تستطيع أن تكتشف قوة ذلك المصباح الذى قد تنيره ليلا ويتكرر في الشوارع المحيطة، فتصب أضواؤها في السماء… من أي صورة فوقية لتجد أن غطاء ضوئيا يغطي سماء العالم وأننا أصبحنا بلا ليل.

ويقصد بالتلوث الضوئي الانزعاج المترتب عن الإضاءة الاصطناعية ليلا وآثار هذه الإنارة على الإنسان والحيوان والنبات وعائلة الفطريات بل والأنظمة البيئية.

ويصل وصف العلماء للتلوث الضوئي بأنه أبعد كثيرا من التلوث البيئي والسمعي، فقد عرف العالم الألماني “بيت شتراسر” التلوث الضوئي بأنه نوع مخرب من الهندسة الضوئية التي تكمل الهندسة المعمارية من حيث الشكل والمضمون.

 

زيادة التلوث الضوئي حول العالم

وحذرت عدة دراسات حديثة من تزايد البقعة الضوئية في المناطق المكشوفة ليلا والتي تتزايد بنسبة 2% سنويا منذ 2012 وحتى 2016، لما لها من آثار بيئية للتلوث الضوئي على الكائنات الحية فوق سطح الأرض، مؤكدين حقيقة أن البلدان النامية أسرع كثيرا في زيادة التلوث الضوئي منها في الدول الغنية، التي تنتشر فيها الأضواء الساطعة ليلا.

ورغم كل ما تم رصده من حقائق حول حجم التلوث الضوئي عالميا ألا أن باحثين يتبعون للإدارة الأمريكية الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي أكدوا بيانات القمر الصناعي الخاص بالطقس لا تعكس حجم المشكلة بالكامل لعدم استطاعة جهاز الاستشعار بالقمر رصد الإضاءة الصادرة، عن مصابيح الصمام الثنائي الباعث للضوء (ليد) مع انتشار استخدامها خاصة الضوء الأزرق منها.

وفي سياق متصل، رصد الباحثون ثبات مستويات الضوء في عدد قليل من الدول منها إيطاليا وهولندا وإسبانيا والولايات المتحدة – رغم أنها من أكثر الدول إنارة- كما أنها تراجعت في سوريا واليمن مع ما تشهدانه من حروب، بينما كانت الزيادة واضحة في أمريكا الجنوبية وإفريقيا وآسيا باستثناءات قليلة، كما ازدادت المساحة المضاءة في أستراليا، بسبب حرائق الغابات… وجاء هذا برغم ما صرح به من عجز جهاز الاستشعار بالقمر الصناعي عن رصد أضواء “الليد” والتى قد تخفى زيادة حقيقية.

 

عواقب التلوث الضوئي

ومن ناحية أخرى ذكر العالم البيئي “فرانس هولكر” بمعهد “لايبنيتس” لإيكولوجيا المياه العذبة ومصايد الأسماك الداخلية أن الأضواء الصناعية تشتت الأضواء الطبيعية المتوفرة في الليل، وأن هذه الزيادة الضوئية قد تؤثر سلبا على نوم الإنسان، إضافة إلى ما يسببه الضوء الصناعي من تهديد 30% من الفقاريات الليلية وأكثر من 60 % من اللافقاريات، كما أنه يؤثر أيضا في النباتات الدقيقة.. ويهدد التنوع الحيوي بتغيير العادات الليلية مثل التكاثر أو أنماط الهجرة لكثير من الكائنات المختلفة”.

بينما أضاف العالم الألماني “بيت شتراسر” أن هذا الصخب الضوئي قد يؤثر بنسبة 36% على عيون حديثي الولادة، إذا تواجدوا في أماكن تزيد فيها مساحة وقوة الضوء، حيث يؤثر سلبًا على اكتمال نمو قرنية العين لدى الصغار، ونسبة ضيق عدسة العين الطبيعية.

وشبه “شتراسر” ما يحدث من تأثير الضوء على قرنية الأطفال بوضع قطرات الأتروبين في العين أثناء الكشف على صحة البصر وهي من شأنها فتح عدسة العين لأقصى درجة، ويتحكم الطبيب بعدها بإعادة إغلاقها، ولاتساع عدسة العين مخاطره على قوة الإبصار، فهذا هو ما يحدث  بالضبط للصغار والكبار أيضا ولكن بنسبة أقل لتعرضهم للتلوث الضوئي.

وليس هذا فحسب بل قد أكد العالم الماني أيضا أن هناك نسبة من المواد المشعة تنبعث من تلك الأضواء الاصطناعية التى تؤثر سلبا على المرأة الحامل وغيرها من الأشخاص الذين قد يتعرضون لزيادة في ضربات القلب والنبض، ويسبب لهاثا في التنفس، وصداعا ينتهي بعدم التركيز الطبيعي للإنسان.

كما أن هناك تحذيرات طبية لمن يعانون من أمراض سرطانية مثل اللوكيميا التعرض للضوء حيث يتعاطون جرعات طبية من مادة Melatonin تمنع تكون الخلايا السرطانية، هذه المادة تفرز طبيعيا من الجسم ولكن السهر والتعرض للضوء ليلا يؤثر على نسبة إفرازها بشكل طبيعي في الجسم.

ولعل اضطرابات النوم ترجع أيضا للتعرض للضوء ليلا حيث تفرز غدة ” “Pineal في المخ ليلا مادة الـ” Melatonin” التى تمنح الإنسان الشعور بالنعاس وقد يؤثر الضوء على إفرازها بشكل طبيعي، حيث اتضح أن من ينامون تحت تأثيرات الإضاءة ليلا أو أن غرف نومهم تطل على الشوارع المضيئة يكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض سرطانية مثل سرطان الثدي والذي يحفزه عدم إفراز مادة Melatonin”” بانتظام، أما هؤلاء الذين يتمتعون بنوم هادئ بعيدا عن صخب الضوء فستفرز عندهم هذه المادة والتي تتلف وجود الخلايا السرطانية.

كما أن للتلوث الضوئي العديد  من المشاكل الصحية الأخرى مثل زيادة نوبات الصداع والشعور بالإرهاق والتعرض لدرجات مختلفة من التوتر وزيادة الإحساس بالقلق وارتفاع ضغط الدم.