العدسة – معتز أشرف

مازال الجنرال خليفة حفتر قادرًا على إثارة الجدل والغضب، وفي درنة الخبر اليقين.
نرصد أبرز 3 أخطاء لـ”حفتر” في قصف وحصار درنة، ونحلل في سياق التقرير الآتي المشهد في ضوء استمرار التدخلات الإماراتية المصرية، وتقويض مهمة المجلس الرئاسي والاتفاق السياسي.

أخطاء ثلاثة

رغم الاختلاف حول هوية المسلحين داخل درنة، إلا أن القصف والحصار الذي تتعرض له مدينة درنة من قبل قوات “حفتر” بدعم من قوى إقليمية، أشعل الغضب الليبي، لأخطاء عدة -بحسب المراقبين- في مقدمتها أن محاربة الإرهاب في أي مكان في ليبيا هي مهمة حصرية للمجلس الرئاسي، باعتباره القائد الأعلى للجيش الليبي وفقًا لبنود الاتفاق السياسي، والمجلس الرئاسي لم تصدر عنه أية أوامر لحصار درنة أو قصفها، فضلًا عن أنه عبر عن موقفه خلال بياناته على ضرورة إيقاف الحرب وحماية للمدنيين وفك الحصار.
ودعا المجلس الأعلى للدولة في ليبيا المجلسَ الرئاسي لحكومة الوفاق إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بوقف إطلاق النار في درنة وفقًا لاتفاق الصخيرات، فيما أكد محمد صوان، رئيس حزب العدالة والبناء في ليبيا، أن “حفتر” لا يعترف بالمجلس الرئاسي ولا بالاتفاق السياسي، الذي يمثل الإطار الشرعي الوحيد للعملية السياسية، ويعرقل تنفيذه بدعم علني ممن يقف خلفه من دول إقليمية لازالت تصر على إفساد المشهد السياسي، وتشترك علنًا في قصف درنة وحصارها، ما يمثل انتهاكًا صارخًا للسيادة الليبية، وهو الخطأ الثاني البارز في سياق العمليات الحالية، وهو ما استنكره “صوان” منددًا بالسكوت الدولي حول الوضع في درنة، مؤكدًا اعتراضه على المعايير المزدوجة في التعامل مع الاتفاق السياسي؛ الأمر الذي لا يساعد على تعزيز الثقة لدى القوى السياسية والمجتمع الليبي في حيادية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأسره.
“حفتر” سقط في مخاطر هذه العمليات وما تسببه من خسائر في صفوف المدنيين والبنية التحتية، خاصة في ظل الحصار الخانق على المدينة، وهو الخطأ الثالث الذي وثقه رئيسُ المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، المعترف بها دوليًّا، فائز السراج، حيث حذر من جانبه من تداعيات العمليات العسكرية على المدينة والحصار وتبعاتهما الخطيرة التي ربما تتجاوزها إلى مناطق أخرى في البلاد، مؤكدًا أهمية تدخل عاجل للحكماء من أجل إيجاد حل سلمي يحقن الدماء في درنة.

تدخل مصري إماراتي

مراقبون يرون أن اشتداد هجوم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على مدينة درنة قائم على دور مصري وإماراتي مركزي في هذه المعركة، التي تريد الأطراف الثلاثة إدخالها “بيت الطاعة الحفتري” بالقوة، بعد أن فشلت في ذلك عبر حصار امتد لأربعة أعوام، حيث أعلن “حفتر” مرارًا، وعلى مدى السنوات الماضية، أنه سيهاجم المدينة -الوحيدة في شرق ليبيا الخارجة عن سيطرة قواته- لكنه اختار في خطابه الأول الذي ألقاه نهاية الشهر الماضي بعد عودته لبنغازي من رحلة علاجية طالها الكثير من اللغط؛ إعلان الحرب على درنة لتخليصها ممن يصفهم “بالإرهابيين”.
وتنقل المصادر بحسب تقارير إعلامية عن المبعوث الدولي لليبيا غسان سلامة حديثه قبل أيام عن أن درنة لم تكن أولوية لدى “حفتر”، وأنه كان يرغب في التوجه لمهاجمة العاصمة طرابلس، وأن مصر هي من دفعت “حفتر” نحو درنة، خاصة أن السلطات المصرية تتهم مجلس شورى مجاهدي درنة -المسيطر على المدينة- بإيواء عمر رفاعي سرور، الذي تتهمه القاهرة بالتخطيط لهجمات طالت الجيش في سيناء والواحات، فيما قدمت أبوظبي قدمت دعمًا عسكريًّا نوعيًّا لحرب “حفتر” على درنة، حيث تشارك في الحرب عبر طائرات مسيرة تنطلق من قاعدة الأبرق التي تبعد نحو مائة كيلومتر عن درنة.
العميد يحيى أسطى عمر، المكلف بالملف الأمني في درنة، قال في تغريدات على حسابه الرسمي: «استعملت الكرامة في التمهيد للاقتحام، قصف بالطيران الإماراتي بدون طيار والطيران المقاتل الليبي، وقصف بكل أنواع المدفعيه من صواريخ جراد، ومدفعية هودزر، وصواريخ حرارية موجهة، وقذائف الدبابات، لخلق كثافة نيران، والتركيز على التجمعات السكنية المدنية لإرهابهم، في قصف ممنهج وغادر، وعلى مدى خمسة أيام من محاولة الاقتحام، وعلى خمسة محاور، ولأكثر من 6 محاولات فاشلة، تم التصدي لها وامتصاص الصدمة الأولى في كل محاولة وإفشالها، وإلحاق الخسائر بها في زمن قياسي لا تفعله إلا قوة حماية المدينة»، متهمة الكرامة باستعمال المدنيين كدروع بشرية، والقيام بالتضليل والتضخيم الإعلامي لما يحدث بهدف إدخال المنطقة في حرب أهلية طويلة.
وأضاف في تدوينة لاحقة: «حقيقة تُذكر فقط: اختلفنا مع النظام السابق (نظام معمر القذافي) بظلمه وطغيانه، حاصر درنة في التسعينيات بآلاف الجنود من الكتائب الأمنية، وفتش بيوتنا بيتا بيتا، إلا أنه لم يقصف المدينة بالطيران، ولم يستعن بالأجنبي ليقتل النساء والأطفال، ولم يمنع الدواء والوقود والغاز والغذاء كما تفعله الكرامة بدرنة تحت شماعة الإرهاب الكاذبة».

