مساع إماراتية حثيثة للتدخل في تشكيل تحالفات سياسية في العراق، لا سيما للمكون السني، وذلك تمهيدًا لمرحلة تشكيل الحكومة المقبلة.
ووفق تقارير صحفية عراقية، فمساعي الإمارات تهدف إلى جمع قادة أبرز تحالفين في العراق ضمن التحالف، وهما “تقدم” بقيادة محمد الحلبوسي، “والعزم” برئاسة خميس الخنجر.
وبعد انتخابات برلمانية شهدها العراق في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حصل تحالف “تقدم” على 37 مقعدًا من مجموع 329 في البرلمان العراقي، بينما يصل عدد مقاعد تحالف “العزم” إلى 34 مقعدًا.
وبذلك يكون المجموع 61 مقعدًا، وبحسب تصريحات من الطرفين ربما يصل مستقبلًا إلى نحو 70 مقعدًا.
وبحسب ما أفاد به مرسوم جمهوري صدر في 26 ديسمبر/ كانون الأول 2021، وجه الرئيس العراقي برهم صالح، دعوة إلى البرلمان بدورته الخامسة (الجديد) لعقد جلسته الأولى في 9 يناير/ كانون الثاني 2022 على أن يترأسها أكبر الأعضاء سنًا، لاختيار رئيس جديد للبرلمان.
ونقلت “الاستقلال” في 9 يناير/ كانون الثاني 2020، عن مصادر عراقية (لم تكشف عن هويتها)، قولها إن “حديثًا يدور في الأروقة السياسية عن دعم تقدمه الإمارات للحلبوسي، لإعادة إعمار محافظة الأنبار وتهيئتها لتكون إقليما منفصلًا”.
وأكدت المصادر أن “الحلبوسي زار الإمارات عبر الأردن، ثم انطلق إلى الولايات المتحدة بشكل سري، والتقى بكبار المسؤولين في الدولة الخليجية، دون الكشف عن تفاصيل الزيارة”.
وفي 18 يونيو/حزيران 2021، كشف البرلماني العراقي السابق عبد الله الخربيط عن تحالف “تقدم” بزعامة محمد الحلبوسي أن المتصدرين للمشهد السياسي السني والجمهور حسم أمره باتجاه إقامة إقليم الأنبار، وبقي فقط الاستفتاء رسميًا على الموضوع حسب الدستور.
وأكد الخربيط خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة “سامراء” العراقية أن “تشكيل إقليم الأنبار الفيدرالي يجرى العمل عليه من تحالف (تقدم)، وأن رئيس الإقليم سيكون زعيم التحالف تقدم محمد الحلبوسي، ونحن قمنا باختياره مقدمًا”.
في ذات اليوم، نشر موقع “شفق نيوز” العراقي تقريرًا صحفيًا كشف فيه عن تواجد زعيمي “تقدم” و”العزم” في دولة الإمارات العربية المتحدة، والأسباب التي دعتهما للتواجد هناك.
ونقل التقرير عن مصدر لم يكشف هويته، أن “زيارة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي برفقة خميس الخنجر، جاءت بالاتفاق بين الطرفين لإطلاع الدول الداعمة للسنة في العراق على آلية توزيع الأدوار بين قيادات التحالفين في الحكومة المقبلة”.
كما أضاف المصدر أن “من أسباب الزيارة أيضًا إقناع الخنجر بتأييد تجديد ولاية أخرى للحلبوسي على رأس السلطة التشريعية في دورة جديدة، وبالتالي لابد من إطلاع الدول الداعمة للسنة لضمان وساطتهم في ذلك”.
وأردف: “تحالف “تقدم” أيقن أنه من الصعوبة إقناع “عزم” بتجديد الولاية للحلبوسي لأن الخنجر بعد انضمام قوى سنية أخرى إلى تحالفه بإمكانه التنافس على رئاسة البرلمان”.
وهو الأمر الذي فرض عليه اعتماد حراك تكتيكي يضمن الولاية الثانية بوساطة الحلفاء الداعمين مقابل ترشيح الخنجر لمنصب نائب رئيس الجمهورية، وفق قوله.
ولفت المصدر إلى أنه “من المؤمل أن تفعل مناصب نواب رئيس الجمهورية والتي بحسب المعطيات ستقسم بين تحالفي دولة القانون (بزعامة نوري المالكي) وعزم (برئاسة خميس الخنجر)”.
وفي السياق ذاته، كتب النائب عن تحالف “العزم” مشعان الجبوري على “تويتر” في 26 ديسمبر/كانون الأول 2021: “على المكشوف، تأكيدًا لما كنا نقوله وينفيه البعض: الشيخ خميس الخنجر زعيم تحالف العزم وصل الإمارات بعد قطيعة دامت ست سنوات”.
وأضاف أن الزيارة كانت “في بداية جولة ثنائية تضمه هو والحلبوسي تشمل ثلاث دول عربية، يبلغان خلالها قادة تلك الدول اتفاقهم على العمل المشترك لما يخدم العراق وأبناء المدن المدمرة (المحافظات العراقية السنية التي استعيدت من تنظيم الدولة عام 2017 بعد ثلاث سنوات من السيطرة عليها)”.
مواقع محلية عراقية، أكدت أن الحلبوسي اجتمع بمستشار الأمن القومي لدولة الإمارات، طحنون بن زايد، بعد ظهر 25 ديسمبر/ كانون الثاني، بحضور خميس الخنجر.
وكان الهدف من اللقاء هو الترتيب للتجديد للحلبوسي، رئيسا للبرلمان المقبل، بحسب المواقع.
من جهته، أكد النائب عن تحالف “العزم” محمد نوري العبد ربه اللقاء الذي حصل بين الخنجر والحلبوسي.
وقال: “إن الشيخ خميس الخنجر كان ممنوعًا من الدخول إلى الإمارات مدة ست سنوات، ولديه مصالح تجارية هناك، وإن الحلبوسي قد سعى في رفع المنع ونجح”.
ولم ينف النائب عن “العزم” خلال تصريح له في 27 ديسمبر لقاء الخنجر بمسؤولين إماراتيين، قائلًا إنه “حسب علمي أنه التقى بشخصيات من الدولة الإماراتية، وإلا كيف يستطيع الدخول إلى هذا البلد لولا تدخل منها؟”
وأضاف العبد ربه أن “الترتيبات السياسية السنية التي جرت داخل العراق وحتى خارجه، لم يكن دور الإمارات فيها بهذا الحجم والمستوى كما يشاع ويتناقله البعض، وإنما كل ما هنالك هو أن تكونوا موحدين في اتخاذ القرارات مجتمعين كمكون سني”.
إلى ذلك أكد فهد الراشد النائب عن تحالف “تقدم” أن “زيارة الزعيمين الحلبوسي والخنجر تأتي ضمن جولات التفاوض، تمهيدًا للتفاوض المستقبلي بعد حسم النتائج من قبل المحكمة الاتحادية لتشكيل الحكومة القادمة”.
وكتحالف “نحن نسعى لإعادة تقلد الحلبوسي رئاسة البرلمان لولاية ثانية، لا سيما بعد إثبات نجاحه في إدارته المنصب”.
وعن نتائج اجتماع الزعيمين في الإمارات إزاء تقسيم الأدوار أو المناصب فيما بينهم، قال الراشد: “بشكل عام هم بالأصل متفقون على الأمر وإن كان هناك رغبة لدى بعض قيادات (عزم) بالوصول لرئاسة البرلمان، لكن يبقى استحقاق تقدم الانتخابي يمنحها الأولوية في تسمية مرشحها”.
على إثر تسريبات اللقاء الذي جمع الحلبوسي والخنجر في الإمارات، تفجرت خلافات داخل تحالف “العزم” بقيادة الأخير، حيث تناقلت وسائل إعلام محلية بيانًا نسب إلى القيادي في التحالف خالد العبيدي، رفض فيه أي تدخل خارجي ودعم أي اسم لمنصب رئاسة البرلمان.
