أعرب الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” مؤخراً عن قلقه بشأن النزاع الدائر في ليبيا بين حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة والجيش الوطني الليبي بقيادة أمير الحرب المتمرد والجنرال العسكري السابق خليفة حفتر، مؤكداً أن الحد الذي وصل إليه تدخل القوى الخارجية في الصراع أصبح “غير مسبوق”.
دخلت ليبيا في صراع كبير بعد الإطاحة بالقذافي في 2011، حيث تنافست القبائل والميليشيات المختلفة لملء الفراغ في السلطة، وقد أتاح هذا الصراع الفرصة لخليفة حفتر -الذي كان منفياً في الولايات المتحدة لمدة 20 عاماً- للعودة مرة أخرى إلى ليبيا وحشد الميليشيات في شرق البلاد لدعمه في سعيه لأن يصبح في ليبيا كما أصبح السيسي لمصر، معلناً نفسه قائداً للجيش الوطني الليبي عام 2014.
كلا الطرفين المتحاربين تدعمهما دول خارجية، حيث تقف الأمم المتحدة وإيطاليا وقطر وتركيا إلى جانب حكومة الوفاق الوطني، في حين يساند حفتر الإمارات والسعودية ومصر وفرنسا وروسيا، الذين دعموه بشدة في هجومه الكبير على العاصمة الليبية طرابلس في 4 أبريل/نيسان 2019، قبل أيام فقط من الموعد المقرر لمؤتمر سلام بوساطة الأمم المتحدة.
خلال هذا الهجوم الذي تم في أبريل/نيسان 2019، وبدعم من وحدات الجيش الوطني الليبي، والجماعات المسلحة من داخل ليبيا، وآلاف المرتزقة من سوريا ودول أفريقية أخرى، والإمارات العربية المتحدة، وروسيا، استولى حفتر على المناطق التي تسيطر عليها حكومة الوفاق الوطني والجماعات المسلحة التابعة لها من غرب ليبيا.
في تقريرها العالمي لعام 2020 عن ليبيا، قالت هيومن رايتس ووتش أن هجوم حفتر والقوات الموالية له على طرابلس شهد سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب، بالإضافة إلى تدمير معالم المدينة، حيث تحملت منازل المدنيين والبنية التحتية العبء الأكبر من هجمات حفتر، أسفرت منذ بدايتها وحتى نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام عن مقتل أكثر من 200 مدني، وأصابت أكثر من 300، كما شردت أكثر من 300 ألف شخص اضطروا للفرار من منازلهم بسبب العنف.
أعنف تلك الهجمات كان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث شنت قوات حفتر غارات جوية على مركز احتجاز المهاجرين و21 منشأة صحية على الأقل، وفي 6 أكتوبر/تشرين الأول ضرب الجيش الوطني الليبي نادي ركوب الخيل في طرابلس، مما أدى إلى إصابة ستة أطفال وقتل عدة خيول.
بدورها حققت الأمم المتحدة في الواقعة، وخلصت إلى الأماكن التي استهدفها الهجوم لم تكن هدفاً مشروعاً لأنه لم تكن هناك مناطق أو مجمعات عسكرية، وفي 14 أكتوبر 2019، استهدفت قوات حفتر أحد المنازل في منطقة سكنية ما أدى إلى مقتل ثلاث فتيات صغيرات في منزلهن، بالإضافة إلى إصابة أمهن وأختهن.
وأضافت هيومن رايتس ووتش أن الجماعات المسلحة، التي ينتمي بعضها إلى الجيش الوطني الليبي، نفذت عمليات إعدام خارج نطاق القضاء وقامت باختطاف وتعذيب مدنيين، كما دعت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى إنشاء لجنة لتقصي الحقائق خلال جلسته في يونيو/حزيران للتحقيق في هذه الفظائع وغيرها.
كما أفادت منظمة الصحة العالمية أن هجمات حفتر لاحتلال طرابلس شملت 37 هجوما على مرافق طبية مما أسفر عن مقتل 11 عاملا صحيا وإصابة 33 من العاملين الصحيين والمرضى.
يُذكر أنه بالرغم من الحظر الذي فرضه مجلس الأمن الدولي عام 2011 على بيع الأسلحة للقوات الليبية والذي تم تجديده لاحقًا في يونيو 2019، ورد أن مصر زودت الجيش الوطني الليبي بمعدات عسكرية، كما زُعم أن الإمارات قامت بتزويده بطائرات بدون طيار مسلحة.
