توصل الفرقاء المتحاربون في جنوب اليمن لاتفاق رعته السعودية بعد أسابيع من المفاوضات والمشاورات التي لم تكن الإمارات، الشريك الأول للسعودية في قيادة التحالف العربي، بعيدة عنها.

في أغسطس/آب الماضي، سيطر المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، على كامل مدينة عدن على الساحل الجنوبي والمرافق الاقتصادية والحكومية فيها، تاركة هامشا صغيرا من السلطة والنفوذ في المدينة للحكومة الشرعية التي يقودها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لإبعاد توصيف الإمارات كقوة احتلال أو توصيف المجلس الانتقالي الجنوبي كقوة انفصالية متمردة.

الصراعات المسلحة في الجبهة المناهضة لجماعة الحوثي بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية يُنظر إليها على أنها انقسام “حقيقي” بين الشريكين الأساسيين في قيادة التحالف العربي لدعم الشرعية: السعودية التي تقود التحالف والتي تتبنى رعاية ودعم الحكومة الشرعية، ودولة الإمارات التي تدعم القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي الموصوف بأنه قوة متمردة على الحكومة الشرعية تسعى لتقسيم اليمن وانفصال جنوبه عن شماله.

“اتفاق الرياض” الأخير الذي ينتظر التوقيع عليه بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، الخميس، سيفضي إلى اقتسام المناصب الحكومية، الوزارات والهيئات المستقلة، “مناصفة” بين شمال اليمن وجنوبه على أساس الانتماء المناطقي.

وينص الاتفاق على تشكيل حكومة مؤلفة من 24 وزيراً، في “حكومة مناصفة ما بين المحافظات الجنوبية والشمالية في اليمن”، وتشكيل “لجنة مشتركة” يشرف عليها التحالف العربي لتنفيذ الاتفاق.

ومع ذلك، فإن اتفاق تقاسم السلطة في حقيقته، اعتراف ضمني بنوع من “الشرعية” للمجلس الانتقالي الذي لا تزال الأمم المتحدة المشرفة على عملية السلام بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي ترفض مشاركة ممثليه في جميع الاتفاقيات بين الطرفين.

ومع أن المجلس الانتقالي الجنوبي تصدر واجهة مشهد المفاوضات مع الحكومة الشرعية بصفته السياسية لا المناطقية، فإنه ليس الطرف الوحيد من القوى الجنوبية ضمن اتفاق الرياض التي في “معظمها” على خلاف مع المجلس، ومنها الحراك الجنوبي السلمي، ومؤتمر حضرموت الجامع، والائتلاف الوطني الجنوبي وقوى أخرى لها ثقل في المجتمع اليمني المحكوم بالتركيبة القبلية.

لكن الأهم في اتفاق الرياض، هو تأجيل أية تحركات للمجلس الانتقالي “راهنة” تهدف لفرض الأمر الواقع باستخدام القوة لانفصال الجنوب على الأقل، إلى ما بعد الانتهاء من الحرب على جماعة الحوثي، وهو الهدف الأول من تدخل السعودية التي ترى في الجماعة تهديدا لأمنها واستقرارها، والبنية التحتية للاقتصاد السعودي المهدد من جماعة الحوثي من خلال سلسلة من الهجمات التي استهدفت قطاع الطاقة.

أضعف الصراع بين الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية الموقف السعودي في مواجهة جماعة الحوثي التي نجحت في تعزيز قدراتها وترسيخ سلطاتها في مناطق سيطرتها بشكل أكبر بعد قرار الإمارات سحب جزء من قواتها وإعادة انتشار ما تبقى منها تاركة السعودية “بمفردها” في مواجهة تهديدات جماعة الحوثي مكتفية بدعم القوات الحليفة لها في تشكيلات المجلس الانتقالي الجنوبي.

اقتسام السلطة بين طرفي المواجهة في الجبهة المناهضة لجماعة الحوثي يعكس إلى حد ما “عجز” السعودية عن الحفاظ على وحدة التحالف وتسخير إمكانياته في مواجهة جماعة الحوثي والقضاء على تهديداتها.

