على مدار العشر سنوات الماضية شهدت العلاقات السعودية الإسرائيلية تطورًا ملحوظًا، بدء بشكل سري ليقارب الآن من إعلان رسمي عن تطبيع كامل للعلاقات بين البلدين تحت رعاية من الرئيس الأمريكي جو بايدن.

المحللون أكدوا أن الوقت ليس مناسبًا بعد بالنسبة للسعوديين لاتخاذ هذه الخطوة، خاصة في ظل وجود حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة تواجه اتهامات من جامعة الدول العربية بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين.

ومع ذلك، تريد إدارة بايدن التوسط لإتمام صفقة تطبيع بين البلدين بحلول نهاية العام، وعلى مدار الأسابيع الأخيرة سافر مساعدو بايدن إلى المملكة ليسألوا محمد بن سلمان عن طلباته مقابل إتمام هذه الصفقة.

كان لدى الأمير إجابة جاهزة، يريد مهرًا كبيرًا من الأمريكيين: أسلحة، اتفاق أمني، ومساعدة في برنامج المملكة النووي الوليد (اليورانيوم)… بعبارة أخرى: الصفقة لن تكون بين السعودية وإسرائيل، بل بين السعودية وأمريكا.

لمدة أكثر من 72 عامًا، أقامت إسرائيل علاقات رسمية مع دولتين عربيتين فقط: مصر والأردن، لكن قبل نهاية عام 2020 تمكنت من تطبيع العلاقات مع أربعة دول أخرى – البحرين والمغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة – عبر اتفاقيات إبراهيم التي تمت برعاية دونالد ترامب الذي جعل توسيع علاقات إسرائيل في المنطقة أولوية له، وهو النهج الذي يتبناه جو بايدن حاليًا.

السعودية دائما بدت وكأنها الجائزة الكبرى لتتويج جهود التطبيع مع إسرائيل، إنها أكبر قوة اقتصادية في المنطقة، وذات ثقل دبلوماسي واستراتيجي لا يستهان بهم.

الآمال حول تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل عادت إلى التلاشي مرة أخرى منذ ديسمبر/كانون الأول المنصرم عندما عاد بنيامين نتنياهو إلى السلطة في إسرائيل. على الرغم من أن الاتفاقات لا تزال على حالها، إلا أن الحماسة العامة لأصدقاء إسرائيل العرب الجدد خفت حدتها. في العلن، لا يزال المسؤولون السعوديون خجولين بشأن التطبيع، لكن في الأشهر الأخيرة، أصبح العديد من الخبراء مقتنعين بأن هناك فرصة حقيقية للتوصل إلى صفقة.

هناك تلميحات أخرى خفية، ولطالما أصرت المملكة على أنه لا يمكنها الاعتراف بإسرائيل إلا إذا قبلت إسرائيل مبادرة السلام العربية، وهي خطة أقرتها جامعة الدول العربية في عام 2002 والتي تشدد على ضرورة إقامة دولة فلسطينية.

لكن فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، لم يشر إلى هذه الخطة الشهر الماضي في مؤتمر صحفي في الرياض إلى جانب نظيره الأمريكي، بل تحدث على ضرورة وجود “طريق إلى السلام للفلسطينيين”، مضيفًا أنه “بدونه أي تطبيع ستكون له فوائد محدودة”، هذه النبرة الجديدة فهم منها الأمريكيون ترحيب السعودية بالتطبيع بشكل مبدأي.

مطالب السعودية من أجل تطبيع العلاقات لا تشمل فلسطين، بل ليست موجهة إلى إسرائيل بالمرة، إنها موجهة للولايات المتحدة: يريدون اتفاقية دفاع أقوى، وهو أمر من شأنه أن يلزم أمريكا بحماية المملكة، كما يريدون وصولاً أسهل إلى الأسلحة الأمريكية، ويريدون مساعدة امريكية لإقامة برنامج نووي مدني يتضمن منشآت لتخصيب اليورانيوم داخل المملكة.

على مدار العقود الماضية، ساهمت الولايات المتحدة في تقديم الدعم لحلفائها بالمال والسلاح، لكن المطالب السعودية تتجاوز الأموال أو الأسلحة – ومن غير المرجح أن يتم تلبيتها، إذ يجب أن يتم التصديق على معاهدة دفاع رسمية من قبل مجلس الشيوخ الذي نادرًا ما يصادق على أي شيء هذه الأيام.

وغالبًا ما تتطلب صفقات الأسلحة موافقة الكونجرس ويخشى المشرعون من كلا الحزبين إرسال أسلحة إلى المملكة العربية السعودية بسبب استخدامها في انتهاك حقوق الإنسان.

البرنامج النووي هو أكبر العقبات: يمكن للسعوديين أن يتبعوا مسار الإمارات العربية المتحدة، التي أقسمت على تخصيب اليورانيوم الخاص بها لتأمين الوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية، لكن الإصرار على قدرتها على التخصيب – في وقت قامت فيه إيران بتخصيب اليورانيوم إلى درجة تكاد تصل إلى مستوى صنع الأسلحة – من شأنه أن يثير مخاوف من حدوث سباق تسلح إقليمي. حتى في واشنطن المنقسمة بشدة، ربما يتفق كل من الديمقراطيين والجمهوريين على أن الانتشار النووي أمر سيء.

يشير هذا إلى مشكلة أكبر تتعلق بالدفع المتسارع للتوصل إلى صفقة، يقدم المؤيدون الأمريكيون للاتفاقية عدة حجج من أجل الحصول على الموافقات اللازمة لتنفيذ الاتفاقية.

بالنسبة لمؤيدي الصفقة، فإنها يمكن أن يعزز تحالفًا ضد إيران، عدو إسرائيل والمملكة العربية السعودية، لكن الجيش السعودي غير معروف ببراعته، لذلك لن ترغب إسرائيل في الاعتماد عليها في أي نزاع، والسعوديون، الذين وقعوا اتفاق مصالحة مع إيران في مارس/آذار الماضي، يفضلون على الأرجح عدم التنازل عنها بأي حال.

ومن غير الواقعي أيضًا الفكرة القائلة إن ذلك سيجبر السعوديين على إبعاد أنفسهم عن الصين وروسيا، تريد المملكة، مثل دول الخليج الأخرى، تجنب الانحياز لأحد الأطراف في منافسة القوى العظمى، لن تتخلى السعودية عن أمريكا، لكنها لن تقطع العلاقات المربحة مع الصين، أو شراكتها النفطية مع روسيا.

الحجة الأكثر منطقية، في ظاهر الأمر، هي أن اعتراف السعودية بإسرائيل يمكن أن يقنع الدول العربية الأخرى بالقيام بذلك، لكن الرأي العام ربما يستبعد ذلك في دول مثل الجزائر ولبنان، وتونس، وقطر، والكويت.

على مدى عقود، رأى العديد من الدبلوماسيين الغربيين أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو المشكلة الرئيسية في المنطقة، وهو ما أثبته الربيع العربي، إذ أغرقت عقود من الحكم الاستبدادي الفظيع الشرق الأوسط في اضطرابات عنيفة، لكن تظل القضية الفلسطينية هي الأهم بالنسبة للشعوب

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا