العدسة – معتز أشرف
كثيرا ما تشهد عاصمة الضباب لندن فعاليات وحملات مناهضة في استقبال زيارة المسؤولين العرب المتورطين في جرائم ضد حقوق الإنسان، حتى بات ” 10 داوننج ستريت ” حيث مقر الإقامة الرسمية للحكومة ومكتب رئيسة وزراء بريطانيا، مقصدا دائما للمتظاهرين والغاضبين من العرب والأجانب لمواجهة زيارات من يشهد سجله بالانتهاكات، وكان أبرزهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس المصري، الذي توشك ولايته على الانتهاء عبدالفتاح السيسي والنظام الإماراتي والبحريني، فيما تنوعت الوسائل ما بين المظاهرات والتحركات القضائية والبرلمانية، بجانب الحملات الإعلامية والشعبية وبعض الوسائل شبه العنيفة كالقذف بالبيض الفاسد، والتي تعتبرها بريطانيا تدخُل تحت إطار التعبير عن الرأي، حيث أكدت مرارًا أنها مفتوحة لكل من يرغب في التعبير عن رأيه بطريقة سلمية.
صوت الشارع
المظاهرات كانت الوسيلة الأبرز لمعارضي زيارات القادة العرب المتورطين في انتهاكات ضد شعوبهم، تقدمهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي تطارده سهام المظاهرات منذ شهر، حيث شهدت بريطانيا العديد من المظاهرات التي ترفض استقبال لندن له، حيث اعتبر منظموها أن ابن سلمان تسبب بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، من خلال حربه باليمن، ودعم عمليات القمع في دول أخرى مثل البحرين ومصر، وقامت بلاده بحصار قطر، واحتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، في محاولات فاشلة لتغيير أنظمة دول ذات سيادة، بالتزامن مع تدهور حقوق الإنسان في السعودية، حيث تم إعدام أكثر من مائة شخص العام الماضي.
وتلقى ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة نفس الإجراء، حيث نظمت ضده مجموعة من مؤسسات حقوق الإنسان البريطانية وقفة احتجاجية أمس، أمام السفارة البحرينية في العاصمة البريطانية لندن، تنديدا باستمرار انتهاكات حقوق الإنسان بحق المعارضين والناشطين السياسيين في البحرين، وتنديدا بأحكام القضاء الصادرة على عدد من الناشطين وعائلاتهم في البحرين بتهم مزعومة متعلقة بالإرهاب.
وفي مواجهة “السيسي” نظم خصومه الذين يصفونه بـ”الانقلابي القاتل” العديد من المظاهرات التي تطالب بمحاكمته دوليًّا، وترفض زيارته إلى لندن في أواخر 2015، والتي شهدت اهتماما بارزا دفع الإعلاميين المحسوبين على السيسي بوصفها أنها زيارة فخ نصب لإهانة قائدهم، ومن المظاهرات البارزة ما نظمه وقتها المئات من أعضاء جمعية مسلمي بريطانيا وتحالف ما يسمى بـ”أوقفوا الحرب” أمام مقر الحكومة البريطانية للتنديد بزيارته.
فيما لا تزال سفارة الإمارات في لندن مقر دائم للمظاهرات ضد سياسيات محمد بن زايد، وتنديدا بالجرائم المتواصلة من نظامه، ومنها ما نظمه نشطاء ومسؤولون في جمعيات حقوق الإنسان احتجاجا على استمرار عمليات الاعتقال والتعذيب التي تمارس ضد حقوقيين وناشطين في الإمارات، ولرفض دور أبو ظبي في رعاية العبودية والاتجار بالبشر
اعتراض المسؤولين
عمليات اعتراض المسؤولين الأجانب من قبل النشطاء العرب والأجانب تعتبر إجراء متكررا كذلك في العاصمة البريطانية لندن، وأبرزه ما حدث مع وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش مؤخرا عند مدخل معهد ” تشاتام هاوس” الذي استضافه لإلقاء محاضرة حول الأزمة القطرية، حيث تجمع عشرات النشطاء العرب والبريطانيين أمام المعهد الذي نظم المحاضرة للوزير الإماراتي، محتجين على دور الإمارات في الحرب على اليمن وتورطها بجرائم بحق المدنيين في البحرين في إطار قوات درع الجزيرة، وكذلك احتجاجًا على مطالبة الإمارات وحلفائها بإغلاق قناة الجزيرة، باعتبار ذلك ضد حرية التعبير.
