العدسة – معتز أشرف

دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تغريدة على تويتر، إلى وقف ما وصفه بـ”سباق التسلح” وعرض تقديم مساعدة لتعزيز الاقتصاد الروسي، وكتب: “علاقتنا الآن مع روسيا أسوأ من أي وقت مضى، وذلك يشمل الحرب الباردة، لا يوجد مبرر لذلك، روسيا تحتاج مساعدتنا لتعزيز اقتصادها، وهو أمر يمكننا القيام به بسهولة، ونريد أن تعمل كل الدول معًا، أوقفوا سباق التسلح”، وهو ما يفتح أبعاد الوضع الاقتصادي في روسيا، وهل تكون فعلا ورقة ضغط في يد “ترامب” لابتزاز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أما لا؟.

ضغوط اقتصادية!

الوضع الاقتصادي في روسيا عامل مهم في إدارة ملف الداخل والخارج لقصر الكرملين، وفي عام 2016 كانت ضربة قوية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وفق مراقبين، حيث انعكست آثار الأزمة الاقتصادية على العديد من المجالات في روسيا التي انكمش اقتصادها في هذا الوقت بنسبة 3.7% بسبب انخفاض أسعار النفط، والعقوبات الغربية عليها جراء أنشطتها في أوكرانيا، والعقوبات التي فرضتها موسكو كرد على ذلك، وانكمش الاقتصاد الروسي في الفترة بين يناير إلى أبريل2016، بنسبة 1.1% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، فضلاً عن انخفاض مستوى الفائض التجاري في الأشهر نفسها بنسبة 47.7%، أي ما يعادل 31.4 مليار دولار أمريكي، واعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمة له سابقًا، من أن النمو الاقتصادي سيبقى على مستوى 0% في حال عدم العثور على مصادر جديدة، في وقت أكد فيه تقرير عرضته وزارة الاقتصاد والتنمية على بوتين، أنه من المستحيل عمليًّا وصول أرقام نمو الاقتصاد إلى ما نبسته 5% – 7% سنويًّا حتى وإن صعد سعر برميل النفط فوق 50 دولار، كما يعد الدخل القليل وما يرافقه من مستويات معيشة منخفضة للشعب الروسي، جزءًا من الأمور التي تشعر الروس بالقلق إضافة إلى التضخم، وأظهر تقرير نشره المعهد العالي للاقتصاد في موسكو، تحت عنوان “وضع الشعب الاجتماعي- الاقتصادي”، انخفاضًا بنسبة 34% في متوسط مستوى الرواتب، كما أوضحت بيانات هيئة الإحصاء الفيدرالية الروسية، أن الدخل الحقيقي في روسيا لشهر أبريل 2016 تراجع بنسبة 7.1% مقارنة بنفس الفترة من السنة الفائتة، ووفقًا لتقرير نشرته شركة استطلاعات الرأي “VTsIOM” الروسية، فإن 72% من المواطنين الروس يعتقدون بضرورة التخلي عن الإنفاق الكبير، وأن 87% منهم خائفون من أن يصبحوا مدانين للمصارف.
وفي هذا سياق آخر، قرّرت الحكومة الروسية خفض الإنفاق على نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2018 بنحو 30 بليون روبل (560 مليون دولار)، وبحسب البيانات التي نشرتها وزارة المالية الروسية في عام 2015، تم إنفاق 390 مليار روبل ( قرابة 6 مليارات دولار) من الصندوق الاحتياطي للبلاد من أجل سد العجز في الميزانية، أما العملة الروسية الروبل فهوت بحوالي 50% مقابل الدولار منذ أغسطس 2014، وهو ما خلق ضغوطًا غيرت من معايير مستوى المعيشة في سائر روسيا، فالروبل الضعيف يعني تكلفة أعلى للواردات، وكل ما استطاعت موسكو فعله بالمقابل هو فرض حظر على تصدير بعض المنتجات الغذائية، ما أدى إلى نقص في المعروض العالمي، وبالتالي؛ ارتفاع في الأسعار، كما هوى الاحتياطي الروسي، الذي يفترض به أن يحصن البلاد في زمن الأزمات بـ 45% منذ سبتمبر 2014، نتيجة العجز المتواصل الذي تسجله الحكومة، وشهد القطاع المصرفي الروسي، في عام 2017 مجموعة من الهزات تمثلت في تعثّر مصارف كبرى مثل “يوجرا” و”تات فوند بنك” (جمهورية تتارستان)، وتدخلات البنك المركزي لإنقاذ أكبر المصارف الخاصة (“أوتكريتيه” و”بين بنك” و”بروم سفياز بنك”) من خلال ضخ أموال في رءوس أموالها.

