية من أجل الحصول على المزيد من تأشيرات الحج واستئجار المساكن والفنادق المميزة لحجاجهم. وحصلت الهيئة الدولية للرقابة على إفادات من بعثات حج عربية وإفريقية سعت بشكل مبكر لاستئجار مساكن وفنادق لحجاجهم، وتحدثت عن تعرضها لعمليات ابتزاز كبرى وطلبات للرشاوي من قبل بعض العاملين في السفارات السعودية في تلك البلدان أو من بعض الأمراء الموجودين داخل السعودية.

وأضافت الهيئة في تقريرها أنها رصدت بتاريخ 18 يناير 2018 توظيف السلطات السعودية منابر المشاعر الدينية المقدسة مثل المسجد النبوي والحرم المكي في حشد الدعم لسياساتها ورؤية أمرائها الداخلية. حيث أفاد شهود عيان أنه يتم استخدام تمرير القرارت السعودية الحكومية عن طريق خطب الجمعة في مساجد السعودية, وأنه قد تم الدفاع عن فرض الحكومة السعودية سلسلة ضرائب إضافية على المواطنين السعوديين بما في ذلك المواد الغذائية والمحروقات. وأشارت الهيئة إلى أن إدارة الرياض تقوم بتوظيف المشاعر المقدسة وحتى الدين الإسلامي للدفاع عن سياسات الحكومة السعودية في سلوك غير لائق بقدسية الأماكن الدينية ويسيء للدين الإسلامي وأحكامه.

وجاء في التقرير أن الهيئة رصدت في 7 يناير 2018 تغيير السلطات السعودية مكان الصلاة من المحراب العثماني إلى المحراب النبوي في المسجد النبوي الشريف، وذلك لأسباب سياسية بعد توقف للصلاة في المحراب النبوي لربع قرن من الزمان على خلفية خلافات سياسية بين السعودية وبعض الدول، فيما وثقت الهيئة عدة انتهاكات بحق معتمرين تم اعتقالهم وترحيلهم من السعودية, إذا تلقت شكوى من مواطن ليبي يبلغ (37 عاماً) بتاريخ 6 يناير 2018 يفيد فيها بأنه تم اعتقاله من السلطات السعودية لدى وصوله الى أراضي المملكة الشهر الماضي بغرض أداء مناسك العمرة، وبحسب الهيئة فإن المواطن الليبي اشتكى من اعتقاله في مطار الرياض وتعرضه للتوبيخ والإهانة بزعم وجود اسمه لدى السلطات السعودية على قائمة زودتها بهم جهاز الأمن التابع للواء الليبي خليفة حفتر، كما وثق التقرير شكاوى من مواطنين مصريين وأردنيين حول تفتيش وفحص هواتفهم النقالة والتحقيق معهم بطريقة غير قانونية في مطار جدة من السلطات السعودية المتواجدة في المطار، فيما تناول التقرير رصد الهيئة الدولية استغلال السلطات السعودية لحاجة المسلمين لأداء فريضة الحج ومناسك العمرة بفرض زيادة مرتفعة على رسوم الحج والعمرة بتاريخ 1 يناير 2018. إذ وصلت رسوم العمرة إلى 2000 ريال للمعتمر الواحد, وهو ما يهدد بحرمان الملايين من المسلمين من أداء هذه المناسك بسبب ضيق الحال وعدم تمكنهم من توفير مبلغ السفر وأداء المناسك.

وشدد التقرير على أنه من غير المعقول أن تتكسب السعودية المزيد من الأموال على حساب الفقراء المسلمين في العالم من دول مثل مصر وفلسطين والسودان واليمن والهند وسوريا وبنجلاديش وإندونيسيا وغيرها من الدول التي لا يستطيع مواطنوها تحمل تكاليف أداء العمرة أو الحج، ويبدو أن هذا السبب الحقيقي في غضب السعودية التي تمنع أكثرية فقيرة في صفوف المسلمين من الحج بضرائب لم تكتب عليها في أم الكتاب كما يقول البعض.