وذكر البيان في 26 ديسمبر/كانون الأول 2021 أن “الحديث عن اجتماعات تجرى خارج العراق بحضور شخصيات قيادية من المكون السني حول إعادة ترتيب البيت السني وتسمية رئيس البرلمان للمرحلة القادمة”.
وتابع: “نحن في (عزم) قياديين وأعضاء فائزين نؤكد أن البيت السني ورئاسة البرلمان هو خيار وطني في الدرجة الأولى كما هو سائر الرئاسات”.
وأشار إلى أن “أي تدخل خارجي بدعم أي اسم لهذا المنصب أو غيره مرفوض من قبلنا ومن قبل سائر قوى الفضاء الوطني، مع تأكيدنا على حقيقة أن الدعم الخارجي لأي اسم إنما يُضعف حظوظه، ويضعه في دائرة الشك والريبة، ونؤكد أننا ماضون في مشروعنا الذي وعدنا به الناخبين”.
وعلى الوتيرة ذاتها، قال عضو ائتلاف “دولة القانون” وائل الركابي خلال حديث صحفي في 27 ديسمبر: “نحن ضد هذه التدخلات التي من شأنها أن تجعل وصاية من تلك الدول على هذه القوى السياسية، وتوحي وكأنها حالة امتثال من الأخيرة للأوامر الخارجية أكثر من امتثالها للمطالب الشعبية الداخلية التي تنادي بالتغيير وتقديم الخدمات”.
وأضاف الركابي: “اليوم جميع الأطراف التي ترفع شعار لا شرقية ولا غربية في تشكيل الحكومة، عليها أيضًا أن ترفض تدخلات الإمارات وأي دولة خارجية، وكذلك الاعتراض على تدخلات إيران والحديث عن تبعية القوى الشيعية لرؤاها السياسية، وأن تسحب هذه الاتهامات”. وأكد أن “ذلك يجعل الوضع معقدًا في عملية تشكيل الحكومة العراقية المقبلة”.
وأشار إلى أن “عملية جديدة بدأت اليوم لتشكيل الحكومة بعد تصديق المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات وقبولها من الجميع، لكن عندما تتدخل دول خارجية وتفرض إرادات على أطراف تعتبرهم يعملون لصالحها، فهذا أمر يعيق العمل السياسي لمدة أربع سنوات قادمة، ما يجعلنا أمام مهاترات وسجالات كبيرة وتنفيذ لبرامج خارجية”. ولفت إلى أن “التدخل الإماراتي اليوم سيجعل مبررا للتدخل الإيراني غدا”.
وتوالت الاتهامات التي توجهها أطراف سياسية عراقية عدة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بالتدخل في شؤون العراق الداخلية.
وكشف برلمانيون حاليون ومسؤولون سابقون عن تنامي دورها بشكل “مخيف”، ولا سيما في عهد رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي.
وفي 14 مارس/ آذار2021، قالت البرلمانية العراقية عالية نصيف، العضو في “ائتلاف دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، خلال مقابلة تلفزيونية، إن “أحد مستشاري الكاظمي يمثل إحدى أدوات طحنون بن زايد، ويوميًا يزور الإمارات ويعقد اجتماعات هناك لتنفيذ سياسات الأخيرة في العراق”.
وأضافت أن “الإمارات تستبيح البلد، فهناك من يذهب ويأخذ الأوامر من طحنون، وأن شخصيات برلمانية وأعضاء في الحكومة إذا أرادت الحصول على منصب تذهب إلى الرجل وتأتي بالمنصب، وأن أبوظبي لديها أدوات من السنة والشيعة والكرد في داخل العملية السياسية بالعراق”.
ورأت عالية نصيف أن “طحنون بن زايد تدخل بالأمور السياسية ويدير القرار السياسي في العراق، وليس غريبًا أن يتدخل بالشؤون الأمنية”.
وبينت أنه “قبل مدة ذهب أحد البرلمانيين إلى الإمارات وحصل على موافقة أن يكون وكيل رئيس جهاز المخابرات، وبعدها نقلوه إلى وزارة الأمن الوطني”.
اضف تعليقا