العبء السوري

كما شكلت كلفة التدخل العسكري في سوريا، عبئًا آخر، بحسب مراقبين، فموسكو صرفت 482 مليون دولار حتى العام 2016 لدعم نظام الأسد عسكريًّا بحسب “نيويورك تايمز”، ما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الإعلان في وقت سابق عن انسحاب جزئي لقواته من سوريا وتقليص الحضور العسكري الروسي هناك.
وبحسب تقرير للمعهد البريطاني للدفاع “أي.إتش.إس جينز”، أصدره في 26 أكتوبر 2015، ونشرته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، أي بعد أقل من شهر على بدء الطلعات الجوية الروسية في سماء بلاد الياسمين، فإن موسكو أنفقت ما بين 2.3 مليون دولار و4 ملايين دولار يوميًّا على عملياتها العسكرية في سوريا، وفي تقدير آخر لتكلفة الحملة العسكرية الروسية، قالت صحيفة “جازيتا” الروسية، في 9 يناير 2016، إن موسكو أنفقت 4 ملايين دولار يوميًّا منذ 30 سبتمبر 2015، وحتى منتصف نوفمبر من نفس العام، كما أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 17 مارس 2016، أن تكلفة عمليات بلاده في سوريا بلغت 478 مليون دولار، وانطلاقًا من هذا الرقم فإن التكلفة اليومية للعملية العسكرية بعد 167 يومًا من انطلاقها، بلغت قرابة 2.87 مليون دولار، وفي أحدث التقديرات، كشف حزب “يابلوكو” الروسي المعارض، في ديسمبر 2014، أن تكاليف الحملة العسكرية الروسية في سوريا، بلغت خلال عامين نحو 2.4 مليار دولار، أي ما يعادل قرابة 3.4 ملايين دولار يوميًّا، وبحسب أحدث إحصائية، فإن روسيا أنفقت على عملياتها العسكرية في سوريا، خلال 30 شهرًا (من 30 سبتمبر 2015 حتى 28 فبراير 2018) نحو 3.06 مليارات دولار، أي ما يعادل 0.2 % من حجم الناتج المحلي الروسي.
وصادق مجلس الدوما الروسي مؤخرًا على توسيع القواعد الروسية بسورية وبقائها لـ49 سنة قابلة للتمديد، وبالتالي، يتوقع أن تزيد فاتورة الحرب الروسية على الثورة السورية، وكشفت إحصائيات روسية عن قيام موسكو بنحو 30 ألف طلعة جوية وخسارتها خمس طائرات حربية وثلاث مروحيات، فضلًا عن الخسائر البشرية، خلال نحو عامين من الحرب.

أزمة مستمرة!

ولم يتغير الوضع كثيرًا هذا العام حيث حققت مؤشرات بورصة موسكو تراجعات وصلت إلى مستويات عقب فرض واشنطن الأسبوع الماضي عقوبات ضد موسكو شملت شخصيات ورجال أعمال، حيث هبطت، الاثنين 9 أبريل الجاري، إلى أدنى مستوياتها في نحو أربع سنوات، حيث أغلق المؤشر “MICEX”الجلسة على انخفاض نسبته 8.34%، في حين أنهى “RTS” التعاملات بتراجع نسبته 11.44% كما خسر رجال الأعمال الروس قرابة 15 مليار دولار في يوم واحد، بعد فرض العقوبات وفقًا لتقديرات وكالة “بلومبرج” الاقتصادية، وهو الأمر الذي يشكل عبئا جديدًا علي حكومة بوتين.
إن “الركود الاقتصادي جاء ليبقى في روسيا”، هكذا قال “جوزيف ناي” مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق ورئيس مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي، والذي أضاف أنه في الأيام الأولى من العام 2018، يشهد الاقتصاد الروسي ركودًا واضحًا، وهذا ليس شذوذًا إحصائيًّا؛ فلم يتجاوز متوسط معدل النمو السنوي في روسيا 1.2 % في الفترة من 2008 إلى 2017، وفي العام الماضي، كان معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في روسيا 1.5 %، مقارنة بنحو 2.5 % في منطقة اليورو، و2.3 % في الولايات المتحدة وكما يدرك وزير الاقتصاد الروسي، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، فإن هذا الأداء الهزيل من المرجح أن يستمر.

إغراءات “ترامب”!

هكذا ومع الوضع الصعب للأزمة الاقتصادية الروسية يمكن تفهم إلقاء “ترامب” لورقة الاقتصاد في المشهد المعقد للضغط علي روسيا للبعد عن سوريا وبشار الأسد في ظل معاناة روسيا بالفعل من مشكلات اقتصادية، ولكن قد لا تحقق نتائج بحسب مراقبين إلا إذا طال أمد الصراع وخسرت روسيا مواقع النفط الموجودة تحت يد النظام، خاصة أن روسيا تمتلك اليوم أوراقًا كثيرة يمكن أن تلعب بها على طاولة العلاقات مع أمريكا؛ وهي ورقة العلاقات التجارية مع الصين، والورقة الكورية الشمالية، ومن ثم فإن موسكو باستطاعتها التهرب من العقوبات أو الإغراءات وإيجاد البديل، كما أن موسكو تنبهت مبكراً لاحتمال دخول العلاقة مع واشنطن في طريق صعب، فعمدت، إلى تفعيل مشروع السيل التركي في منطقة البحر الأسود، عبر شركة “غاز بروم” عملاق الغاز الروسي، كما يمكن أن تستفيد روسيا من التجربة الإيرانية الطويلة صاحبة أسلوب “النفط الرخيص”، في مواجهتها للعقوبات الاقتصادية التي فرضها الاتحاد الأوروبي وأمريكا، وقد يساعد روسيا على هذا الأمر عضويتها في مجموعة بريكس للاقتصادات الصاعدة، والتي تضم أيضًا البرازيل والهند والصين وجنوب إفريقيا، فسيكون من السهل على روسيا تسويق نفطها لديه في حالة عدم ممارسة أمريكا والاتحاد الأوروبي ضغوطًا على تلك الدول لتقليل استيرادها من النفط الروسي، لتكون ورقة الإغراء الأمريكية بلا بريق جاذب حتى تاريخه.