العدسة – معتز أشرف

لا يزال صدى “جبنا جون” التي أطلقها الرئيس المصري المنتهية ولايته عبدالفتاح السيسي يدور في مصر يبحث في أسبابها في غياب مصداقيتها ومناهضتها للحقائق، خاصة أن “الجون” مع الديكتاتور المصري دائما بحسب مراقبين ومعارضين يأتي بالعكس، وبالتحديد في مرمى مصر، حيث تعود السيسي على تسديد كل الأهداف في مرمى مصر، وبدا كالدابة التي تقتل صاحبها في كل المستويات حتى خسرت مصر كل المباريات في عهده، بحسب المراقبين، والتي نرصد بعضها ثم نقف على دلالاتها.

فضيحة الغاز

وجاء احتفاء السيسي بتصدير دولة الاحتلال الصهيوني للغاز الطبيعي إلى مصر ، ليضرب مصداقيته ثلاث مرات، ويجعلالجونفي مرمى مصر، بحسب مراقبين، والذين أكدوا أن هذا الاتفاق بدا متناقضا مع وعد السيسي مؤخرا بأن بلاده ستكتفي ذاتيا من إنتاج الغاز الطبيعي قريبا، خلال افتتاحه، في مطلع فبراير الجاري، حقل “ظهر” للغاز الطبيعي، فضلا عن أن أنه لم يكن للكيان الصهيوني أن يصل إلى مرتبة دولة مصدرة للغاز، إلا بفضل توقيع مصر على اتفاقية إعادة ترسيم الحدود في مياه البحر المتوسط، والتي تنازلت فيه مصر عن مواردها الطبيعية الإستراتيجية لصالح الكيان الصهيوني وقبرص، أما الضربة الثالثة فترتكز -بحسب الخبراء- على ما قاله السيسي وحكومته، من أن صفقة الغاز الطبيعي مع الكيان الصهيوني، هي بين أطراف من القطاع الخاص من الجهتين، وهي ستارة رفعتها مصر من قبل ثورة 25 يناير، أثناء تصدير الغاز المصري بلا ثمن للكيان الصهيوني، عبر رجل المخابرات المصري حسين سالم، صاحب شركة غاز شرق المتوسط، والذي مرر تصدير الغاز المصري للكيان الصهيوني من خلف ظهر البرلمان، أثناء عهد مبارك، كما أن شركات من القطاع الخاص التي سوف تقوم باستيراد الغاز من الكيان الصهيوني لتدبير احتياجاتها الذاتية، لا تمتلك بنية أساسية تسمح لها باستيراد الغاز الطبيعي من الخارج في شكله المسال عبر أنابيب، فهذا النشاط عجزت عنه الحكومة فيما بعد الانقلاب العسكري، ولجأت إلى تأجير مراكب في مارس 2015، لتسييل الغاز وضخه في الشبكة القومية للغاز الطبيعي، وبالتالي؛ فالحديث عن أن شركات القطاع الخاص هي صاحبة القرار، أكذوبة من قبل السيسي وحكومته لم يراعَ فيها وجود خبراء ومراقبين.

نشر الإرهاب

وبالبحث في “دفتر أهداف ” السيسي، يحتل هدف إجهاض الإرهاب المحتمل أهم الأهداف التي أعلنها السيسي بعد الإطاحة بالدكتور محمد مرسي، في 3 يوليو 2013، حتى صارت هدف الدولة الأول، ولكن الذي حدث هو العكس حيث انتشر الإرهاب في عهد السيسي بصورة لم يسبق لها مثيل في مصر، حتى وصفت صحيفةنيويورك تايمزالأمريكية، الأوضاع بعد الهجوم الذي وقع يوم الجمعة على مسجد الروضة في شمال سيناء، والذي وصفته بأنه “الأعنف على المدنيين في تاريخ مصر الحديث”، وقتل خلاله 235 شخصا، وأصيب 109 آخرون، بأنها ” تؤكد فشل الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي أصر على أنه يحتاج لسحق المعارضة السياسية في معركته مع الإرهاب، في الوفاء بوعوده للمصريين”.

كما وصفت أكبر الصحف الألمانية إجراءات مكافحة الإرهاب التي يعتمدها السيسي، بالفاشلة، معتبرة أنها لا تؤدي إلى تحقيق الهدف، وأن عبد الفتاح السيسي له إستراتيجية لا تخدم في نتيجتها سوي مآرب الإرهابيين؛ فهو يوفر تربة خصبة للإرهاب في سيناء، عبر البطالة والأمية والفشل في تقديم خدمات الرعاية الصحية”.

استباحة المرأة

كثيرًا ما يربط أنصار السيسي بينه وبين دعم المرأة، ويؤكد السيسي بنفسه أنه نصير المرأة المصرية، وأنها لا تحتاج وزيرة خاصة؛ لأنه شخصيًّا يهتم بأمرها، قائلا: “أنا وزير المرأة، ولا نحتاج وزير لشؤون المرأة، وبعض الوزراء يغضبون بسبب شعورهم بانحيازه لها”، ولكن هذا “الجون” دائما يأتي بالعكس، وفي مرمى مصر، بطريقة مؤسفة! فعهده يحمل عنوان استباحة المرأة -بحسب المراقبين والحقوقيين الذين أكدوا أن انتهاكات نظام السيسي ضد المرأة المصرية متزايدة– حيث قدمت المرأة المصرية في عهده ما يزيد عن 140 شهيدة في مواقع مختلفة، تنوعت بين شهيدات مجزرتي فض رابعة والنهضة، وشهيدات الاعتداءات على المسيرات المناهضة للانقلاب، وشهيدات مهاجمة الجامعات المصرية، وشهيدات التنكيل بأهلنا في سيناء، وغيرهن الكثيرات، ولا يزال ما يزيد عن 43 فتاة وسيدة مصرية في سجون السيسي، يواجهن أحكامًا مختلفة بالسجن، وصلت في بعض الحالات للأشغال الشاقة المؤبدة، كما يوجد قرابة 10 سيدات وفتيات مصريات ما زلن رهن الإخفاء القسري، كما أن هناك 6 فتيات وسيدات مصريات يمثلن أمام المحاكم العسكرية، كما وصلت الأحكام للإعدام، كما وصل عدد السيدات والفتيات اللاتي أدرجت أسماؤهن علي قوائم الإرهاب أكثر من 120 سيدة وفتاة، فيما وصلت جرائم السيسي بحق النساء إلى الاغتصاب، ووصلت الأعداد إلى 50 حالة اغتصاب لنساء، تم توثيق 20 منها فقط، لظروف خاصة بالحالات، طبقا للجان الاستماع والشهادات.

قلق الفشل!

ميشيل دنّ، الباحثة المعروفة في برنامج “كارنيجي” للشرق الأوسط، ومديرةٌ مؤسِّسةٌ لمركز “رفيق الحريري” للشرق الأوسط، التابع للمجلس الأطلسي، التقطت خيطًا من التناقض المسيطر علي “السيسي”، في الفترة الأخيرة، وربطت بين فشله في كل المجالات وقلقه وتناقضاته، وأشارت تحت عنوانلماذا يبدو السيسي قلقاً؟”، إلى أن هناك محاولات مستمرة في مصر الآن، لنقل التركيز على انتكاسات السيسي وإخفاقاته، إلى إبراز وتلميع جهوده المقدمة، موضحة أن الوصف الوحيد الذي ينطبق على الاستعدادات للانتخابات الرئاسية حتى الآن، هو الإخفاق الذريع، ولا بد من أن السيسي وقع تحت تأثير الصدمة.

كما تناولت زميلة برنامج “كارنيجي” للشرق الأوسط، أبعاد الفشل قائلة: ” إذا افترضنا أن السيسي تمكّن من اجتياز المغامرة الانتخابية، واستهلّ ولاية جديدة في مطلع أبريل، ستنتظره صعوبات كثيرة؛ إذ إنه لم يتمكّن من تحقيق البحبوحة والأمان -عملاً بالوعود التي قطعها- ولا تلوح أية مؤشرات في الأفق بأنه سينجح في ذلك. وتتسبّب إجراءات التقشّف التي تساهم في إبقاء الحكومة واقفةً على قدمَيها، في مشقّات شديدة للطبقة الوسطى والمصريين الفقراء، ولا تزال البلاد تشهد حتى الآن، ارتفاعاً في معدلات البطالة والتضخّم، ولم يجد الخلاف على مياه النيل مع أثيوبيا والسودان طريقه إلى الحل، وبرز مؤخرًا إلى الواجهة بكونه يشكّل تهديدًا يتربّص بالأمن القومي، و علاوةً على ذلك، يواجه السيسي تعقيدات متزايدة تعترض جهوده الآيلة إلى إرساء توازن بين مختلف رعاته الخارجيين والجهات التي تزوّده بالأسلحة (السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا وكوريا الشمالية)، وفيما يتعلق بالتمرد الإرهابي، ليس واضحًا بعدُ ما إذا كانت الحملة الراهنة ستنجح في منع وقوع مزيد من الهجمات الكبرى قبل الانتخابات الرئاسية، إنما يُستبعَد أن تضع حدًّا نهائيًّا للتمرد، وفق الوعود التي قُطِعت”.

متناقض وكاذب !

التحليل النفسي، قد يُفسر -بحسب البعض- إصرار السيسي الدائم على مضامين “جبنا جون”، في العديد من المواقف، برغم أن هذه المواقف ضده، وتحمل سقوطا لا نجاحا؛ حيث يرى الدكتور جمال بديرأستاذ علم الاجتماع والخبير النفسي بفنلندا ، أن السيسي ” كاذب لا يصدق ما يقوله, يحرك يده كثيرًا، ويستخدم “التشويح” في الهواء، كتعبير عن رغبته في إقناع المستمعين بما يقوله، وهو يعلم أنه كاذب، ويبدو ذلك في ارتعاش ملامح وجه، وزيغ نظراته أثناء حديثه، أو ما يعرف بإسم ميكرو اكسبريشن Micro-Expressions ، ويعاني من أزمة نفسية عنيفة، وخوف وإحباط، ويشعر بانعدام الوزن، وخوف شديد من المستقبل، و يؤرقه ما قام به حتى الآن، ويشعر بفزع من نتائجه، ويظهر هذا بوضوح في ارتباكه، وعدم تحكمه في الجمل التي يلقيها أحياناً كثيرة، وغير متصالح مع نفسه؛ فكلامه مختلف تمامًا عن لغة جسده”.

فيما أكد أن المحدد المهم الذي قد يوجه سلوكه الآن، وبعد كل هذه الأغاني التي تؤلف له، وأجهزة الإعلام التي ترفعه إلى ما فوق مرتبة البشر، سيكون بالتأكيد “جنون العظمة”؛ فلابد لأي شخص يتعرض لكل هذا الكم من الثناء والمدح -بمناسبة وبدون مناسبة على ما أظن- أن يصاب بـ”جنون العظمة”، ويظن أنه لا يخطئ، والطبيعي في هذه الحالة أن يتصرف تجاه خصومه السياسيين بعنف شديد، باعتبارهم أعداءً للوطن، فالدعاية والثناء المفرط والنفاق، لابد أن يدفعه إلى تصديق أنه هو الدولة، وأن من يعارضه يعارض الدولة نفسها، وألا يقبل النقد حتى من مستشاريه.