العدسة – منصور عطية
لم يكن يتوقع أحد أن لقاء على مأدبة غداء سوف يتحول في فترة وجيزة إلى علاقة وثيقة، وصلت ريبتها إلى حد تهديد صهر ومستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفقدان نفوذه المتصاعد في البيت الأبيض.
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عبر صراحة عن تلك العلاقة التي تربطه بـ”جاريد كوشنر” صهر ترامب، بقوله إن الرجل أصبح “في جيبه”، لكن هذا التعبير قض مضاجع مسؤولين كثر في الولايات المتحدة حذروا من خطورة ذلك على الأمن القومي الأمريكي.
البداية.. مأدبة غداء!
بالتزامن مع زيارة ابن سلمان للولايات المتحدة، ألقت صحيفة “واشنطن بوست” الضوء على العلاقة “شديدة الخصوصية” بين الأمير السعودي وكوشنر، مشيرة إلى أنها بدأت تتشكل على مأدبة غداء في البيت الأبيض، حيث كان ابن سلمان (ولي ولي العهد حينها) في زيارة لواشنطن قبل عام، عندما تأخر وصول ضيف آخر منتظر إلى واشنطن بسبب عاصفة ثلجية.
ونقلت عن مصادر قولها إن كوشنر وابن سلمان تحدثا مرارا في مكالمات هاتفية خاصة، وكانت تقارير صحفية غربية أخرى قد أوردت أيضا هذه المكالمات وقالت إن بعضها يتعلق بما تعرف بصفقة القرن وكذلك بالأزمة الخليجية.
وفضلا عن هذا الخط الهاتفي الساخن بين “الأميرين الشابين” كما وصفتهما الصحيفة فقد زار كوشنر الرياض مرتين منذ وصول ترامب للرئاسة، مرة بصفته مستشارا للرئيس، ومرة أخرى بصفته صديقا حميما لابن سلمان.
كانت الزيارة الأولى في مايو 2017 برفقة ترامب، حيث نجح كوشنر في إقناع ترامب بأن تكون السعودية هي زيارته الخارجية الأولى على الرغم من اعتراضات مسؤولين كبار بالإدارة الأمريكية، أبرزهما وزير الدفاع جيمس ماتيس ووزير الخارجية آنذاك ريكس تيلرسون.
تلك الزيارة أعقبها الأزمة الخليجية وقيادة السعودية لحصار قطر، أما الزيارة الثانية كانت في أواخر أكتوبر 2017، وعقد خلالها لقاءات خاصة مع ابن سلمان، مما أثار حفيظة مسؤولي المخابرات الأمريكية لأنهم لم يحصلوا على معلومات واضحة بشأن ما دار في تلك اللقاءات، بحسب الصحيفة، وكان لافتا أن تلك الزيارة أعقبها حملة ابن سلمان لمكافحة الفساد الشهيرة باعتقالات الريتز كارلتون.
ووفقا للصحيفة، فقد تجلى دور كوشنر قبل بضعة أسابيع خلال إيجاز مخابراتي في واشنطن، حيث طرح كبير موظفي البيت الأبيض “جون كيلي” سؤالا بشأن موضوع حساس يتعلق بالسعودية في إطار الاستعدادات لزيارة ابن سلمان، وردا على سؤاله قال مسؤولو المخابرات إن غالبية المحادثات الأمريكية السعودية في ذلك الموضوع دارت حصرا بين كوشنر وابن سلمان.
العلاقة بين زيارة كوشنر واعتقالات الريتز كشفها موقع “إنترسبت” الأمريكي، حيث نقل عن مسؤولين سابقين وحاليين تصريح “ابن سلمان” بأنه سيطر تماما على كوشنر، واستخدم عبارة “وضعته في جيبي”، وذلك بعد أن زوده بمعلومات أمريكية عالية السرية بطريقة غير مشروعة.
ويقول الموقع إن كوشنر كان، قبل تخفيض تصريحه الأمني، قارئا نهما للتقرير المخابراتي اليومي الوارد إلى ترامب، وربما قدم بعض المعلومات التي قرأها “هدية” لصديقه ابن سلمان، بعلم الرئيس أو دون علمه.
