العدسة – منصور عطية
في غرفة متواضعة بأحد الأحياء القديمة في العاصمة السعودية الرياض يلفظ المصري “عبدالمطلب علي” أنفاسه الأخيرة بعد سقوط ما قال الإعلام المحلي إنها شظية من صاروخ باليستي أطلقه الحوثيون مساء الأحد.
ورغم أنه لم يكن الصاروخ الوحيد، بل أحد 7 صواريخ استهدفت مناطق مختلفة بالمملكة، إلا أنه كان الأكثر صدى بسبب خسائره البشرية، فضلا عن دلالة سقوط إحدى شظاياه في منطقة مأهولة بالسكان.
هذه الهجمة الصاروخية غير المسبوقة، تحمل من الدللات الزمنية والمكانية الكثير، كما تشير إلى تطور نوعي لافت في إمكانات وقدرات جماعة الحوثي، رغم الحصار الذي تفرضه السعودية على اليمن بشكل يمنع وصول الدعم الإيراني.
كما جاءت الشكوى لمجلس الأمن والموقف الغربي المساند للرياض في اتهامها لطهران بالتورط في الهجمات وإطلاقها التهديدات شديدة اللهجة، على نحو يوحي بأن المملكة تعتزم “الرد”، فإلى أي حد يمكن أن يصل هذا الرد.
دلالات شديدة الخطورة
بداية فإن التحليل المبدئي لتلك الهجمات الصاروخية يكشف الستار عن مجموعة من الدلالات شديدة الرمزية والخطورة في آن واحد.
زمنيًا، فإنها تأتي بالتزامن مع مرور 3 أعوام على بدء الحرب في اليمن “عاصفة الحزم”، وكأن الحوثيين أرادوا البعث برسالة قوية إلى السعودية والتحالف بأنهم ليسوا صامدين فحسب، بل مازالوا قادرين على توجيه ضربات موجعة رغم الحصار السعودي والضربات الجوية المتواصلة في اليمن.
مكانيًا، فقد وصلت بقايا أو شظايا الصواريخ ولأول مرة إلى عمق العاصمة الرياض، وفي قلب أحياء مأهولة بالسكان، فكان لافتا غير مشهد وفاة العامل المصري، ما تداوله ناشطون من وجود بقايا صاروخ حوثي وسط طريق الملك فهد بالرياض، وهو بمثابة الشريان الذي يربط طرق وأحياء قطاع كبير بالمدينة.
أما الدلالة الثالثة فتقود إلى تطور كبير ولافت في القدرات الصاروخية لجماعة الحوثي، رغم الحصار الذي تنفذه المملكة على اليمن وموانئه، وهو الأمر الذي تضمن اعترافا ضمنيا من إيران بتزويد الحوثيين بالسلاح، حيث نقلت “الجزيرة” عن قيادي بالحرس الثوري قوله إن “طرق إرسال الأسلحة لليمن مغلقة بسبب الحصار المفروض من السعودية”.
هذا البعد يطرح تساؤلًا مهًما بشأن الطريقة التي يواصل الحوثيون الحصول من خلالها على الصواريخ الإيرانية، التي باتت تشكل مصدر قلق كبير للسعوديين، فمن أين يحصلون على السلاح إذن؟.
في أكتوبر 2016، نقلت “رويترز” عن مسؤولين أمريكيين وغربيين قولهم إن “جانبا كبيرا من عمليات التهريب (تهريب السلاح الإيراني للحوثيين) تم عن طريق سلطنة عمان المتاخمة لليمن بما في ذلك عبر طرق برية استغلالا للثغرات الحدودية بين البلدين”.
تقارير أخرى أشارت إلى طرق جديدة تتبعها إيران في تهريب السلاح للحوثيين، أحدها بشكل مباشر إلى اليمن أو عبر الصومال، غير أن الاحتكاك بسفن البحرية الدولية جعل الحرس الثوري الإيراني يلجأ إلى استخدام مياه الخليج الواقعة بين الكويت وإيران، بحسب التقارير.
المسار الجديد تنطلق فيه سفن إيرانية من مرافئ صغيرة وتنقل عتادا إلى قوارب صغيرة في أعلى الخليج؛ حيث تواجه تدقيقا أقل ليتم تسليم الشحنات في ممرات ملاحية دولية.
السعودية تُهيّئ المجتمع الدولي
وفي سياق تحليل تداعيات الهجمات الصاروخية الحوثية، كان لافتا محاولة السعودية خلق رأي عام عالمي يعضد موقفها، ويساند على ما يبدو أية تحركات مستقبلية تنويهًا بشأن الرد، الذي قالت إنه سيكون في الوقت والمكان المناسبين.
بدأت المحاولة بمؤتمر صحفي كبير، عرض للمرة الأولى بقايا صواريخ وشظايا قال العقيد “تركي المالكي” المتحدث باسم قوات التحالف: إنها تثبت أن الصواريخ التي أطلقها الحوثي إيرانية الصنع.
