قام هادي العامري، زعيم تحالف “الفتح”، الجناح السياسي لفصائل “الحشد الشعبي” في العراق، بتجديد رفض تحالفه نتائج الانتخابات البرلمانية، التي أجريت في العاشر من أكتوبر، مهاجمًا مفوضية الانتخابات، ومتمسكًا في القوت ذاته بالطعن في النتائج.

لكن العامري، على عكس رافضي نتائج الانتخابات الآخرين، لم يقدم أي أدلة واضحة بخصوص التلاعب بالنتائج، كما أنه لم يكشف عن الجهات الذي ذهبت إليها المقاعد التي يقول “الإطار التنسيقي” أنها سرقت منهم، وقام السياسيون بتفسير هذا الحدث بأمرين، إما أن تكون الأدلة غير مقنعة، أو أنهم يخشون الدخول في صراع سياسي أكبر في حال وجهوا اتهامات لكتلة سياسية محددة بسرقة مقاعدهم.

وقام العامري بعقد مؤتمر في مقر جماعة “عصائب أهل الحق” المسلحة في بغداد، قائلًا فيه إن “تحالف الفتح مستمر بالطعن بالانتخابات لدى المحكمة الاتحادية”، مضيفًا أن “الانتخابات لم تجر في الأجواء التي نطمح لها، وأن المفوضية أثبتت عدم قدرتها على إدارة الانتخابات”، ولفت إلى أن “نتائج الانتخابات أثبتت عدم أهلية المفوضية لإدارتها”.

وأشار أيضًا إلى أن “المفوضية لم تلتزم بإجراءاتها وارتكبت مخالفات عديدة، أولها مخالفة قانونها، حيث ادعت أن النتائج الأولية المعلنة تمثل ٩٤٪ من الأصوات، بينما ما أُعلن يمثل ٧٩٪ فقط”، مشددًا على أن “تحالف الفتح لديه شكوك بأجهزة الانتخابات”.

وأفاد أيضًا إلى أن “تحالف الفتح أعرب في جميع الاجتماعات عن مخاوفه من التلاعب بنتائج الانتخابات إلكترونيًا، ولكن مفوضية الانتخابات كانت تؤكد عدم وجود قدرة لهذا التلاعب، ولم تقدم أي تقرير لمجلس النواب عن الأجهزة الخاصة بها لتحديد مستوى صلاحيتها، لأن البت في ذلك هو من صلاحيات مجلس النواب وليس من صلاحية المفوضية”.

وعلى الرغم من مرور نحو ٨ أسابيع على الانتخابات العراقية، لا تزال القوى المعترضة على نتائج الانتخابات ضمن “الإطار التنسيقي” تواصل رفضها للنتائج، وتؤكد حقها في اتباع السبل القانونية وممارسة الضغوط الشعبية لإجراء تعديل على النتائج، أو إعادة العملية الانتخابية.

وقام رافضو النتائج بالتحدث في أكثر من مناسبة عن امتلاكهم ما يعتبرونه “أدلة دامغة”، تثبت حدوث عمليات تلاعب بنتائج الانتخابات، وقالوا إنهم قدموها للهيئة القضائية للانتخابات والمحكمة الاتحادية، وكذلك ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، إلا أنهم لم يكشفوا عن الجهات التي ذهبت إليها المقاعد التي يقولون إنها سُرقت منهم.

ويضم “الإطار التنسيقي”، الذي ظهر أول مرة في المشهد السياسي العراقي عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كغطاء يجمع القوى الحليفة لريران، قبل أن يتحول لتجمع يضم عدة قوى سياسية تشترك في رفضها لنتائج الانتخابات ككل. ومن أبرز تلك الكتل “دولة القانون” نوري المالكي، وتحالف ؛الفتح” بقيادة هادي العامري، و”عطاء” برئاسة رئيس “الحشد الشعبي” فالح الفياض، إضافة إلى “تيار الحكمة” بزعامة عمار الحكيم، وتحالف “النصر” بقيادة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي.

 

الديمقراطية مهددة

ويحاول قادة وأعضاء في “الإطار التنسيقي” خلال المقابلات المتلفزة والتصريحات الصحافية تجنب الإجابة المباشرة عن السؤال المتعلق بوجهة المقاعد التي يدعون أنها سرقت منهم.

وقال وليد السهلاني، القيادي في تحالف “الفتح”، في تصريح صحفي إن بعض القوى تعتقد أن مقاعدها ذهبت إلى أطراف محددة، دون أن يكشف هوية تلك الأطراف.

ولفت السهلاني إلى أن القوى المتضررة قدمت اعتراضات إلى القضاء، كما أنه أشار إلى وجود كثير من الإشكاليات التي رافقت العملية الانتخابية.

وقال أيضًا إن “لا نتحدث عن الأطراف التي ذهبت إليها المقاعد، بل نتحدث عن أصل العملية الانتخابية التي شهدت مخالفات”، وأضاف أن “الفكرة ليست في الحديث عن الطرف الذي ذهبت إليه المقاعد، هذا الحديث سابق لأوانه، لأن الأهم هو وجود أدلة قدمت للمحكمة الاتحادية وهي قادرة على حل الموضوع”.

ولفت إلى أن العملية الانتخابية أدخلت العراق في مأزق كبير، وأن البلاد في حاجة إلى عقول قادرة على استيعاب الأزمة، مؤكدًا أن الديمقراطية في العراق تتعرض للتهديد.

كما أنه شدد على ضرورة وجود معالجات دستورية وقانونية ورؤية وطنية شاملة، موضحً أن الأطراف  المعترضة لا تمثل تحالفًا واحدًا، بل مجموعة تحالفات منضوية ضمن “الإطار التنسيقي”.

ومضى بالقول إن ؛حتى بعض القوى التي حصلت على عدد جيد من المقاعد معترضة أيضًا”، في إشارة إلى “ائتلاف دولة القانون” الذي دخل “الإطار التنسيقي” رغم حصوله على ٣٤ مقعدًا، في محاولة منه لإقحام زعيمه نوري المالكي كشخصية سياسية مؤثرة مجددًا.

 

تناقضات كثيرة

أشار برلماني سابق فائز في الانتخابات الأخيرة في أحد التصريحات الصحفية إلى وجود تناقضات كثيرة في ادعاءات التزوير من قبل القوى المعترضة، وقال إن “المعترضين يتحدثون عن وجود أدلة دامغة تثبت التزوير،  وهذا يعني أنهم يعلمون جيدًا إلى أي طرف ذهبت مقاعدهم”.

وتسائل “لماذا لا يعلنون عن وجهة المقاعد التي يقولون إنها سرقت منهم؟”، موضحًا أن قانون الانتخابات قسم البلاد إلى دوائر صغيرة فيها عدد محدود من المرشحين، ومن السهولة معرفة عدد الأصوات التي حصل عليها المرشحون، وإن كان هناك أصوات أضيفت لهم بعد إغلاق صناديق الاقتراع”.

ولفت البرلماني السابق إلى أن عدم قيام الأحزاب الخاسرة بالكشف عن الأطراف التي تدعي أنها سرقت مقاعدها يعود إلى أحد أمرين: “إما أن تكون الأدلة غير مقنعة، أو إنهم يخشون الدخول في صراع سياسي أكبر في حال وجهوا اتهامات لكتلة سياسية محددة بسرقة مقاعدهم”.

وأشار إلي أن خسارة الأحزاب والحركات السياسية التابعة لمليشيات مسلحة مدعومة من إيران لها أسباب أخرى تتمثل في موقفها، والذي ساهم في قمع احتجاجات ٢٠١٩، مؤكدًا أن ناشطي الاحتجاجات وذوي الضحايا عاقبوا مرشحي المليشيات وصوتوا لمرشحين آخرين من المستقلين والكتلة الصدرية. 

ويعد تحالف “الفتح” الذي يمثل الجناح السياسي لفصائل “الحشد الشعبي” أكبر الخاسرين، وذلك بعد انخفاض عدد مقاعده من ٤٧ في انتخابات ٢٠١٨ إلى ١٤ مقعدًا في انتخابات ٢٠٢١، كما مرت حركة “صادقون” (الجناح السياسي لمليشيا عصائب أهل الحق)، وحركة “حقوق” (الذراع السياسي لمليشيا كتائب حزب الله العراقية) بخسارة كبيرة بعد حصول كل منهما على مقعد واحد.

 

الكلمة “الفصل” للقضاء

أشار المحلل السياسي العراقي طالب الأحمد إلى أن الجهات المعترضة على نتائج الانتخابات تتحاشى ذكر الجهات التي تقول إنها سرقت مقاعدها، وقال إن “الجهات المعترضة تطلق اتهامات فقط دون تحديد الجهات، مما تسبب بانعدام الثقة بالقوى السياسية من قبل الجماهير”. وأضاف أيضًا أنه “لو كان لديهم شيء مؤكد لقاموا بإعلانه”، مبينًا أن الكلمة الفصل ستكون للقضاء.

وقلل الأحمد من أهمية الاتهامات بوجود عمليات تزوير جرت على نطاق واسع، مشيرًا إلى “صعوبة نقل أصوات من شخص إلى شخص آخر”.

وقال أيضًا إنه “وفقًا لمنطقهم فالأصوت التي خسروها ذهبت إلى قوى شعبية أخرى”، موضحًا أن الديمقراطية التوافقية أبقت العراق ضمن الفضاء الطائفي وليس الوطني.

كما أنه شدد على ضرورة خروج القوى السياسية إلى الفضاء الوطني، مؤكدًا أن الأزمة الحالية تعكس انفراط عقد أحزاب مناطق الوسط والجنوب، والتي لم تعد تمتلك مرجعية سياسية واحدة.