في ديسمبر كانون الأول من العام الماضي بثت قناة فرانس 24 فيلمًا وثائقيًا بعنوان “الصرخة المكبوتة” لما كان يُعرض عليه من حكايات الفتيات السوريات التي تروي  تعرُضُهُن للإغتصاب والإيذاء البدني والنفسي من قبل نظام الأسد وأتباعه بعد الثورة سواءً كان في السجون النظامية أو مراكز الاحتجاز أو في بيوتهن عندما كانوا يبحثون عن أزواجهن أو أقاربهن للقبض عليهم.

“الحيطان لها آذان” تلك الجمل المشهورة التى سردتها إحداهن عندما سمعتها من أمها حين عنفتها عندما كانت تأتي سيرة الرئيس المُعظم “حافظ الأسد” بين جدران البيت، هكذا ربَّت الأسر السورية فتيانِها وفتياتِها بين جدران الصمت التي يملؤها الفزع والخوف من آلة النظام القمعية التي تسير على رقاب المُعارضين.

المستقبل بين الإزدهار والإغتصاب

تروي الفتاة أن أحلامها كانت بسيطة لاسيما في صحوة مراهقتها، كانت تحلم بالملبس الجميل والتنافس الشريف بينها وبين أصدقائها في أول أيام العيد، من منهُن سيكون الأجمل؟ أو عندما ترعرعت إنسانيتها بعض الشيء وهي ذاهبة إلى الجامعة، تروي أنها كانت ترى كل شيء مُزدهر يُدعى إلى التفاءل من حولها. بينما كانت الوقائع تستترُ وراء الأيام القادمة البائسة.

بدأ الستار ينكشف عندما توقف أتوبيس كانت تستلقيهِ الفتاة لِوصولها للجامعة، تعرف النظام على الإرهابية التي تداوي الجرحي المصابين بعد المظاهرات، أُخذت الفتاة إلى مكان الاحتجاز، كانت التُهم الموجهة لها إمداد العناصر الإرهابية بالسلاح.

بدأت الفتاة تستوحي أحلام العرس التي كانت تتمناه، الزفاف .. فستان العُرس .. الزوج والزينة والأهل عندما رأت ثلاثة وحوش كما ذكرت اثنان منهم يمسكان بأعلى جسد فتاة وحيدة عارية الجسد والثالث يمسكُها من قدمِها وتم اغتصابها بكل عنفٍ، ثم قيل لها أن سوف تُلاقي هذا المصير.

ولكنها قابلت المصير الأبشع عندما إجتمع بها خمسةُ وحوش كما قالت وتم تعريتها وقد فقدت الإحساس وتم اغتصابها من واحدٍ للآخر حتى جاء دور الوحش الخامس وقد امتلأت الأرض من تحت مِهبلِها بالدم حتى فقدت الوعي بينما أفاقت وهي مستلقية على ظهرها تحاول استيعاب ما حدث لها حتى حدثتها المُمرضة وقالت أنها تُعاني من نزيف داخلي نتيجة الإغتصاب و التعنيف الوحشي الذي حدث لجهازها التناسلي وأكملت أن الدكتور متعاطف معها وسوف يُخرجها من المستشفى ويقول أنها ماتت.

التعذيب نهارًا والإغتصاب ليلًا

بينما روت “مريم” مواليد ١٩٨٦م مدينة حماة، ما حدث لها ولرفيقاتِها من تعذيب واغتصاب.

كانت قد نشطت في معالجتها لجرحى المظاهرات التي كانت تخرج بمدينة حماة مما ذاع صيتها لدى قوات الأمن والشبيحة لدى النظام وفي آخر صباحٍ لها قررت أن تزور بيتها التي صارت أربعة أشهر لم تراه هو وزوجها وأولادها وأمها وأبيها، ولكن تفاجئت باقتحام قوات الأمن المنزل والقبض عليها.

تحكي دموع مريم أن صباح الفتيات كان يتم بتعليق أجسادهن على الحائط بعد تجريدهُن من ملابسهِن حيث الضرب المبُرح لهُن والألفاظ البذيئة في شرفهُن، وليلًا ينزل أحدهم ليختار الفتيات حسناوات المظهِر منهُن لتصعد إلى مكتب العميد “سليمان بن طرطوس” كما ذكرت أنها لا تنساه أبدًا وتتذكر دائمًا مكتبِه وطاولته التي يتموضع عليها زجاجات الخمر والسُكر والموالح اللازمة لاستقطاب مزاج المغتصب نحو سباياه الفتيات السوريات الأسيرات تحت وطأته.

تحولت المنهجية في أماكن الإغتصاب من السجون وأماكن الإحتجاز إلى الشوارع والبيوت، فعندما تذهب قوة نظامية لإلقاء القبض على أحد أفراد المعارضة ولم تجدهُ يتم تصوير زوجته وهي تُغتصب من أحدهم وأوقات أخرى يتم اغتصابها أمامه وأمام أولادها كنوعٍ من إذلاله وكسر كرامته. فأصبح الإغتصاب وسيلة نظامية تقاوم بها الثورة وفتياتها.

الاغتصاب أمر عسكري

“الإغتصاب أمر عسكري” هكذا أَمَرَ الضابط العسكري عندما رفض أن يغتصب الفتيات السوريات لأنه يملكُ أخوات بنات مثلهُن.

تحكي “نور” السورية التي تمكُث في الأردن بعدما استطاعت الهرب عن رحلتها مع الإغتصاب في الشقق والسجون السورية.

كانت تمُر هي ورفيقتها على إحدى الحواجز الأمنية حيث رأى الاثنان طفلًا لا يتجاوز الثالثة عشر من عُمره بأيدي الجنود فحاولاَ إنقاذه إلا أن كان مصيرهُن أن تم اعتقالهُن واقتيادهُن إلى شقة في مدينة حِمص يحُرسها شابان يوجد بها ١٥ فتاة معتقلة وامرأة وظيفتها تقديمهُن للضيوف كهدايا وهم في الأغلب ضباط من  النظام السوري.

وفي المرة الأولى تم اغتصاب “نور” ثم نُقلت إلى إحدى مقرات الاحتجاز كما ذكرت اسمهُ كان “فرع فلسطين” التابع للمخابرات العسكرية السورية، وقالت أنها رأت أشياء لا يُمكن وصفها، هي والفتيات المعتقلات التي كان يرتدين الملابس الداخلية فقط طيلة اعتقالهِن في جو شديد البرودة كنوع من الإذلال.

كما استخدم النظام معهُن جميع أنواع التعذيب والإغتصاب مما أصبح شيئًا اعتياديًا يحدُث صباحًا ومساءً وتروي “نور” سبب اشمئزازها من الخبز .. تقول عندما كان يوضع لنا الخبز الجامد من قبل العساكر فنقول أننا لا نستطيع تناولُه فيقوم البعض منهم بالتبول عليه ثم يجبروننا على تناوله وهو ممتزج ببولهِم.

كما تم تفذيعهِن وإخافتِهن عن طريق الجرذان والقطط، كما أنها تروي أنه يتم أفعال سادية جنسية معهُن رفضت وصفها والحديث عنها بشكلٍ تفصيلي.

وذكرت أن القائم على كل أفعال التعذيب والإغتصاب هو الضابط “باسل حزقلي”.

تعاني الراوية من صدمات جسدية ونفسية إلى الآن كما ذكرت “ام زاهر” القائمة بشئون اللاجئات السوريات في الأردن لذات المصدر وقالت نصًا “إن نور تعاني من التصاق في أمعائها وضعف في الحركة بسبب الحقن التي كانت تعطى لها وتحتاج لعلاج نفسي وجسدي طويل حتى تتمكن من العودة لحياتها الطبيعية.

لكنها تستنكر نظرة البعض للمغتصبات وتقول “هؤلاء ضحايا تماما مثل الشهداء والجرحى والمعتقلين ومن العيب معاقبتهن على جريمة هن ضحايا فيها”.

وظنَّ جميع الضحايا أنهُن بمجرد تركهن سوريا سينتهي أمر الاغتصاب بلا رجعة، ولكن بُث على إحدى القنوات التي تبَثُ من ألمانيا في برنامج شباب توك مع المذيع الشاب جعفر في سبتمبر \ أيلول من عام ٢٠١٦ .. كانت إحدى قصص الاغتصاب للاجئة سورية في مدينة هامبورج.

