عندما وجد حاكم دبي نفسه متورطًا في قضية حضانة أبنائه أمام المحاكم البريطانية، لم يكتف باللجوء لمحامين رفيعي المستوى للدفاع عنه، بل ارتكب جرائم وانتهاكات قانونية للفوز بالمعركة أمام الأميرة الأردنية التي كانت في يوم من الأيام زوجته.

اهتز العالم بالأمس -الأربعاء 6 أكتوبر/تشرين الأول- بعد كشف المحكمة البريطانية عن فضيحة مدوية لتورط الأمير الثري -الشيخ محمد بن راشد، في التجسس على هاتف زوجته السابقة الأميرة هيا بنت الحسين واثنين من محاميها وثلاثة من شركائها الآخرين باستخدام برنامج Pegasus التابع للشركة الإسرائيلية NSO، وفقاً لوثائق نشرتها المحكمة الأربعاء.

البارونة فيونا شاكلتون، كانت ضمن فريق المحامين الذي تعرض للاختراق، وكونها عضو حالي في مجلس اللوردات البريطاني، قد يعرض هذا علاقة المملكة المتحدة والإمارات لتوتر كبير.

بالإضافة إلى البارونة شاكلتون، تم استهداف نيكولاس مانرز، أحد محامي الأميرة هيا، وجاء في الحكم أن هاتف الأميرة هيا قد تعرض للاختراق عدة مرات العام الماضي “بسلطة صريحة أو ضمنية” للشيخ محمد.

قالت المحكمة إن البارونة شاكلتون تلقت بلاغًا بشأن القرصنة من قبل شيري بلير، زوجة رئيس الوزراء السابق توني بلير، التي تعمل كمستشار للأعمال التجارية وحقوق الإنسان في شركة NSO.

وأضافت المحكمة أن أحد كبار مديري NSO اتصل بالسيدة بلير ليخبرها أن الشركة قلقة من أن برنامجها قد “أسيء استخدامه” لمراقبة هواتف البارونة شاكلتون والأميرة هيا، كما طلبت من السيدة بلير الاتصال بالبارونة.

تعتبر هذه أول حالة مؤكدة لاستخدام برنامج “بيغاسوس” لاختراق هاتف مسؤول بريطاني حالي، وفقًا لبيل ماركزاك -الباحث في مركز أبحاث Citizen Lab التابع لجامعة تورنتو في كندا، وهومركز ساهم في فحص الهواتف المذكورة في القضية وتوصل أنه تم اختراقها بنجاح.

تأكيد تعرض الأميرة هيا وعدد من المحيط بها -بما فيهم مسؤولين بريطانيين- أضاف نقطة سوداء جديدة في سجل العائلة المالكة الخليجية المليء بالانتهاكات والخروقات القانونية وعلاقتها المشبوهة بعالم الشركات شديدة السرية التي تبيع تقنيات قرصنة باهظة الثمن للحكومات في جميع أنحاء العالم بحجة الحفاظ على الأمن القومي، لكن تلك الحكومات تستخدمها لأغراض تخدم المصلحة الشخصية للقادة والزعماء.

تعرضت شركة  NSO Groupلموجة انتقادات واسعة لاتهامها ببيع برامجها التقنية لعملاء يسيئون استخدامها، ويستهدفون بها المعارضين والناقدين.

من جهتها، حاولت الشركة دفع التهم عنها مؤكدة أنها تبيع منتجاتها إلى الحكومات لاستخدامها في إنفاذ القانون ومكافحة الإرهاب، لكن الخبراء الفنيين في مجال التكنولوجيا كشفوا عن العديد من الحالات الأخرى التي تستخدم فيها الحكومات القمعية مثل هذه التقنيات ليس لملاحقة المجرمين، ولكن لتعقب المعارضين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان والصحفيين.

بدأت المعركة القانونية بين حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وبين زوجته السابقة الأميرة الأردنية هيا بنت الحسين، على حضانة طفليهما بعد أن فرت الأخيرة معهما إلى لندن في عام 2019، هرباً من سوء معاملته.

في جلسات المحاكمة، تم التطرق إلى قضية قيام الشيخ باختطاف واحتجاز ابنتين من زواج آخر -الشيخة لطيفة وشقيقها الشيخة شمسة-، واللذين تعرضا للاعتقال والاحتجاز في مكان مجهول بعد تنفيذ محاولات للفرار من والدهما، وقد خلص أحد الأحكام الصادرة أن الشيخ يقوم باحتجازهما بالفعل.

الحكم البريطاني الصادر حول قيام محمد بن راشد باختراق هاتف الأميرة هيا ومعاونيها، صدر في مايو/أيار الماضي، لكنه أعلن الأربعاء بعد محاولات مضنية من الشيخ محمد وشركائه في منع هذا الحكم من الظهور للنور.

 وبحسب نص الحكم، أكد القاضي البريطاني عمليات المراقبة نفذها عملاء للشيخ محمد باستخدام برنامج مرخص لإمارة دبي أو الإمارات العربية المتحدة، وقالت المحكمة إن المساعد الشخصي للأميرة هيا واثنين من أفراد أمنها تعرضوا لـ “المراقبة غير القانونية”.

من جانبه، نفى الشيخ محمد في تصريحات للمحكمة أنه كان يعلم بأمر اختراق الهواتف أو أنه من سمح بهذا الاختراق، كما اتهم المحكمة بعدم اختصاصها بالفصل في تصرفات حكومته، وهو أمر رفضته المحكمة.

وكانت نفس المحكمة قد قضت في وقت سابق بأن الشيخ محمد قد سجن بناته، وعرض الأميرة هيا للترهيب، وهدد زوجة أخرى له، رغم أنه من غير المرجح أن يواجه عواقب قانونية.

لطالما كانت الأميرة هيا، ابنة الملك الأردني الراحل حسين، شخصية معروفة في المجتمع البريطاني الراقي، حيث تلقت تعليمها في مدارس بريطانية خاصة، ومثلت الأردن في دورة الألعاب الأولمبية لعام 2000، وقيل إنها كانت صديقة للملكة إليزابيث الثانية.

جاءت رحلة الأميرة هيا إلى لندن عام 2019 بعد محاولات ابنتي الشيخ محمد من زواج آخر، الشيخة لطيفة والشيخة شمسة، للفرار من حضانة والدهما، وللأسف كلاهما تم القبض عليه في النهاية.

الشيخة لطيفة اختطفتها قوات كوماندوز مسلحة من يخت في المحيط الهندي، أما الشيخة شمسة اختطفت من الشارع في كامبريدج وأعيدت جواً إلى دبي.

يقول المدافعون عن النساء إنهن ما زلن محتجزات ضد إرادتهن، وهي مزاعم شوهت سمعة والدهن بقوة..

لا يزال مكان وظروف الشيخة لطيفة غير واضح، وعلى الرغم من ظهورها في مقطع فيديو في وقت سابق من هذا العام قائلة إنها كانت محتجزة من قبل والدها، ظهرت صور لاحقة على وسائل التواصل الاجتماعي أظهرت أنها في أيسلندا، وفي مطار مدريد وفي مركز تسوق في دبي.

ومع ذلك، لم تتحدث الأميرة عن نفسها علنًا، مما أثار الشكوك حول ما إذا كانت تتصرف بمحض إرادتها.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا