وكعادته فى ابراز اللقطة الاعلامية فقد اعلن عبد الفتاح السيسى ان عام 2018 هو عام الصحة والتعليم فى مصر ، وكان متوقعا أن يسعى النظام الى نشر عدد من الشعارات واطلاق المبادرات للتسويق لحالات نجاح سريع واعتبارها مؤشرا على تحسن الحالة الصحية بخلاف الواقع الذى يعيشه المصريون ؛ ويما يلى نعرض عددا من تلك اللقطات السريعة :
أولا : السلام الجمهورى وقسم الطبيب فى المستشفيات
فور توليها الوظيفة ؛ خرجت وزيرة الصحة والسكان بتصريحات حول تعميم السلام الوطنى وقسم الطبيب فى المستشفيات فى الصباح والمساء لتعميق الانتماء للوطن وهذا يعتبر نوعا من الوطنية الزائفة وهي نمط من التفكير، وجد لكي يُخفي العيوب فهو ينقلك إلي ساحة المطْلقَات والعموميات والشعارات التي تخيف الناس عن مناقشة المشكلات، فبدلا من أن نناقش مشاكل الصحة في مصر، نغني النشيد الوطني،.وهل السلام الوطنى يحل المشكلة ؟ . ومن المؤسف تعليمات الوزيرة كانت تستدعى سرعة انشاء شبكات الاذاعة الداخلية بالمستشفيات لبث النشيد فى حين ان المستشفيات تفتقر الى منظومة الحماية المدنية للانذار بالحريق كما ظهر واضحا يوم حريق الجناح الجديد بمستشفى الحيسين الجامعى بقلب القاهرة فى نفس توقيت تصريحات الوزيرة .
ثانيا : مشكلة قوائم الانتظار :
هى مشكلة حقيقية ظهرت واضحة خاصة بعد قيام الدولة بمصادرة عدد كبير من المستشفيات والمراكز الصحية التابعة للجمعيات الخيرية مثل الجمعية الطبية الاسلامية والجمعية الشرعية والشبان المسلمين . اصبحت امستشفيات الصحة الحكومية وحدها فى الساحة . فى حين برزت ستة اسباب للمشكلة وهى : 1) وجود نقص المستلزمات والأدوية 2) سوء توزيع المرضى على بعض المستشفيات ، 3) نقص أطباء التخدير والرعاية المركزة والتمريض، 4) قلة عدد غرف العمليات وأسرة الرعاية المركزة ، 5) عدم وجود نظام مميكن لقوائم الانتظار، 6) ضعف التعاون والتنسيق مع المستشفيات الجامعية. وفى إحدى كلماته خلال شهر ديسمبر الماضى أعلن السيسى انه قد تم الانتهاء من قوائم الانتظار بمساعدة مستشفيات الجيش والجامعات واعتبرها حالة نجاح . وهنا الملاحظة الخطيرة وهى ان دخول الجيش لحل المشكلة يعنى انه لم يتم تطوير وتحديث مستشفيات الصحة ، بل زادت المشكلة لأن تمويل قوائم الانتظار من موازنة وزارة الصحة عبر برنامج العلاج على نفقة الدولة قد تم توجيهه بالكامل الى الجيش والجامعات وتم اهدار جق المواطن المصرى فى الخدمة الصحية المجانية اليومية والتى كان يتم دعمها من خلال الرصيد التراكمى لتلك الاموال . وهذا يعنى انه تم حل مظاهر المشكلة فى حين أن اسباب المشكلة قد زادت حدتها واقعيا
ثالثا : مبادرة مائة مليون صحة : (ثلاثة محاور ):
وأعلنت وزيرة الصحة، أن الاثنين 1/10/2018 ، ستبدأ انطلاق حملة مواجهة فيروس سي والأمراض السارية، فى حين أعلن ممثل البنك الدولى فى مصر أن البنك قدم ٣٠٠ مليون دولار لمسح مواجهة الأمراض السارية، وأيضًا ١٢٩ مليون دولار لمواجهة فيروس سي . باجمالى 429 دولار أى مايوازى 7.6 مليار جنيه مصرى وهى تكلفة مرتفعة جدا خاصة وأن البديل موجود وهو وحدات طب الاسرة وبها الملفات العائلية بجميع وحدات الصحة ومن السهل تفعيلها لتحقيق المستهدف بدلا من اهدار التمويل فى امور شكلية .
محور فيروس سى : تتناول التصريحات اعداد من تم اجراء التحاليل الطبية لهم ، ولكن تبقى مشكلة خطيرة لم يتم الاشارة اليها وهى وجود عدد لايقل عن 170 الف اصابة جديدة بالعدوى بفيروس سى سنويا ( بحسب احصائيات 2016 ) وكان ينبغى الاهتمام بمنع انتشار العدوى بالمستشفيات والمنشآت الصحية والتى تعانى من نقص حاد فى المطهرات والجوانتيات والمستلزمات الضرورية للتحكم فى انتشار العدوى ،
محور السمنة : تناول السيسى هذا المحور بطريقة اثارت تعليقات كثيرة حيث تحدث عن ” الكرش ” وعن ” الرياضة ” ، وهذا المدخل يعتبر تسطيحا للمشكلة لأن السمنة ليست فى البطن فقط ولكنها انواع متعددة ، كما أن ممارسة الرياضة تعتبر أمرا بعيد المنال فى مصر نظرا لعدم وجود منشآت رياضية تناسب مجتمع به 28 % تحت خط الفقر ، وحتى الملاعب الخماسية التى انتشرت مؤخرا بالريف لم تسلم من الهدم والازالة لأكثر من 2650 ملعبا بدعوى تجريف الارض الزراعية . كما أن مشاكل سوء التغذية منتشرة بين طلبة المدارس لفشل برامج التغذية المدرسية رغم انها ممولة من صندوق الغذاء العالمى .
محور مرض السكرى : المسح الطبى مهم وهذا امر لاشك فيه ، ولكن ماهو الوضع بالنسبة الى 12 مليون مريض بالسكري تعتمد نسبة كبيرة منهم على عقار الأنسولين، بالإضافة إلى حوالي ربع مليون طفل، وجميع هؤلاء يعتبر الأنسولين بالنسبة إليهم مسألة حياة أو موت. فى حين يتم رفع السعر على فترات متقاربة مما يشكل خطورة كبيرة على استمرارية تعاطى العلاج .
رابعا : مشكلة هروب الاطباء من مصر : وكما هو معتاد من اعتبار الاطباء هم سبب القصور الصحى فعند حدوث كارثة وفاة مرضى الفشل الكلوى فى احدى المستشفيات المركزية يوم 15سبتمبر 2018 فقد سارعت وزيرة الصحة بالاعلان عن وجود نقص حاد فى الاطباء وأن 60% من الاطباء بالخارج وتحدثت بعدها عن ضعف الانتماء وعن واجب التضحية من أجل الوطن ، وأهملت تماما تناول الاسباب الحقيقة لسفر الاطباء للخارج وهى : ضعف الدخل والذى لايتجاوز 140 دولارا شهرا ، وسوء بيئة العمل وعدم توفير الالات والتجهيزات والادوية والمستلزمات ،و الضرب والاعتداء من المواطنين والشرطة والنيابة وعدم الامان الوظيفى،والتحويل للمحاكمة والحبس ، واتعرض للعدوى فى حين ان بدل العدوى كما هو 19 جنيه مصرى شهريا ( حوالى دولار واحد شهريا ) بعد رفض وزارة الصحة زيادته ،،،
وكانت التصريحات الصادمة بعدها لرئيس الوزراء بمنع سفر الاطباء للخارج وعدم تجديد الاجازات لهم ، واقتراح فتح كليات جديد للطب لزيادة عدد الاطباء ، وهذه كلها قرارات تزيد من حدة المشكلة وترفع من نسبة الاستقالات بين الاطباء لأن الاسباب الحقيقة للمشكلة لم يتم مواجهتها .
خامسا : تعاقد هيئة التامين الصحى مع مستشفيات الجيش :
خرجت الصحف فى منتصف شهر ديسمبر 2018 مبشرة بتعاقد التامين الصحى مع الجيش لاستقبال المواطنين زاعمة انها فرصة هامة وانجاز خطير يخدم المرضى ، ولكن الحقيقة هو هذا الاتفاق جاء بعد تعثر تطبيق قانون التأمين الصحى الجديد والذى صدر رسميا فى يناير 2018 ، وكان من المقرر ان يبدأ بعدها بستة اشهر ويستكمل على مدى 15 عام ، ولكنه تأجل الى أجل غير مسمى لعدم استكمال البنية التحتية لمحافظات المرجلة الاولى لنقص بسبب نقص التمويل .
فى حين ان التعاقد مع الجيش يسلب المواطنينحقهم المشروع فى الخدمة الصحية المجانية بالحكومة ، لأن التأمين الصحى يغطى 60% فقط من المواطنين .. والتعاقد مع الجيش يعنى قيام الحكومة بسداد التكلفة من موازنة الصحة المنحفضة وبالتالى حرمان مستشفيات الصحة من موارد كانت تساهم فى التطوير الجزئى وتوفير بعض الاحتياجات .
وبهذا يتكشف كيف يتعامل النظام الحالي مع مشاكل المنظومة الصحية باستخدام الشكليات واسلوب اللقطة والشو الاعلامى والاهتمام بالشكل على حساب الجوهر، وهذه الفلسفة تعمقت مؤخرا في مصر حتى أصبحت نمط حياة، واختارها البعض ليخفي عورات المضمون، فمشاكل الصحة والقطاع الطبي تتعلق بتدهور الخدمات الطبية، وفقر الإمكانات وعدم الاهتمام بالبحث العلمي، وضعف رواتب الأطباء وطواقم التمريض، وعدم قدرة غالبية المصريين تحمل نفقات العلاج، حين لا يغطيهم التأمين الصحي (وهم بالملايين)، لا عدم عزف السلام الوطني في المستشفيات . ولم نسمع من وزيرة الصحة كلمة واحدة عن إصلاح جوانب الخلل التي لا حصر لها في المنظومة الطبية ، ودائما تردد انها تنفذ التوجيهات والتعليمات الرئاسية وفقط .
اضف تعليقا