المصادر أكدت أن أحد التقارير المخابراتية اليومية تضمن أسماء عدد من الأمراء المعارضين لابن سلمان داخل الأسرة الحاكمة، وهي أسماء أتت لاحقا بين عشرات الأمراء الذين اعتقلوا في نوفمبر الماضي ضمن حملة مكافحة الفساد أو اعتقالات الريتز.
وفي إطار هذه العلاقة، تفاخر ابن سلمان في أحاديثه مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وآخرين بأنه تمكن من وضع كوشنر “في جيبه”.
وربما دفعت تلك العلاقة “روبرت مولر” المحقق الأمريكي الخاص في قضية التواطؤ المحتمل بين حملة ترامب الانتخابية وروسيا إلى التحقيق في علاقات كوشنر واتصالاته مع شخصيات أجنبية من دول عدة بينها السعودية والإمارات، وما إذا كانت أثرت في مسار السياسة الخارجية الأمريكية، كما تحوم الشبهات حول المصالح المالية المحتملة لكوشنر من هذه العلاقات من خلال مجموعة شركات عائلته.
ابن سلمان يطيح بكوشنر!
لم تكن علاقة ابن سلمان وكوشنر مثار جدل إعلامي فقط، بل وصلت إلى أروقة الإدارة الأمريكية ومؤسساتها الأمنية والسياسية، على نحو ربما بات يهدد وجود صهر ترامب في منصبه الحساس.
صحيفة “واشنطن بوست” أشارت في تقريرها السابق إلى أن أساليب كوشنر “غير التقليدية” التي تركن إلى العلاقات الشخصية بدلا من القنوات الدبلوماسية المتعارف عليها قد أغضبت مسؤولي الأمن القومي والمخابرات في الولايات المتحدة، وأن اتصالاته الخاصة مع شخصيات أجنبية كانت سببا في تعذر حصوله على إذن دائم للاطلاع على التقارير الأمنية السرية حتى الآن.
وأضافت أن عددا من المسؤولين في البيت الأبيض تخوفوا من احتمال تأثير المسؤولين الأجانب على كوشنر خلال لقائه بهم، وإمكان أن يسلمهم أسرار دولة بسبب عدم خبرته الدبلوماسية.
وكان كبير موظفي البيت الأبيض “جون كيلي” قد قرر مطلع مارس الجاري خفض الصلاحيات الأمنية لكوشنر داخل البيت الأبيض، مُنع بموجبها من الاطلاع على التقارير الأمنية عالية السرية، وكشف مستشار الأمن القومي الأمريكي “هربرت ماكماستر” في حينه أن السبب يعود إلى “اتصالات غير مبلغ عنها عقدها كوشنر مع مسؤولين أجانب دون تنسيق في إطار مجلس الأمن القومي”.
موقع “إنترسبت” علق بالقول إنه سواء كان ابن سلمان ناقش مع كوشنر حقا أسماء المعارضين أو كان يقول ذلك فقط للإيحاء بأنه مدعوم أمريكيا، فإن الأمر يجعل صهر ترامب مشتبها به في نظر الأجهزة الأمريكية، خاصة إذا تبين أنه استخدم المعلومات السرية الواردة في التقارير المرفوعة للرئسي دون إذن منه، ما يعد انتهاكا لقوانين فيدرالية.
وفي سياق ذي صلة، قال عضو مجلس الشيوخ الأمريكي “كريس مورفي” إنه إذا ثبت حرص الإدارة الأمريكية على حماية مصالح عائلة كوشنر المالية بالوقوف إلى جانب السعوديين والإماراتيين ضد قطر فإن ذلك “يستدعي تغييرات كبرى في البيت الأبيض”.
وأضاف: “إذا صحت هذه الأنباء فإنها تستدعي كل الإدانة، وتستدعي رحيل جاريد كوشنر من منصبه”، كما اعتبر الحاكم السابق لولاية نيوجيرسي “كريس كريستي” أن تمسك الرئيس الأمريكي بصهره مستشارا يضر به.
اضف تعليقا