أربعة أجيال من اللاجئين الفلسطينيين، من نسل 750 ألف فلسطيني تم تطهيرهم عرقياً من أرضهم في عام 1948، منتشرون في جميع أنحاء العالم في الشتات. يعيش أكثر من نصف مليون شخص في لبنان، ويشكلون حوالي 10 في المائة من إجمالي السكان. يعيش أكثر من نصفهم بقليل في مخيمات اللاجئين و “التجمعات” غير الرسمية التي تديرها الأمم المتحدة. وضعهم وظروفهم المعيشية مزرية. تعاني جميع المخيمات الاثني عشر الرسمية في لبنان من نقص البنية التحتية المناسبة والاكتظاظ والفقر والبطالة. ولك أن تتخيل الحياة بدون كهرباء أو مياه نظيفة أو خدمات طبية أو وقود.
وفقًا لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، يوجد في لبنان أعلى نسبة من لاجئي فلسطين الذين يعيشون في فقر مدقع. يواجهون تحديات جراء مختلف القيود التي يفرضها البلد المضيف، حيث يواجهون الإقصاء الاجتماعي، ويُنظر إليهم على أنهم أجانب، ويتم استبعادهم فعليًا من معظم الحقوق المدنية والاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك الوظائف، على الرغم من أن معظمهم ولدوا ونشأوا في لبنان.
- أزمات بعضها فوق بعض..
الأمور تزداد صعوبة على الفلسطينيين في البلاد. حيث تتفاقم الصعوبات بسبب جائحة كوفيد -19، والأزمة الاقتصادية في البلاد، وانهيار الليرة اللبنانية. وبحسب يوكي موكو من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، “وصف البنك الدولي ما يحدث في لبنان بأنه من المحتمل أن يكون أحد أكبر ثلاثة انهيارات اقتصادية شوهدت منذ منتصف القرن التاسع عشر”. وفي تقرير صادر عن اليونيسف العام الماضي، أشير إلى أن 49 في المائة من عائلات اللاجئين الفلسطينيين يقل دخلهم الشهري عن 25 دولارًا. علاوة على ذلك، لا يستطيع 89 في المائة من اللاجئين تلبية احتياجاتهم الغذائية وغير الغذائية الأساسية مثل الوقود والكهرباء والمياه النظيفة. للمرة الأولى يطرق الجوع أبواب اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
انقطاع التيار الكهربائي يعني أن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين تفتقر إلى الكهرباء لمدة تصل إلى 22 ساعة في اليوم. توقفت اثنتان من محطات توليد الكهرباء الرئيسية في لبنان عن العمل تمامًا، وكان لذلك تأثير أيضًا على إمدادات المياه، حيث لا يمكن لمحطات الضخ العمل بدون كهرباء. إلى جانب الطقس الحار ونقص المياه، غالبًا ما يؤدي نقص الكهرباء إلى الإصابة بالأمراض.
مع استمرار ارتفاع عدد الإصابات بـ Covid-19، تزداد معاناة اللاجئين الفلسطينيين سوءًا. حيث تواجه المستشفيات في لبنان بالفعل مجموعة من التحديات الناجمة عن الأزمة الاقتصادية في البلاد. معظمهم ليس لديهم كهرباء كافية لتشغيل المعدات الطبية الأساسية. يعاني قطاع الرعاية الصحية أيضًا من نقص خطير في الإمدادات الطبية. تم إلغاء حملة تطعيم واسعة النطاق بسبب انقطاع التيار الكهربائي في معظم المناطق. إذا كان هذا هو الواقع بالنسبة للمواطنين اللبنانيين، فماذا عن اللاجئين الفلسطينيين الذين لديهم بالفعل العديد من المشاكل الخطيرة طويلة الأمد؟
- تدهور أحوال اللاجئين..
وبحسب الدكتور حسن منيمنة، رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، فإن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تدهورت بسبب عدم توقيع لبنان على الاتفاقية الدولية لحقوق اللاجئين. وأوضح أن “لبنان رفض منذ البداية منح اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم الإنسانية مثل الحق في العمل والتعليم والحق في الرعاية الصحية والتملك”. تثير بعض الجماعات السياسية في البلاد مخاوف بشأن توطين اللاجئين في لبنان. “لقد أظهر الواقع لمدة 72 عامًا أن اللاجئين الفلسطينيين لا يريدون العيش في لبنان إلى الأبد – فهم يريدون العودة إلى أرضهم بعد كل شيء – والدستور اللبناني لن يسمح بإعادة التوطين الدائم للاجئين الفلسطينيين في لبنان”.
التعليم هو أيضا قضية شائكة بالنسبة للاجئين. حيث أوضح منيمنة، وهو وزير سابق للتربية والتعليم، أن مدارس الأونروا متوقفة منذ عامين، وقال: “هذا يشكل تهديدًا كبيرًا على مستقبل أي طالب يخسر عامين من تعليمه”. على مدار الشهر الماضي، كان على اتصال بالأونروا للمطالبة بإعادة فتح المدارس. كما أرسل طلبًا لحملة تطعيم ضد فيروس كورونا لجميع الكادر التعليمي. وشدد على أن الدروس عبر الإنترنت غير مجدية، خاصة في بيئة مخيمات اللاجئين، حيث لا كهرباء ولا وقود ولا حواسيب وقليل من الأجهزة الإلكترونية.
يشعر الدكتور وليد الأحمد رئيس دائرة الصحة باللجنة الشعبية في مخيم مار الياس بالغضب وخيبة الأمل إزاء أداء وكالة الغوث. وحمل الوكالة مسؤولية تدهور أوضاع اللاجئين الفلسطينيين لأنها لم تقدم أي خطة طوارئ للتعامل مع الأزمة.
في عام 2018، سحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تمويله من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) وأحدث تأثيرًا في مواردها المالية بلغ 300 مليون دولار سنويًا. هذا يعني أن الميزانيات والخدمات للاجئين قد تم قطعها. على الرغم من أن الأونروا قدمت 40 دولارًا للعائلات التي لديها أطفال دون سن 18 عامًا كاستجابة للأزمة الاقتصادية في لبنان، إلا أن الأحمد يصف الخطوة بأنها “غير مجدية” لأن هناك العديد من العائلات ليس لديها مثل هؤلاء الأطفال. وأضاف: “هذا قرار غير عادل، حيث إن نسبة كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين من كبار السن ويعانون من أمراض مزمنة، وبالتالي حرمت الأونروا آلاف الأسر الفلسطينية من الاستفادة من هذا المشروع”.
عانى لبنان من أزمة اقتصادية حادة خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية. لكن اللاجئين الفلسطينيين يعانون منذ عقود. لقد ترك الاقتصاد الفاشل نصف السكان يعيشون في فقر وتردي ظروف معيشية. بينما تكافح الدولة المضيفة للخروج من مأزقها، لا يستطيع اللاجئون الفلسطينيون رؤية أي ضوء في نهاية نفق طويل ومظلم للغاية. وهنا يبقى السؤال: كم يمكن أن يتحملوا أكثر من ذلك؟
اضف تعليقا