في سياق متصل، أفادت تقارير إخبارية أن فرنسا قدمت دعماً سياسياً لحفتر، بينما قدمت روسيا مئات المرتزقة للقتال في صفوف حفتر، بينهم قناصين، تابعين لجماعة مسلحة على صلة بالكرملين.
بعد أكثر من عام على هجوم طرابلس، نجحت قوات حكومة الوفاق الوطني في صد حفتر والجيش الوطني الليبي، ودفعه إلى التراجع بعد إلحاق عدد من الهزائم به، وعلى الرغم من ذلك، لم تتوقف انتهاكات الجيش الوطني الليبي، حيث ظهرت مقاطع في فيديو في مايو/أيار تُظهر مقاتلين متحالفين مع الجيش الوطني الليبي وهم يرتكبون انتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان.
وجاء في تلك المقاطع التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي أن مقاتلي الجيش الوطني الليبي يعذبون السجناء ويقومون بالتمثيل بالجثث، بالإضافة إلى التنكيل بالمدنيين، مع تهديدات واضحة بارتكاب ذات الانتهاكات ضد أي شخص يقوم بالتعرض للجيش الوطني بقيادة حفتر.
بالإضافة إلى ذلك، قام الجيش الوطني الليبي بوضع ألغام أرضية بشكل عشوائي في الأحياء السكنية أثناء انسحابه من العاصمة طرابلس، مما أدى إلى مقتل العشرات من المدنيين العائدين إلى منازلهم.
كما أعلنت قوات حكومة الوفاق بعد استعادتها السيطرة على ترهونة عن الكشف عن ثمانية من المقابر الجماعية أنشأتها قوات حفتر أثناء سيطرتهم على المدينة الواقعة غرب البلاد.
الانتهاكات التي تمت في ليبيا -على الرغم من فظاعتها- لم تلق اهتماماَ واسعاً من قبل الأمم المتحدة أو قادة العالم الذين التزموا الصمت حتى وقت قريب، قبل أن يحذر الأمين العام للأمم المتحدة أن النزاع سيدخل مرحلة جديدة، تشمل “تزويد أطراف النزاع بمعدات متطورة وعدد [متزايد] من المرتزقة المشاركين في القتال”، خاصة بعد تصريح وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، بأن هناك “حوالي 10000 مرتزقة سوريين يعملون في ليبيا، أي ضعف العدد الذي كان عليه قبل ستة أشهر”.
وكذلك تحذير مصر بأنها قد ترسل جيشها في حالة محاولة مدعومة من تركيا للسيطرة على سرت، وهي مدينة في منتصف الطريق بين طرابلس في الغرب وبنغازي في الشرق، وتقع على بعد 600 ميل من الحدود المصرية.
من جانبه عبر “غوتيريش” عن قلقه بشأن “الحشد العسكري المثير للقلق حول المدينة، ومن المستوى العالي من التدخل الأجنبي المباشر في النزاع في انتهاك لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن، والالتزامات التي تعهدت بها الدول الأعضاء في قمة برلين”، كما ناشد كل من رئيس الوزراء فايز مصطفى سراج وحفتر للموافقة على وقف إطلاق النار وبدء محادثات السلام.
وثقت الأمم المتحدة ما لا يقل عن 102 حالة وفاة في صفوف المدنيين و254 إصابة في الفترة من أبريل/نيسان إلى يونيو/حزيران 2020 – بزيادة 172 في المائة مقارنة بالربع الأول فقط من هذا العام، كما نزح أكثر من 400.000 شخص في ذات الفترة.
ومع تزايد التدخل الأجنبي وارتفاع عدد الضحايا المدنيين، يتساءل الكثيرون عما إذا كانت ليبيا ستصبح سوريا جديدة؟!
خلاصة القول، الفرق بين الجانبين هو أن حكومة الوفاق الوطني هي الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة ومعظم، إن لم يكن كل، قواتها من الليبيين الذين يسعون من أجل التحرر والديمقراطية لوطنهم، على الجانب الآخر، فإن مقاتلي الجيش الوطني الليبي يتكونون في الغالب من ميليشيات ومرتزقة أجانب تستوردهم قوى أجنبية ويدفعون المال مقابل خدماتهم، بالإضافة إلى أن خليفة حفتر هو جنرال مستبد تموله دول تخشى الحكم الديمقراطي على عتبة بابها.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا