نجحت إيران، في العقود الأخيرة، في بناء شبكة من الحلفاء والوكلاء بين دول الشرق الأوسط، بما في ذلك سوريا واليمن ولبنان والعراق، الذين يدفعون المصالح الإيرانية ضد مصالح المنافسين الآخرين، ولا سيما الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل.

 على الرغم من تعرضها لعقوبات من أمريكا والأمم المتحدة، إلا أنها قد حققت إنجازات بارزة في التصنيع العسكري، ونجحت في تطوير قدراتها الصاروخية بعيدة المدى والاعتماد على الحلفاء في مناطق نفوذها التقليدية في سوريا والعراق ولبنان واليمن.

 لذلك كانت طهران تشكل تهديدًا تدريجيًا للاستراتيجية الأمريكية التي تعود إلى عقود من الزمن، لتحمي إسرائيل وتضمن التفوق العسكري للأخيرة على جميع دول المنطقة.

 أصبحت إيران واثقة بشكل متزايد من قدرتها على مواجهة إسرائيل وإلحاق الأذى بها، بعد أن تحدت سنوات من العقوبات الأمريكية والأمم المتحدة وتغلبت على حملة “الضغط الأقصى” التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في عام 2018، إلى جانب إنجازات قواتها الحليفة في العراق.

 اُستهدفت المصالح الأمريكية في العراق، في الأشهر الأخيرة، بشكل متزايد بالهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة، التي تلقي واشنطن باللوم فيها على الميليشيات الشيعية العراقية المقربة من إيران. تستخدم طهران نفس التكتيكات لدعم الحلفاء في اليمن ضد السعودية وحلفاء في سوريا ولبنان ضد إسرائيل.

 تبنت إسرائيل، المنزعجة من نفوذ إيران المتزايد، استراتيجية مضادة منذ أحداث الربيع العربي، وذلك بهدف الحد من وجود منافستها في سوريا ولبنان، وهما دولتان تعتبرهما تل أبيب محوريتين لوجودها ولأمنها القومي.

 إحدى أكثر الأدوات الإيرانية التي تهدد الأمن الإسرائيلي هي جماعة حزب الله في لبنان. وبدعمٍ من إيران، وسعت الجماعة شبه العسكرية أنشطتها إلى اليمن والعراق وسوريا، بما في ذلك مناطق جنوب سوريا -محافظتا درعا والقنيطرة- المجاورة لإسرائيل.

 تنبع استراتيجية إيران في تسهيل توسيع نفوذها في سوريا ولبنان من رؤية أن إسرائيل لا تستطيع أن تنخرط في حرب تقليدية على جبهات متعددة على حدودها الشمالية المجاورة للبنان وسوريا.

 ويتزامن القلق الإسرائيلي من التهديدات الإيرانية المحتملة مع فشل سبع جولات من مفاوضات فيينا بين إيران ومجموعة العمل المشتركة بشأن برنامجها النووي وبرنامجها الصاروخي، وتنفيذ إيران لمناورات بحرية وجوية تحاكي الحرب مع إسرائيل.

 كما يتزايد هذا القلق مع تصريحات المسؤولين الإيرانيين برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى سقف أعلى من الحد الذي حددته الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتوقعات مسؤولين إسرائيليين بأن إيران ستقترب من إنتاج قنبلتها النووية في غضون أشهر. وفي هذا الصدد، قام عدد من المسؤولين الإسرائيليين بالتلميح إلى احتمال القيام بعمل عسكري ضد طهران لمنعها من امتلاك قنبلة نووية.

 في السنوات الأربع الماضية، تعرضت مناطق سيطرة النظام في سوريا لهجمات إسرائيلية متكررة، استهدفت مواقع وقواعد عسكرية تستخدمها قوات النظام والميليشيات المدعومة من إيران.

 من خلال مثل هذه الهجمات، تسعى إسرائيل إلى منع أسلحة إيران المتقدمة من الوصول إلى حدودها، وهو أمر يخشى وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس، من أن “يغير قواعد اللعبة”.

 جاءت تصريحات غانتس بعد ساعات من إعلان وسائل إعلام سورية ودولية تفيد أن طائرات حربية إسرائيلية قصفت ميناء اللاذقية السوري في أواخر ديسمبر من العام الماضي، في ثاني هجوم من نوعه في ذلك الشهر.

 وبينما لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها، دعا غانتس النظام السوري إلى منع إيران من العمل على الأراضي السورية، محذرًا من اتخاذ إجراءات لإحباط التهديدات الإيرانية.

 تعتقد إسرائيل أن المزيد من الهجمات على المواقع المرتبطة بأنشطة إيران في سوريا أمر حاسم في تعطيل شحنات الأسلحة والذخيرة، ومنع تطوير الأسلحة في مواقع على الأراضي السورية.

 وفي تقييم لأداء الجيش الإسرائيلي خلال عام 2022، أكد الجيش أنه قصف عشرات الأهداف في سوريا، وثلاثة في لبنان، وأكثر من مائة عملية بحرية إسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط ​​والبحر الأحمر.

 في إطار استعداداتها لضرب أهداف في عمق إيران، نشرت الصحف الأمريكية تقارير عن مطالبة إسرائيل للولايات المتحدة بتسريع تسليم طائرتين للتزود بالوقود، تماشيًا مع اتفاق سابق بين الحليفين. وكان طلب إسرائيل قد جاء بعد رفض الإمارات والسعودية السماح لطائراتها الحربية بالهبوط في قواعدها للتزود بالوقود.

 كما أن إسرائيل قلقة من أن إيران سترد بشكل مباشر على هجماتها بالصواريخ الباليستية من الأراضي الإيرانية والقوات المتحالفة مثل حماس في غزة، وحزب الله في لبنان وسوريا، ومن مليشيات الحشد الشعبي (قوات الحشد الشعبي) وعشرات المسلحين، وكذلك الجماعات الشيعية في العراق وسوريا.

 كما تخشى تل أبيب من احتمال استهداف مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، بما في ذلك تهديد أمن وسلامة الممرات الملاحية الدولية عبر مضيق باب المندب من قبل جماعة الحوثي في ​​اليمن أو مضيق هرمز، من قبل القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني.