العدسة – منصور عطية
تطورات متلاحقة في خضم الأزمة الإيرانية، بعد اتساع موجة الاحتجاجات الشعبية، وإصرار حكومي على مواجهتها، وتهديدات بوقف “التسامح” مع المظاهرات المنتشرة في أنحاء البلاد، وما خلفته من مقتل نحو 21 شخصًا حتى الآن.
وعلى الرغم من أن الاحتجاجات الحالية لم تخرج عن نطاق السيطرة، إلا أنه لا يمكن الجزم بمآلاتها في ظل إحجام قوات النظام الأكثر تسليحًا وتدريبًا (الحرس الثوري)، عن مشاركة أجهزة الأمن في المواجهة.
اتساع وتطور شعارات ومطالب
وبعد نحو أسبوع من المظاهرات في إيران، أصبح من الواضح أن زخمها يتزايد رغم الحظر الذي فرضته السلطات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعد المظاهرات الحالية هي الأكبر، منذ الاحتجاجات التي شهدتها البلاد عام 2009، بعد الانتخابات الرئاسية، والتي قمعها الأمن بشكل عنيف، وهو ما تهدد الحكومة بتكراره حاليا.
الشعارات التي رددها المحتجون بدأت اقتصادية بالأساس، موجهة ضد الغلاء والتدهور الاقتصادي، والفساد الحكومي، والسياسات الاقتصادية الفاشلة للرئيس حسن روحاني، لكن ما حدث خلال الأيام التالية فاجأ الساسة الإيرانيين.
فالمظاهرات التي بدأت ضد “روحاني”، تطورت في اتجاه أكثر خطورة ضد القيادة الدينية للبلاد، وردد المتظاهرون شعارات ضد المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي.
الإحتجاجات “الإيرانية”
وخلال يوم واحد امتدت المظاهرات لتعم 25 مدينة في مختلف أنحاء البلاد، وتطورت الشعارات بشكل سريع أيضًا، مطالبة بإنهاء التورط الإيراني في الخارج، إشارة للدور الإيراني في سوريا ولبنان واليمن والعراق.
هذه المظاهرات لا تشبه كثيرًا مظاهرات 2009، التي كان لها رءوس معروفة، ومطالب محددة بإعادة الانتخابات أو إعادة فرز الأصوات، وكان زخمها الرئيسي من أبناء الطبقة الوسطى في المدن، خاصة العاصمة طهران وعدة مدن أخرى، أما المظاهرات الحالية فزخمها الرئيسي من الأحياء الأكثر فقرًا، وفي مدن أكثر مما حدث عام 2009.
هذه الجزئية تدفع الخبراء والمحللين للتأني، قبل توقع ما يمكن أن تسفر عنه، خاصة وأن المظاهرات ليس لها قيادة محددة يمكن التواصل معها.
“روحاني” يلمح لمسؤولية “خامنئي”
وكانت ثمة تصريحات مثيرة ولافتة للانتباه أطلقها “روحاني”، وشكلت اتهامًا ضمنيًّا للقيادة الدينية المسيطرة على مقاليد الأمور في البلاد، بالمسؤولية عما يجري.
“روحاني” رفض في تصريحات متلفزة الانتقادات الموجهة لسجله الاقتصادي، ومسؤوليته المباشرة عن تحريك المتظاهرين وإشعال غضب الإيرانيين.
وقال الرئيس الإيراني: “الناس في الشوارع لا يطلبون الخبز والماء، بل المزيد من الحرية”، مشيرا ضمنيًّا إلى أن المحتجين لا يستهدفون حكومته بل المؤسسة الدينية.
وفي أول تعليق له على الاضطرابات، قال “خامنئي”: “في الأيام الأخيرة، استخدم أعداء إيران أدوات مختلفة، منها المال والسلاح والسياسة وأجهزة المخابرات، لإثارة مشاكل للجمهورية الإسلامية”.
حسن روحاني بصحبة “خامنئي”
وأضاف، على موقعه الإلكتروني، أنه سيلقي كلمة بشأن الأحداث الأخيرة “عندما يحين الأوان”، ولم يذكر أي عدو بالاسم، لكن “علي شمخاني” أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، قال إن الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية وراء أعمال الشغب التي تشهدها إيران.
ونقلت وكالة “تسنيم” للأنباء عن “شمخاني” قوله: “سيتلقى السعوديون ردًّا غير متوقع من إيران وهم يعلمون كيف يمكن أن يكون خطيرا”.
هذا التوتر الذي يبدو أن الجبهة الداخلية الإيرانية تعاني منه، والخلاف القائم بين القيادتين السياسية والدينية، ربما يلعب دورًا في أن تبلغ الاحتجاجات مدىً لم تكن تطمح إليه، مستندًا على تضارب في المواقف قد ينعكس سلبًا على كيفية تعامل سلطات البلاد مع الأمر.
أجواء ثورة يناير
اليوم الأربعاء، تجمع عشرات الآلاف في عدد من المدن الإيرانية للتعبير عن دعمهم للنظام، بعد أيام من التحركات الاحتجاجية التي تخللتها أعمال عنف دامية في الأيام الأخيرة، حسب لقطات بثها التليفزيون الحكومي.
وعرض التليفزيون لقطات لمسيرات في الأحواز (جنوب غرب)، وآراك (وسط)، وإيلام (غرب) وكرمنشاه (غرب)، وغرغان (غرب)، وهم يرددون هتافات مؤيدة لـ”خامنئي”، وأخرى من بينها “الموت لأمريكا” وغيرها.
تلك الأجواء أعادت للأذهان الأجواء المسيطرة على ثوة 25 يناير 2011 في مصر، عندما تعمد نظام حسني مبارك، في بداية الاحتجاجات، تسيير تظاهرات مؤيدة، كنوع من أنواع المواجهة الناعمة للتظاهرات المناوئة.
ولعل الرسالة الأبرز التي يريد النظام الإيراني توجيهها، تلك العابرة للحدود الراغبة في إخبار العالم أن النظام لا يزال يتمتع بقاعدة شعبية عريضة، وأن الاحتجاجات المناوئة ليست هي المسيطرة على الأمور، فكما أن هناك محتجين فلدينا مؤيدون كُثُر.
كما يعتبر الداخل الإيراني معنيًّا بهذه التظاهرات المؤيدة، ربما كرسالة تخويف للمحتجين، بأن هناك خطوط دفاع شعبية عن النظام، حتى قبل الحديث عن الاستخدام المفرط للقوة، أو تدخل قوات الحرس الثوري في قمع الاحتجاجات.
ويبقى هذا الخيار الأخير هو المرجح بقوة، في ظل اتساع مضطرد لرقعة الاحتجاجات، وربما وقوع عدد أكبر من الضحايا في صفوف المحتجين، الأمر الذي ينذر بأن تتخذ التظاهرات منحى أكثر خطورة، مع تصاعد المطالب وعدم الاكتفاء بأية إجراءات اقتصادية محتملة لامتصاص غضب المواطنين.
وتتعدد في هذا السياق تهديدات المسؤولين الإيرانيين، سواء من الساسة أو القيادات الأمنية، بمواجهة ما وصفوه بأعمال الشغب التي تتضمنها الاحتجاجات الشعبية.
اضف تعليقا