يمكن أن يؤدي اقتسام السلطة وفق “اتفاق الرياض” إلى تعزيز قدرات المجلس الانتقالي الجنوبي من خلال الصلاحيات الإضافية داخل الحكومة والتي “قد” تفضي إلى منح المجلس سلطة “حكم ذاتي” في جنوب اليمن يمكن له على المدى البعيد أن يؤدي مستقبلا إلى إقامة دولة مستقلة عن الجنوب، وهو الهدف الذي يسعى إليه المجلس الانتقالي وتدعمه الإمارات بشكل ما.

بموجب الاتفاق، فإن قوات الحزام الأمني وقوات أخرى مرتبطة بالمجلس الانتقالي ستكون جزءا من القوات الحكومية اليمنية، ما يعزز شرعية المجلس والقوات المرتبطة به والتي كان يُنظر إليها على أنها قوات انفصالية متمردة على الشرعية.

يمكن أن يكون لنشر قوات سعودية في عدن بدلا من القوات الإماراتية المنسحبة، أو التي تشير بعض التقارير إلى أنها ستنسحب مستقبلا، أن تضع حدا لموجات جديدة من الاقتتال بين القوات الحكومية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، لكن ذلك سوف لن يحد من قدرات قوات المجلس في إمكانية فرض الأمر الواقع باستخدام القوة في مراحل لاحقة تعتمد على استمرار قدرة السعودية على ديمومة التوافق السياسي بين الطرفين، المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية.

ومنذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول، عززت السعودية وجودها العسكري في جنوب اليمن بقوات إضافية ودبابات وعربات مدرعة ومعدات قتالية أخرى.

قد يكون “التنازل” الوحيد الذي قدمه المجلس الانتقالي الجنوبي، هو القبول بتضمين اتفاق الرياض التأكيد على “وحدة” الأراضي اليمنية في دولة واحدة، لكن يمكن أن يكون هذا الموقف مجرد “سياسة مرحلية” لا تتعارض مع الهدف الرئيسي للمجلس في إقامة دولة في الجنوب “مستقلة” عن الشمال.

وسيكون على حكومة عبد ربه منصور هادي إعادة جميع المؤسسات التشريعية والتنفيذية إلى العاصمة المؤقتة “عدن” ودمج جميع التشكيلات العسكرية، بما فيها القوات المرتبطة بالمجلس الانتقالي، في وزارتي الداخلية والدفاع.

ونقلت وسائل إعلام يمنية عن مسؤولين قولهم أن السعودية تعهدت “بتقديم وديعة نقدية جديدة لليمن بقيمة ملياري دولار، توضع لدى البنك المركزي اليمني، لضمان استمرار تمويل الواردات من السلع الأساسية، وللحفاظ على استقرار العملة المحلية.”

وفي الوقت الذي رحبت فيه الرئاسة اليمنية بالاتفاق المنتظر توقيعه مع المجلس الانتقالي، برزت تصريحات لوزراء في الحكومة انتقدوا فيها الاتفاق مطالبين الرئيس هادي بعدم “مكافأة الانقلابيين” في إشارة إلى المجلس الانتقالي على اعتبار أن “أي اتفاق يتضمن شراكة مع الانتقالي يعني فشل التحالف ومهمته في اليمن”.

وعلى ما يبدو فإن اتفاق الرياض سيعطي للدور السعودي في اليمن شكلا من أشكال التحكم بالقرار الحكومي باعتبارها الدولة التي هندست الاتفاق في حالة شبيهة من النفوذ السعودي الفاعل في لبنان في الفترة بين توقيع “اتفاق الطائف” لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1989 واغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في عام 2005.

وسيكون لإعادة انتشار القوات السعودية في العاصمة المؤقتة بدلا من القوات الإماراتية تعزيزا للنفوذ السعودي في اليمن ودورها في رسم مستقبل البلاد وشكل الحكومة الجديدة والحكومات التي تعقبها.