إلى أي مدى ستستمر قطر في تحديها للصين فيما يتعلق بمحنة مسلمي الأويغور؟

تعتبر قطر الدولة الخليجية الوحيدة التي رفضت الوقوف في جانب الصين فيما يتعلق بسجلها في مجال حقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ، حيث صممت على موقفها الرافض لسياسات الصين تجاه المسلمين هناك، وهو ما اعتبرته مسألة مبدأ بالنسبة لها، لتثبت بذلك أن سياساتها الخارجية تنتصر بصورة أساسية للقيم والمبادئ الإنسانية، ليُضاف ذلك الموقف إلى مواقف أخرى مشابهة مضادة تماماً لمواقف وسياسات المملكة العربية السعودية في التعامل مع بعض القضايا الدولية الرئيسية.

بعد نشر تقارير دولية العام الماضي حول ما يتم بحق مسلمي الأويغور أعربت العديد من المنظمات الحقوقية والحكومات الغربية عن غضبهم الشديد بعد الكشف عن سياسات الحكومة الصينية في إقليم شينجيانغ تجاه المسلمين هناك، حيث تم التحدث عن وجود نحو مليون مسلماً -معظمهم من الأويغور- رهن الاحتجاز التعسفي بدعوى مكافحة التطرف والإرهاب، وهي الحقائق التي صدمت الكثيرين في الغرب.

الرئيس “شي جين بينغ” منذ توليه السلطة وهو يتبع أجندة خاصة ضد مسلمي بلاده، حيث قام بحظر الآذان، وقام بهدم المساجد والمآذن، ورفض وضع وسم “حلال” على أي منتجات غذائية، ومنع الكتابة نهائياً باللغة العربية.

كان من المُتوقع أن تنتفض الحكومات في العالم العربي/الإسلامي للدفاع عن حقوق مسلمي شينجيانغ، ومع ذلك، لم تتخذ تلك الحكومات أي موقف مضاد لسياسات الصين ضد الأويغور، كما لم تصدر أي بيانات شجب أو تنديد، وفي المقابل قاموا بدعم موقف بكين أممياً عن اتهامها بارتكاب انتهاكات فظيعة في شينجيانغ.

المحللون فسروا موقف الدول العربية والإسلامية المتخاذل من انتهاك حقوق الأويغور، يرجع إلى خوفهم على العلاقات الاقتصادية والتجارية التي تربط بين الصين ومعظم الدول في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا، حيث إن أي انتقاد قد يوجه للحكومة الصينية قد يعرض تلك العلاقة المتعمقة مع بكين للخطر، خاصة في ظل تصاعد قوة الصين في هذا العالم المتعدد الأقطاب.

علاوة على ذلك؛ مسؤولون في دول عربية وإسلامية كبيرة مثل مصر والسعودية قاموا بتسليم العديد من الأويغوريين إلى الصين، وإصدار بيانات رسمية تدعم حملة بكين ” لمكافحة التطرف” في شينجيانغ.

في 22 يوليو/تموز الماضي، قام عدد من الحكومات المنتخبة ديموقراطياً بإرسال رسالة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة انتقدوا فيها سياسات الصين ضد مسلمي الأويغور وأدانوا قيامها باحتجاز عدد كبير منهم في معسكرات لإعادة التأهيل والتحكم في المناهج التعليمية.

تلك الرسالة كانت رداً على رسالة أخرى كانت قد أُرسلت إلى ذات الجهة في 12 يوليو/تموز الماضي وقع عليها 37 دولة بما فيها جميع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، واحتوت على دعم قوي لبكين فيما يتعلق بسياساتها في إقليم شينجيانغ.

الرسالة التي تدافع عن بكين كانت أشبه ببيان صحفي صادر عن الحكومة الصينية مفاده “إننا نشيد بالإنجازات الرائعة التي حققتها الصين في مجال حقوق الإنسان من خلال اتباع سياسات جديدة ومتطورة للتنمية، مع الالتزام بحقوق الإنسان وحمايتها وتعزيزها”.

في غضون شهر من إرسال تلك الرسالة الداعمة للحكومة الصينية ، قررت قطر تغيير موقفها والانسحاب من خطاب 12 يوليو/تموز 2019، حيث صرح المندوب الدائم لدولة قطر لدى الأمم المتحدة: “مع مراعاة تركيزنا على التسوية والوساطة، نعتقد أن المشاركة في تفويض الرسالة المذكورة أعلاه من شأنها أن تهدد أولويات سياستنا الخارجية الرئيسية”، وأضاف “نود أن نحافظ على التزامنا بموقف محايد”.

