تصاعدت وتيرة حلقات مسلسل التصعيد الجاري بين دول شرق البحر المتوسط، والتي تسعى كل منها للحصول على ما تعتبره حقها من الغاز الطبيعي تحت سطح البحر.

فجاء دور من مصر في هذا التصعيد، بعد أن نشر الجيش المصري في الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول الجاري، مقطع فيديو يظهر إطلاق قواته البحرية صاروخًا من طراز “هاربون” المضاد للسفن من على متن غواصة في البحر المتوسط.

الأمر الذي اعتبره كثيرون رسالة ظاهرة لاستعراض القوة، توجهها القاهرة إلى أنقرة، التي أبرمت مؤخرا مذكرات تفاهم وترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق في ليبيا، تسمح لتركيا بالمطالبة بحقوق في مناطق واسعة من شرق البحر المتوسط تطالب بها دول أخرى، خاصة اليونان.

وتشير التقديرات إلى أن منطقة شرق البحر المتوسط، تحتوي على ما يصل إلى 120 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، سواء تلك المكتشفة أو التي لم تكتشف بعد.

الأمر الذي جعل اليونان -التي أعلنت طرد السفير الليبي لديها- تنشر هي الأخرى “عن طريق الصحفي المتخصص في الشؤون العسكرية لوانيس نيكيتاس” قبل أيام -عبر حسابه على تويتر- تغريدة مرفقة بصورة التقطها من داخل مقاتلة يونانية من طراز “ميراج 2000” تظهر مؤشر الهدف وفي مركزه فرقاطة تركية في مياه بحر إيجة.

مصحوبة بتعليق الصحفي “نيكيتاس” على الصورة قائلا “الفرقاطة التركية في مرمى الميراج التابعة للقوات اليونانية خلال مهمة بحرية في بحر إيجة.. هذه هي اللغة التي يفهمها الأتراك، لا تراجع في ما يتعلق بالمصلحة الوطنية، لا انتقاص من السيادة الوطنية”.

جاء ذلك نتيجة بدأ تركيا التنقيب في المنطقة، حيث أرسلت تركيا سفينة لهذا الغرض ترافقها سفن حربية للحماية، وهو ما وصفته أطراف في المنطقة بغير القانوني، واعتبرته استفزازا تركيا غير مقبول، خاصة بعد إعلانها رفض اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل وقبرص عام 2010، وتلك الموقعة بين مصر وقبرص عام 2013،

أما إسرائيل التي دخلت مبكرًا على خط الصراع، فقد حذرت لبنان من التنقيب عن النفظ في “بلوك 9″، لكن لبنان أكد أن المنطقة المذكورة تقع في مياهه الإقليمية، وقال إن ترسيم الحدود الذي جرى بين قبرص وإسرائيل غير قانوني.

فما قصة صراع الغاز في شرق المتوسط؟ وما أسباب التحركات التركية؟ ولماذا تثير اتفاقية تركية مع ليبيا غضب مصر واليونان وقبرص؟ وما وضع إسرائيل في هذا الصراع؟

النقاط التالية تلخص خلفيات الأزمة وأبرز جوانبها

– عمليات التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط زادت حدة التوتر بين الدول في منطقة اكتشف فجأة أنها غنية بالغاز، لكنها مزدحمة بالأطماع الاقتصادية والمشاريع السياسية المتعارضة.

– أبرز الحقول المكتشفة في المنطقة حتى الآن هو حقل “ظهر” قبالة السواحل المصرية، ويقدر الاحتياطي فيه بنحو ثلاثين تريليون قدم مكعبة من الغاز، وحقل “لوثيان” الواقع قبالة حيفا، وتقدر احتياطياته بنحو 18 تريليون قدم مكعبة، وحقل “تامار” الذي يقع قبالة سواحل سوريا ولبنان وقبرص والأراضي الفلسطينية المحتلة، ويضم احتياطيا تقديريا من الغاز يصل إلى عشرة تريليونات قدم مكعبة، وحقل “أفروديت” الذي يقع في المياه الإقليمية القبرصية ويحوي احتياطيا من الغاز يبلغ ثمانية تريليونات قدم مكعبة.

– حسب بيانات هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية والشركات العاملة في التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، فإن المنطقة تعوم فوق بحيرة من الغاز يقدر مخزونها بنحو 122 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، و1.7 مليار برميل من احتياطيات النفط.

– تقدر حصة مصر من هذه الثروة بنحو 850 مليار متر مكعب، ولقبرص 140 مليار متر مكعب، أما إسرائيل فهي تستحوذ على 310 مليارات متر مكعب، وكانت أول من عثر على مخزون للغاز في أعماق البحر شرق المتوسط عام 2009.

– تدير عمليات التنقيب في المنطقة شركات نفط عالمية، أبرزها شركة إيني الإيطاليّة في مصر وقبرص، وتوتال الفرنسيّة في قبرص، ونوبل إينرجي الأميركية في الأراضي المحتلة، ونوفاتك الروسية في لبنان.

– أعلنت تركيا رفض اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين قبرص وإسرائيل عام 2010، وكذلك اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص عام 2013؛ بسبب ما اعتبرته مسا بالمصالح الاقتصادية التركية، لكن القاهرة أكدت أنها ستتخذ كل الوسائل للحفاظ على سيادتها.

– بدأت أنقرة التنقيب عن الغاز قبالة سواحل قبرص التركية بحثا عن ثروة ترى أنها من حق القبارصة الأتراك، فضلا عن الدفاع عن مصالح تركيا الخالصة، وهو التحرك الذي أثار زوبعة انتقادات من اليونان ومصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي.

– تقول تركيا إن تحركاتها في التنقيب والبحث عن النفط والغاز تتم ضمن القانون الدولي، وأن التنقيب يجري داخل “جرفها القاري”، وأدت التوترات المتزايدة إلى إحياء النقاش في تركيا حول إقامة قاعدة بحرية دائمة في الجزء التركي من قبرص.

– في بداية العام الجاري، أنشأت كل من مصر وإسرائيل واليونان وقبرص والأردن وإيطاليا وفلسطين منتدى أطلق عليه اسم “غاز شرق المتوسط” مستثنيا تركيا من حضوره، مما دفع أنقرة إلى اتخاذ إجراءات وتحركات كان آخرها توقيع مذكرات لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا الشهر الماضي، مما أثار ردود فعل مصرية ويونانية وقبرصية غاضبة.

– يهدف المنتدى إلى إقامة سوق إقليمية للغاز، وخفض تكاليف البنية الأساسية، وتقديم أسعار تنافسية في نطاق جهود لتحويل المنطقة إلى مركز كبير للطاقة.

– الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد عزم بلاده على المضي في تطبيق الاتفاقيات بجميع بنودها، وقال إن أعمال التنقيب التي تقوم بها بلاده سينبثق عنها السلام والازدهار وليس الصراع والدماء، مؤكدا أن تركيا لن تسحب سفنها من هناك.

– التحركات التركية في المنطقة وردود الفعل المعلنة من مصر واليونان وقبرص باتت تهدد بنشوب صراع على ثروة الغاز الطبيعي في منطقة تعج أصلا بالصراعات والتوترات.