غضب شعبي

رفض التدخلات الإقليمية من الإمارات ومصر، كانت حاضرة في لغة الغضب الشعبي والتنديد الذي يتصاعد منذ بدء العدوان على درنة وتسبب في فضح الجنرال المتقاعد، وشارك المئات من الليبيين، في وقفة بالعاصمة طرابلس احتجاجًا على القصف والحصار الذي تتعرض له مدينة درنة، من الميليشيات التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر، و رددوا هتافات مناهضة لحفتر وميليشياته، وأعرب المحتجون عن قلقهم إزاء ما يحدث في درنة والحصار الخانق المفروض على المدينة، وطالبوا بالوقف الفوري والسريع لإطلاق النار في درنة، وفرض منطقة حظر الطيران فوق المدينة، وإدخال المساعدات الإنسانية اللازمة إليها كما دعا المحتجون إلى وقف التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن الليبي، وشددوا على ضرورة تشكيل لجنة دولية ومحلية لتقصي الحقائق في درنة.
وفي السياق ذاته، قالت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، إن مجلس أعيان طرابلس (تجمع شعبي غير حكومي) عقد تجمعًا أمام مقر البعثة، للتعبير عن التضامن مع مدينة درنة، والمطالبة بإنهاء الغارات الجوية التي تستهدفها، وذكرت البعثة أن «ممثلين عن المجلس اجتمعوا مع أعضاء من البعثة الأممية وسلموهم بيانًا، لإحالته إلى الممثل الخاص للأمم المتحدة، غسان سلامة، والأمين العام للمنظمة الدولية، أنطونيو جوتيريش»، فيما أكدت البعثة أن حماية المدنيين أولوية قصوى للأمم المتحدة.
أهالي مدينة درنة بكافة مكوناتها ناشدت أبناء ليبيا إلى إطفاء نار الحرب، و دعم مشروع المصالحة الوطنية في كافة أرجاء ليبيا واللجوء إلى الحوار والابتعاد عن لغة السلاح، وطالب الأهالي في بيان لهم بمنع التدخل الأجنبي، وإيقاف الغارات الجوية التي تشن على المدينة منذ أعوام متسببة في سقوط العديد من الضحايا الأبرياء من نساء وأطفال وشيوخ.
ودعا البيان إلى تحقيق طموحات أبناء المدينة من الاستحقاقات السياسية، والتعجيل بالانتخابات وبناء المؤسسات المدنية والعسكرية والقضائية محملًا مسؤولية ذلك للمجلس الأعلى للدولة وحكومة والوفاق ومجلس النواب والمنظمات الحقوقية والإنسانية.
من جانبها، اجتمعت نائبة المبعوث الأممي إلى ليبيا ومنسقة الشؤون الإنسانية ماريا ريبيرو، مع عضوي مجلس الدولة منصور الحصادي وموسى فرج لمناقشة الوضع الإنساني في مدينة درنة، مثل النقص في الوقود والماء والكهرباء والدواء، وأكدت “ريبيرو” على أنها ستواصل العمل للدفع لحماية المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية لهم في إحراج بالغ لعملية “حفتر” التي تتحدها درنة بما تبقى عندها من قوة.