“نسبة الشباب التونسي الغير متدين تخطت نسبة الشباب الأمريكي، إنه موضوع مثير للدهشة، إذا ما استمر هذا الاتجاه بمرور الوقت، فمن المحتمل أن تكون المجتمعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا أقل تديناً في العقود القادمة”.
هكذا علق مايكل روبنز مدير البارومتر العربي لاستطلاعات الرأي في مقابلة خاصة مع موقع فنك الأوروبي، بعد أيام قليلة من إعلان نتائج استلاع رأي البارومتر حول الشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
وتوصلت نتائج الاستطلاع إلى أن الشباب العربي في 2019 كانوا أقل تديناً وأقل احتمالاً باتباع أحزاب سياسية دينية، فقد نشرت مجلة الإيكونوميست النتائج الرئيسية في الشهر الماضي، وأوضحت أنه “في جميع أنحاء المنطقة، انخفضت نسبة الأشخاص الذين يعبرون عن ثقتهم الكبيرة في الأحزاب السياسية، التي يحمل معظمهم صبغة دينية، بما يزيد عن الثلث منذ عام 2011 إلى 15%”.
وكذلك الحال بالنسبة رجال الدين؛ ففي عام 2013 قال حوالي 51% من المشاركين في الاستطلاع أنهم يثقون في قادتهم الدينيين ‘ثقة كبيرة‘ أو ‘ثقة متوسطة‘ لكن عندما تم طرح سؤالٍ مماثل الآن، فإن هذه النسبة انخفضت إلى 40% فقط، ووصلت نسبة الشباب الذين يصفون أنفسهم بأنهم “غير متدينين” إلى 13%، مرتفعة من 8% في عام 2013. ويشمل ذلك ما يقرب من نصف الشباب التونسي، وثلث الشباب الليبي، وربع الشباب الجزائري، وخُمْس الشباب المصري.”
كما جاءت نسبة الشباب التونسي الذي وصف نفسه كـ”غير متدين” إلى (46%)، وهي نسبة مماثلة للشباب في الولايات المتحدة الذين يقولون إن للدين أهمية قليلة أو أهميةٌ بالكاد تُذكر في حياتهم (45% في مسح الباروميتر للأمريكتين).
وامتد التحول الكبير إلى فقدان الثقة في الحركة الإسلامية في المنطقة، حيث انخفض من 35% في عام 2013، عندما تم طرح السؤال على نطاق واسع لأول مرة، إلى 20% العام الماضي. وفي مصر، انخفضت الثقة في جماعة الإخوان المسلمين من 44% في عام 2011 إلى 17% اليوم، بينما تراجعت الثقة في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن من 35% في عام 2012 إلى 14% اليوم، وانخفضت النسبة في المغرب من 45% في عام 2013 إلى 25% اليوم. وعلاوةً على ذلك، انخفضت الثقة في حزب النهضة في تونس من 40% في عام 2011 إلى 16% اليوم.
وحسب روبنز: “فإن هذه النتائج تشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا قد تكون على أعتاب تغيير كبير في السنوات المقبلة، إن لم يلعب الدين الدور المركزي الذي يلعبه اليوم في حياة المواطنين، فمن المتوقع أن تتغير سياسات المنطقة بشكلٍ كبير. قد يدعو الشباب الحكومات إلى التقليل من أهمية دور الدين في الحياة العامة وفي الدولة. وغالباً ما أدى هذا التحول إلى توتراتٍ كبيرة في المناطق الأخرى بين القوى الدينية والقوى الأكثر علمانية، ومن المحتمل أن تتبع مساراً مشابهاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.”
واستنتج محللون وفقا لهذا الاستطلاع، أن ما يحدث في الموجة الجديدة للاحتجاجات بالوطن العربي جاء تفسيرا لهذه الظاهرة، حيث دعت الاحتجاجات في العراق ولبنان إلى تقليل الطائفية، وفي الجزائر، لم يكن هناك تأثير كبير من الجهات الدينية على الاحتجاجات، أما في لبنان، فقد أكد زعماء الاحتجاجات على التقليل من أهمية الهوية الطائفية، معلنين أن اللبنانيين جميعهم شعب واحد. وعلى الرغم من مشاركة العديد من الأجيال في هذه الأحداث، إلا أن صوت الشباب هو الأعلى والأكثر صراحةً على وجه الخصوص في هذه الاحتجاجات.
“تشير الطريقة التي تجري بها هذه الاحتجاجات إلى أن تراجع الدين بين الشباب وفقدان الثقة في الحركات الإسلامية ربما يُغيران بالفعل السياسة في المنطقة”، روبنز يتوقع.
رغم هذه النتائج المفاجئة للكثيرين حول تدين الشباب وثقتهم في الأحزاب السياسية ذات الطابع الديني، إلا أنه من المبكر الجزم بدقة التحول الاجتماعي أو توجهات الشباب في السنوات القادمة، فالواقع الحالي يقول أن هذه النسب تتغير باستمرار كل عام صعودا وهبوطا، وربما يعود الشباب إلى التدين بتقدم السن، كما أن الظواهر السياسية المتغيرة لها تأثير كذلك على رأي الشباب.. لكن في جميع الأحوال يلفت الاستطلاع انتباه تلك الأحزاب والجماعات الذين يعتبرون أن الشباب يتبعونهم إلى الأبد، أن تغييرات عميقة تحدث تحت السطح، لا أحد يعلم إلى أين تصل!.
اضف تعليقا