الملاحقة القانونية
سلاح القانون كان أحد الأدوات المستخدمة في مواجهة المتهمين بجرائم ضد شعوبهم، حيث يسمح القانون البريطاني بملاحقة أي مسؤول دولي إذا أثبت أنه ارتكب جرائم حرب في أي مكان من العالم، تحت بند ما يسمى “الولاية الجنائية الدولية” في قانون العقوبات، وهي المادة التي استفاد منها محامون مؤيدون للقضية الفلسطينية سابقا لملاحقة عدد من القادة الإسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
ويلاحق فريق قانوني دولي يعمل لصالح حزب الحرية والعدالة في مصر، لمقاضاة من يصفونهم بـ”الانقلابيين”، وهو ما تسبب في رفض مفتي مصر السابق الشيخ على جمعة دعوة تلقاها من مؤسسات مصرية في بريطانيا، وذلك خوفًا من الاعتقال لدى وصوله لندن، كما أفلت الفريق محمود حجازي، رئيس أركان الجيش المصري السابق، من الاعتقال أثناء تواجده في بريطانيا في منتصف سبتمبر الماضي، أثناء مشاركته في معرض للسلاح في العاصمة البريطانية لندن، بسبب ما قيل وقتها عن “حصانة خاصة” أُعطيت له من جهة دبلوماسية داخل الخارجية البريطانية حالت دون اعتقاله، وفي زيارة “السيسي” للندن، نقلت صحيفة ” ميدل إيست أي” عن شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية، أن “السيسي”، لم يرافقه في زيارته إلى لندن أي من الـ43 من الوزراء وكبار المسؤولين المتورطين في مذبحتي ميداني رابعة والنهضة بالقاهرة في شهر أغسطس من عام 2013، مشيرة إلى أن السيسي يتمتع بالحصانة من المقاضاة والملاحقة القانونية لكونه رئيس الدولة، إلا أن غيره من أعضاء الحكومة والإدارة لا يملكون حق الحصانة ما لم يكونوا قد تقدموا بطلب للحصول على حصانة “مهمة خاصة” وحصلوا عليها من وزارة الخارجية.
وفي مواجهة جرائم الأمير محمد بن سلمان كذلك، قدمت مديرة منظمة حقوق الإنسان في اليمن، المحامية “أم كلثوم باعلوي”، بشكوى رسمية عاجلة في لندن إلى محكمة “ويستمنستر” البريطانية، للمطالبة بإصدار قرار باعتقال” بن سلمان”، وقالت : “تقدمت بالشكوى إلى رئيسة النيابة العامة البريطانية “اليسن ساوندرس”، وأرفقت مع الشكوى ملفًّا يحوي مجموعة من الأدلة الدامغة التي تثبت تورط ولي العهد السعودي في ارتكاب جرائم حرب بحق الشعب اليمني، مستندة إلى تقارير عدد من المنظمات الدولية”.
كما أطلقت الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات (ICBU)، جملة من الإجراءات القانونية، لمخاطبة السلطات البريطانية، بهدف اعتقال عدد من المسؤولين الإماراتيين، وذلك على خلفية اتهامات جرائم التعذيب والإخفاء القسري، جنوبي اليمن، فضلا عن تنفيذ هجمات راح ضحيتها مدنيون منهم أطفال، حيث تبحث الحملة تقديم مذكرات دولية لاعتقال «محمد بن زايد آل نهيان»، ولي عهد أبو ظبي، ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، ورئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبو ظبي، و«حمد محمد ثاني الرميثي» قائد الجيش الإماراتي، إضافة إلى وزير الدولة لشؤون الدفاع «محمد بن أحمد البواردي»، ومن المقرر أن تقدم الحملة، دعوى أمام قيادة الشرطة المركزية البريطانية لمكافحة الإرهاب SO15، والتي تعتبر مسؤولة عن فحص كل الادعاءات حول جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الإبادة والتعذيب، كما ينتظر القضاء البريطاني اتهامات بالمشاركة في التعذيب للأمير البحريني ناصر بن حمد آل خليفة، نجل الملك، بعد أن تقدم بالشكوى ضد الأمير لاجئ بحريني قال إن الأمير قام بتعذيب متظاهرين معادين للنظام في 2011.
الإجراءات البرلمانية
ولم يغب مجلس العموم البريطاني عن مواجهة هؤلاء الجلادين، وكانت آخر إجراءاته ما قام به 17 نائبًا في مجلس العموم البريطاني من توقيع عريضة تطالب رئيسة الوزراء، تيريزا ماي، بإلغاء زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لبريطانيا؛ نظرًا للجرائم الخطيرة التي يرتكبها في بلاده وخارجها، وحمّل الموقّعون على العريضة -وهم من أحزاب مختلفة- وليّ العهد السعودي، بصفته وزيرًا للدفاع، مسؤولية “الانتهاكات الخطيرة” التي وقعت خلال الحرب التي يشنّها على اليمن، والتي أدّت إلى نشوب أزمة إنسانية كبيرة، وبحسب ما جاء في العريضة، فإن أكثر من 70% من الإعدامات التي نُفّذت في السعودية تمّت بعد تسلّم “بن سلمان” مسؤولياته، كما اتهموه بفرض حصار على دولة قطر، وانتهاك حقوق المدنيين الأساسية فيها وفي دول الخليج.