على الرغم من أن القيادة في الدوحة لم تقم بتوجيه أي انتقاد للصين صراحة بشأن ملف شينجيانغ، إلا أن قرار قطر برفع اسمها من الخطاب الداعم لبكين يُعد بياناً رسمياً بحد ذاته.

القرار رفع من أسهم الدوحة فيما يتعلق باحترامها لحقوق الإنسان، حيث حاز على ثناء كبير من نشطاء الأويغور وترحيب من منظمات حقوق الإنسان في الغرب، في أعقاب انتقاداتهم القوية لحكومات الدول ذات الأغلبية المسلمة لاستمرارها في الاستجابة الصامتة للحملة الصينية ضد المسلمين في شينجيانغ، إن لم تكن تدفعها للاستمرار فيها.

جيمس دورسي- الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، علق على موقف قطر الأخير قائلاً “تغيير قطر لموقفها يقول الكثير عن المواقف المختلفة منذ عقد من الزمان بين قطر ومنتقديها الرئيسيين، أي الإمارات والسعودية، والذين يدعمون نظام عالمي جديد غير ليبرالي تداس فيه حقوق الأقليات”.

وأضاف “في الواقع، كان هذا التغيير من جانب الدوحة مثالًا على المكانة التي أصبحت فيها قطر في مجلس التعاون الخليجي، حيث أصبحت عضواً عادياً، وفي الوقت ذاته تسعى بخطى ثابتة لترسيخ سياساتها الخارجية التي تبعد كل البعد عن المدار الجيوسياسي للمملكة العربية السعودية.

بالنسبة للقطريين، فإن انسحابهم من الرسالة الموقعة من 36 دولة أخرى، جعل مواقفهم المتعلقة بالحقوق والعدالة الاجتماعية أكثر ثباتاً”.

جاء قرار قطر بالانسحاب من الرسالة المُشار إليها أعلاه في الوقت الذي تقوم دول عربية بفرض حصار اقتصادي ودبلوماسي ضدها، لتؤكد قطر بذلك على تمسكها بالمبادئ الأساسية التي تدعو إليها سياساتها الخارجية، والتي شكلت سبب العداء الرئيسي بين دول الحصار وبينها، حيث تعزز السياسات الخارجية لقطر الانفتاح والتعددية والشمولية في المنطقة.

وهكذا، فإن انسحابها من هذه الرسالة الداعمة لسجل الحكومة الصينية في مجال حقوق الإنسان، كانت قطر ترسل رسالة مفادها أنها متمسكة بالسير في طريقها فيما يتعلق بمثل هذه القضايا.

السؤال الآن، إلى أي مدى ستستمر قطر في تحديها للصين فيما يتعلق بمحنة مسلمي الأويغور؟

حتى الآن لم تتضح الصورة بصورة نهائية، فمما لا شك فيه هناك توازناً يتعين على قطر أن تحققه بين تقديم الخدمات للحكومات الغربية التي وجدت الرسالة الموقعة في 12 يوليو/تموز علامة مزعجة للأنظمة الاستبدادية، وبين مصالح الدوحة في تعزيز الشراكات مع الحكومات غير الغربية في بلدان مثل الصين وروسيا والهند وغيرها.

ومع ذلك، وعلى الرغم من العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين قطر والصين، حيث أصبحت الصين ثالث أكبر شريك تجاري لقطر العام الماضي، لم تتوانى قطر عن الانسحاب من التوقيع على الخطاب الداعم لسياسات الصين في شينجيانغ.

أخيراً، هناك العديد من الأسئلة المفتوحة حول الدوافع الحقيقية لدولة قطر لتبديل موقفها من انتهاكات الحكومة الصينية لحقوق الإنسان في إقليم شينجيانغ.

يشك بعض المحللون أن الغرض من ذلك هو تعزيز علاقاتها مع الحركات الإسلامية العالمية، ومع ذلك، فإن قطر بقرارها قد عززت من مكانتها لدى بعض الحكومات الغربية التي رفضت سياسات الصين في إقليم شينجيانغ، وهو ما قد يؤدي في النهاية إلى الضغط على بكين لإعادة النظر في سياساتها، خاصة إذا اعتقدت حكومات أخرى في العالم الإسلامي (لأي سبب) أن الوقت قد حان للتراجع عن دعم الصين فيما يتعلق بسياساتها وجهودها التي تبذلها “للتحريض ضد الإسلام”.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا