العدسة – معتز أشرف
في أول استهداف للقائم بأعمال الجنرال خليفة خفتر، لقي شخص مصرعه فيما جرح ثلاثة آخرون في انفجار سيارة مفخخة أثناء مرور موكب رئيس الأركان الليبي عبد الرزاق الناظوري بمنطقة سيدي خليفة شرقي بنغازي، وهو ما يلقي بظلال من السيناريوهات المفتوحة فيما يحدث في ليبيا بعد غياب حفتر ولماذا؟!
إدانة واسعة
في شبه إجماع لإدانة الحادث، تواتر الاستنكار من أطراف عدة في المشهد؛ حيث أدان مجلس النواب، التفجير الذي استهدف اغتيال رئيس الأركان التابع لقوات الكرامة عبدالرزاق الناظوري، وقال المتحدث باسم مجلس النواب عبدالله بليحق الموالي لحفتر، إنها “محاولة من الظلاميين للنيْل من المؤسسة العسكرية التي قضت على قوى الإرهاب والتطرف في المدينة ومحاولة لضرب أمن واستقرار بنغازي” فيما لم يفسّر من الظلاميين أو يقدم دلائل، فيما أدانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ما وصفته بمحاولة اغتيال رئيس الأركان التابع لقوات الكرامة عبدالرزاق الناظوري، داعية إلى ملاحقة الجناة وتقديمهم إلى العدالة، كما استنكر السفير البريطاني لدى ليبيا، فرانك بيكر الهجوم على موكب الناظوري، وأدانت السفارة الإيطالية لدى ليبيا أيضًا الهجوم، منوهة إلى أنه لا مكان للعنف والرعب في ليبيا، وأنَّ الشعب الليبي يستحق كل خير، وفق تعبيرها، واستنكرت القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في ليبيا سيتفاني وليامز الهجوم الذي استهدف موكب الناظوري؛ داعية في تغريدة للسفارة الأمريكية على تويتر إلى تقديم المسؤولين للعدالة.
غياب حفتر والناظوري!
سيناريوهات عدة خلّفت غياب الجنرال خليفة حفتر في توابع السكتة الدماغية في أحد مستشفيات باريس، ترتبط في تفسيراتها باستهداف الناظوري، ووفق صحيفة لوموند الفرنسية- هناك أربعة تحديات للغياب تشمل استمرار انسجام “الجيش الوطني” الذي بناه هذا الجنرال وصلابة الدعم القبلي له وغموض علاقاته مع مناصري الزعيم الراحل معمر القذافي، ناهيك عن علاقته بالسلفيين الذين نسج معهم تحالفًا قويًا، ويتمثل التحدي الأول- حسب المراسل- في شبح الانشقاقات الداخلية الذي بدأ يخيم على قوات حفتر التي يطلق عليها اسم “الجيش الليبي”، رغم أنَّ مناوئيه لا يرون فيها سوى “تجمع لعدد من المليشيات”، ويضيف أن الوريث الطبيعي لحفتر هو رئيس هيئة الأركان عبد الرزاق الناظوري، لكن هذا الأخير متورط في فضائح تجعل ترشيحه غير مرغوب، وهو ما يلقي بظلال واسعة عن المستفيد من تغييبه أيضًا، فيما يلمع اسما رئيس الأمن العسكري بالجيش الليبي عون الفرجاني والجنرال عبد السلام الحاسي، كما يبرز التحدي الرابع وهم ” السلفيون المداخلة” ففي الشرق الليبي، تعاظم بالفعل تأثيرهم الأيديولوجي، وهم قوة لا بدَّ أن يحسب لها حسابها في المشهد الليبي ما بعد حفتر.
في السياق نفسه حذر تقرير لموقع تابع لمعهد «أمريكان إنتربرايز» قبيل استهداف الناظوري من أنَّ موت حفتر أو عجزه عن أداء مهامه سيخلق فراغًا في السلطة ويشعل صراعًا للسيطرة على المنطقة الشرقية في ليبيا، مشيرًا إلى أن اختفاء حفتر من الساحة السياسية، سواء حاليًا أو مستقبلًا، يتسبب في زعزعة استقرار المنطقة الشرقية، وعرقلة العملية السياسية الهشة الساعية لتحقيق توافق وطني، وتوقع التقرير عدة سيناريوات لما قد يحدث في شرق ليبيا، تتوازى مع تقرير لوموند الفرنسية في أن غيابه قد يؤدي إلى انقسام الجيش الليبي؛ حيث أكد أن بعض منافسي حفتر في الشرق تحركوا بالفعل ضد عائلته وداعميه، وأنه لا يوجد نائب أو خليفة لحفتر لتولي منصبه، وهو ما يمكن قراءة استهداف الناظوري من خلاله في ظل تواتر الحديث عنه، فضلًا عن أن غياب حفتر عن المشهد السياسي سيشعل منافسة على السلطة، بدلًا عن تسهيل المفاوضات السياسية؛ إذ يوفر ذلك الفرصة للمجموعات المسلحة لإعادة التفاوض بالقوة على ديناميكيات السلطة، مما يعرقل التقدم البسيط الذي حققته الجهود المصرية لتوحيد الجيش الليبي، على أن السيناريو الأسوأ هو اشتعال صراع نشط داخل صفوف الجيش الوطني وبين الجيش الوطني ومعارضيه، مما يعرقل جهود التوافق الوطني ويعود بالبلاد إلى خانة الفوضى.
مصر والإمارات عاملان مهمان في قراءة سيناريوهات ما بعد حفتر، ووفق مراقبين، دخلت الدولتان سباقًا مع الزمن لترتيب مرحلة ما بعد غيابه، سواء لجهة اختيار خليفة له أو منع انهيار “عملية الكرامة” التي أطلقها حفتر عام 2014 في مناطق شرقي ليبيا، وبحسب تقارير إعلامية فإنَّ الإمارات ومصر ترغبان في ترشيح أحد ثلاثة أشخاص لخلافة حفتر في منصب “القائد العام للجيش”، على رأسهم اللواء عون الفرجاني، وهو من أبناء عمومة حفتر وأحد أهم مساعديه، أما الشخصان الآخران فهما الرائد خالد خليفة حفتر الذي يقود إحدى أكبر الكتائب العسكرية في قوات والده، والثالث هو اللواء عبد السلام الحاسي الذي يشغل منصب قائد غرفة العمليات العسكرية لعملية الكرامة، وهنا يمكن قراءة استهداف الناظوري بأنه إما استهداف مصري إماراتي أو إبراز شخصي من الناظوري نفسه عبر عملية فاشلة يعلم نتائجها مقدمًا.
فرنسا كلمة سر مهمة في الترتيبات كذلك، ووفق الكاتب والسياسي الليبي محمد بويصير، المستشار السياسي السابق، للواء خليفة حفتر، كشف أنَّ اللواء عون الفرجاني، مع أربعة من أولاد المشير حفتر، منهم ابنه صدام، يبحثون الآن بإشراف المخابرات الخارجية الفرنسية، حسم موضوع الخلافة، وهم لا يريدون رئيس الأركان الحالي، عبد الرازق الناظوري، ويرشحون اللواء عبد السلام الحاسي، آمر غرفة العمليات بقوات حفتر”، مضيفا أنّ “فرنسا هي التي تقود عملية الاختيار، أما تأجيل الخلافة فيحصل لإقناع رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح بذلك، وإزاحة الناظوري”، وفق تقديراته، وهنا يمكن فهم سر استهداف الناظوري.
اغتيال أو افتعال!
وفق مراقبين، فإنَّ عملية أو محاولة استهداف الناظوري كانت من وجهة نظر منطقية ومتسقة مع سياق الأحداث والوقائع، ولا يمكن أن تكون إلا واحدة من اثنتين: إما أن تكون عملية تستهدف تصفيته لإزاحته من السباق المحتدم نحو منصب القائد العام، وإمّا أن تكون عملية “مفتعلة” يريد الناظوري أن يجني ثمارها ويوظفها لحسابه ويُظهر لليبيين أن هنالك من يدرك أهميته وثِقَله ويريد الخلاص منه..
احتمال افتعال العملية أكثر من جدّي بالنظر إلى عدم تسجيل أية إصابات أو خسائر بشرية في صفوف رتل الناظوري/ لكن في كافة الأحوال، فإنه يبدو أن معركة الخلافة سوف تشهد المزيد من السُّعار وقد تنتقل من الأروقة والصالات المظلمة إلى العلن في أية لحظة، وهذا الأمر عادي في ظلّ طبيعة المشهد، وأهمية المنصب، وعِظَم الرهانات الدولية والتجاذب الإقليمي الذي قد يحوّل اختفاء حفتر إلى كارثة إستراتيجية بالنسبة إلى داعميه وأنصاره، فيما يرى البعض أنّ مصر والإمارات ستكون أكبر الخاسرين من غياب حفتر عن المشهد الليبي، بعد أن عملتا لسنوات على الاستثمار فيه عبر دعمه سياسيًا وعسكريًا بكل الطرق الممكنة، وقد تعاني مصر أزمةً أمنية كبيرة من جهة الغرب إذا انفلتت الأمور في شرق ليبيا وعادت الجماعات المتطرفة المعادية لمصر للسيطرة عليه مرة أخرى.
اضف تعليقا