ورغم وجود مجموعة متعاونة مع النظام المصري الحالي في مجلس العموم البريطاني تسمي نفسها ” مجموعة أصدقاء مصر”، إلا أن استقبال بعض أعضاء مجلس العموم البريطاني للوفد البرلماني المصري جاء فاترا وسيئا ؛ وهو ما أصاب الوفد المصري بالصدمة، خاصة بعد تقرير لجنة العلاقات الخارجية بمجلس العموم، والذي يبرئ جماعة الإخوان المسلمين من اتهامات بالعنف والإرهاب، حيث فوجئ الوفد برئيس لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس «كريسبين بلانت» ينسف دعاوى النظام المصري في مواجهة الإخوان بقوله: «إن جماعة الإخوان تمثل 50% من الشعب المصري، وأنه كان يجب أن تستمر في الحكم لوصولها إليه عن طريق الانتخابات».
وجه النائب البرلماني “توم بريك” رسالة إلى وزير الداخلية البريطانية “آمبر رود” يطالب فيها بسحب الجنسية البريطانية من أسماء الأسد، وقال: “إذا واصلت أسماء الأسد الدفاع عن الأفعال القاتلة التي يرتكبها نظام الأسد، يجب على حكومة المملكة المتحدة أن تحرمها من الجنسية البريطانية”، كما وثق نواب من مجلسي اللوردات والعموم في البرلمان البريطاني مؤخرا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان لدى لقائهم عددا من متضرري الحصار، المفروض على قطر، مؤكدين أنهم سيرفعون تقريرا مفصلا إلى البرلمان والحكومة البريطانية، خاصة مع خروقات صارخة للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، تستلزم ضرورة التحرك بقوة، لرفع الحصار عن قطر في القريب العاجل، وفقا للتقرير.
البيض الفاسد
ويعتبر البيض الفاسد أحد الوسائل المتكررة للنشطاء، في مواجهة خصومهم خلال زياراتهم إلى لندن، وفي مارس 2017 اضطرت الشرطة البريطانية إلى وضع حراسة مشددة على اللواء أحمد عسيري، الناطق الرسمي باسم التحالف اليمني، بعد قيام نشطاء عرب وبريطانيين برميه بالبيض الفاسد أثناء تواجده في لندن، وفور وصول عسيري لمدخل أحد المباني التي ستشهد ندوة يشارك بها في لندن، تقدم بعض النشطاء المحتجين وقاموا برميه بالبيض الفاسد، فيما تمكنت الشرطة البريطانية من إدخال “عسيري” إلى المبنى، وبعد أن اطمأن الأخير لابتعاده عن المحتجين التفت إليهم وقام بتوجيه “إشارة نابية” باتجاههم، بحسب ما نشر في تقارير متواترة.
المكاتبات والندوات
وبالتزامن مع هذه الفعاليات، تنتشر الرسائل والمكاتبات الحقوقية والسياسية إلى رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، ومنها ما قام بها عشرات الحقوقيين مؤخرا بتوقع رسالة لـ”ماي” يحثونها فيها على سحب دعوتها لولي العهد السعودي، مشيرين إلى أن الزيارة تعد رسالة واضحة بأن بريطانيا توجه صفعة لمن يتعرضون للاعتقال والتعذيب في السعودية، خاصة مع تواطؤ بريطانيا في الحروب التي تخوضها السعودية من خلال بيعها أسلحة ومعدات عسكرية تستهدف المدنيين والبنيات التحتية لدول ذات سيادة.
وفي السياق نفسه، كان المدعي العام البريطاني السابق اللورد كين ماكدونالد، ومحامي حقوق الإنسان الدولي رودني ديكسون، أصدرا تقريرا غير مسبوق، موجهًا للأمم المتحدة، طالبا فيها المنظمة الدولية بتعليق عضوية السعودية في مجلس حقوق الإنسان التابع لها، بسبب الانتهاكات الحقوقية وسياسة “الاعتقال التعسفي ضد نشطاء في المجال الحقوقي والسياسي وعلماء دين إصلاحيين”، وهو التقرير الذي استندت إليه صحيفة “الجارديان” البريطانية في إحدى افتتاحياتها لدعوة الحكومة للنظر في السجل الحقوقي لابن سلمان، مؤكدة أن بريطانيا يجب أن تتكلم عن هذا الملف بشكل واضح، وأن “لا تبيع قيمها”، حسب الصحيفة.
كما يلجأ المعارضون إلى تنظيم الندوات دائما في مواجهة الزيارات الحكومية للمسؤولين المتورطين، ومنها الندوة الدولية التي نظمها “المجلس الثوري المصري” المعارض عشية زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في 2015، حول أوضاع حقوق الإنسان والحريات العامة في مصر، بمشاركة خبراء قانونيين وباحثين في مجال الحريات العامة، وهو ما اعتبره محمد سودان، القيادي المعارض في تصريحات صحفية أنه يأتي في سياق الاحتجاج الذي تنفذه العديد من المنظمات الحقوقية والنشطاء السياسيين البريطانيين على دعوة السيسي إلى لندن”.
اضف تعليقا