كما جاءت تصريحات العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز لتصب في الاتجاه ذاته؛ حيث شدد على أن المملكة “ستتصدى بكل حزم لأي محاولات عدائية تستهدف أمنها”.
وفي رسالة بعثتها دعت الرياض مجلس الأمن إلى “تحمل مسؤولياته في حفظ الأمن والسلم الدوليين وإدانة هجمات الحوثيين الصاروخية على أراضيها”، وطالبته بتحميل إيران مسؤولية دعمها ورعايتها للحوثيين.
المواقف الأمريكية والغربية جاءت منسجمة مع المساعي السعودية بهذا الشأن؛ حيث حمّلت وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاجون) إيران المسؤولية، وقالت في بيان إن طهران “دفعت الصراع في اليمن للامتداد إلى الدول المجاورة، وتقوض المساعي الدولية لحل الصراع، وتزيد معاناة الشعب اليمني”.
وقال وزير الخارجية الفرنسي “جان إيف لو دريان” في بيان: إن نقل قدرات صاروخية إلى أطراف من غير الدول قد تستخدم ضد دول هو أمر “غير مسؤول ويتنافى مع القانون”، في إشارة غير مباشرة إلى إيران.
وصدر بيان مشترك عن وزيري الخارجية والتنمية الدولية البريطانيين “بوريس جونسون” و”بيني موردونت” قالا فيه: “إذا كانت إيران صادقة في التزامها بدعم الحل السياسي في اليمن كما صرحت بذلك علنًا، فعليها التوقف عن إرسال أسلحة تطيل أمد الصراع وتذكي التوترات الإقليمية”.
وعلى هذا النحو يبدو التوجه السعودي عازما على حشد أكبر دعم من المجتمع الدولي وقواه الكبرى في صفه، ربما لاكتساب شرعية ترغب في إضفائها على أية تحركات عسكرية تنوي القيام بها للرد على الهجمات الصاروخية.
إلى أين تصل التهديدات؟
لعل السعودية في هذا الموقف الصعب، تحاول استغلال التغييرات التي طرأت مؤخرًا على الإدارة الأمريكية متمثلة في وزير خارجيتها الجديد “مايك بومبيو” و”جون بولتون” مستشار الرئيس دونالد ترامب للأمن القومي، نظرًا لموقفهما الداعم لاتخاذ مسلك مشدد نحو إيران للحد من تطورها العسكري.
ووفق سيناريوهات كثيرة محتملة للتهديدات السعودية، فإنّ ذروتها وفق هذا التصور تتمثل في توجيه ضربة عسكرية قوية ومباشرة في داخل العمق الإيراني بدعم أمريكي ومساندة غربية وموافقة من مجلس الأمن.
لكن يبقى هذا السيناريو هو الأبعد في إمكانية التحقق، نظرًا لما توقنه السعودية من ويلات ما يمكن أن يجره عليها نتيجة رد الفعل الإيراني على تلك الضربة المحتملة، وبحسب تهديدات سابقة فإن طهران تعهدت بألا يسلم مكان في السعودية من ضرباتها سوى الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
كما تظل التداعيات الدولية والإقليمية المترتبة على هذه المواجهة واتساع دائرة الصراع بما يشبه حربا عالمية، عائقا يجعل السعودية تفكر ألف مرة قبل اتخاذ قرار مثل هذا.
تلك النتيجة تنقلنا إلى سيناريو آخر متوقع أقل خطورة وكلفة على الرياض، ويتضمن تنفيذ عمليات نوعية مركزة داخل وخارج إيران بصبغة مخابراتية، مثل اغتيال شخصيات سياسية وعسكرية أو حتى استهداف وتفجير منشآت إيرانية حساسة أومصالح لها في الخارج.
أما السيناريو الثالث، وهو الأكثر ترجيحًا فيشير إلى استمرار الوضع كما هو عليه حرب بالوكالة؛ حيث يتصارع البلدان ويتبادلان الضربات دون أن يمس أرضيهما شيء، ووفق هذا التوقع، ستعمل السعودية على توجيه ضربات وتنفيذ عمليات ضد أهداف تابعة وموالية لطهران في بؤر الصراع المختلفة مثل سوريا ولبنان واليمن بطبيعة الحال.
لكن فشل السعودية على مدار 3 سنوات في إنهاء الحرب عسكريا أو عبر الطرق السياسية والدبلوماسية، يدفع إلى سيناريو رابع وهو استمرار سعيها في إيجاد مخرج سلمي للأزمة، وإنقاذ البلاد من مستنقع اليمن الذي أصابها بخسائر غير مسبوقة ماديا وبشريا ومعنويا.
هذا السيناريو تعززه التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير من العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث يرافق ولي العهد محمد بن سلمان في زيارته، قبل أيام.
ورغم أنه هاجم إيران كالعادة، إلا أنه قال إن “النزاع في اليمن يمني يمني، والحوثيون يمكن أن يضطلعوا بدور في البلاد لكن لا يجب أن يكون دورهم السيطرة عليها، بل دور وفق حجمهم”.
اضف تعليقا