تحكي “سالي” أنها قد كتبت على إحدى جروبات الفيس بوك أنها تريد المساعدة فاستجاب لها شخص ما أنه يعرف فتاة تختصُ بشؤون اللاجئين ويُمكنها مساعدتها عندما تأتي إلى مدينة هامبورج.. وذهبت الفتاة واستضافها في بيته ومن ثمَّ قام بترويعها وتهديدها أنه في بيته ويجب عليه الإنصياع لأوامره، بدأت الفتاة تروي أنها كانت خائفة وبدأ عقلها يتعرض لفقدان الوعي شيئًا فشيئًا، كان يتحرش بها ويلامس كل منطقة في جسدها حتى يفرغُ شهوته منه ويقذف سائله ثم يبتعد عنها ثم يعود مرةً أخرى ولكنه نهايةً تم اغتصابها منه عدة مرات في هذه الليلة بعد أن تمكنت في صباحها من الهرب من الشقة والرجوع إلى برلين.

أماني الرحمون وطفلها

“لم تكن الشهيدة الحية أماني الرحمون لتطلب تشييعًا مهيبًا يليق بحجم الفاجعة، ويعبر عن حجم فظاعة الجريمة” هكذا قال والد القتيلة أماني الرحمون بعدما تم اختطافها هي ورضيعها ومن ثمَّ اغتصابها وبتر بطنها وهي تحمل جنينيها ثم بعد ذلك تذهب لتقابل ربٍها، كانت جنازتها مهيبة بين استياء وغضبة السوريين والأتراك.. بنت حلب التي دُفِنت بعيدًا عن وطنها التي هربت من جرائمه ليحتضنها وطنٌ آخر به مجرمون.

قصص مدينة ريحانلي

بينما روت “ديما” إحدى الفتيات السوريات اللاجئة في مدينة “ريحانلي” وهي إحدى المدن التركية الواقعة على الحدود السورية إلى موقع المينتور..  أن زوجها يعمل سائق تاكسي في لبنان ويرسل لها العائد الشهري الذي لا يكفيها، وأنها قد عثرت على عمل في مصنعٍ للقطن في القرية وسرعان ما تحسنت الظروف إلا أن مديرها في العمل وهو أرمل متوسط العمر بدأ يتحرش بجسدها، ولكنها أبدت الرفض وقالت له نصًا “أن لا يلمسها” ولكنه قال لها إن كانت تريد العمل عليها أن تقبل بذلك.

وتكررت محاولات التحرش والملامسة مضيفًا لها أنها تستطيع جني مزيدًا من المال بالترفيه عنه وعندما رفضت طلب منها أن تُدلي له عن شابات سوريات أخريات له ولأصدقائهِ معللاً حجتهُ بأنهن بحاجة إلى المال. ولكنها تركت المصنع بلا رجعة دون أن تتقاضى راتبها.

وتحكي “ديما” أن كثيرًا من النساء تحتاج العمل لزيادة مستوى المعيشة ويعرف المديرون ذلك بالإضافة أنهم يستغلون ضعف اللاجئات، وكانت الفتاة طالبة تسويق في جامعة تشرين باللاذقية وتزوجت وأنجبت بينما كانت تُكمل دراستها الجامعية.

بينما تحكي “زينة” وهي إمرأة أرملة بعد قنص زوجها وهدم بيتها وفرارها إلى تركيا حيث مدينة “ريحانلي” أنها زوجت ابنتها “مريم” ١٥ عامًا إلى شاب سوري في الثانية والعشرين من عمره يربطه صلة قرابة بعيدة بهما. ولكنها تقول “كان حدثًا كئيبًا وليس مناسبة سعيدة” لم تكن المرأة راضية أن تزوج ابنتها بهذه الطريقة ولكنها وافقت أمام سداد هذا الشاب إيجار الشقة وبعض الفواتير والمستحقات وكان يمكُث معهم بدون حق قرابة قبل أن يتزوج ابنتها.

وأصبحت “مريم” ربة منزل بعدما تركت مدرستها لتتزوج وهي صغيرة من أجل رفع معاناة المعيشة عن أمها ولكي تحفظ نفسها.

المرأة السورية ما زالت هنا

وفي تقرير عن منظمة هيومن رايتس ووتش الذي صُدر في يوليو \تموز عام ٢٠١٤ بعنوان ما زلنا هنا.

التقرير يشرح أثر اندلاع الأزمة في سوريا على المرأة السورية وتعرضها للتعذيب من قبل قوات النظام والميليشيات التابعة لها، والجماعات المسلحة كتنظيم الدولة الإسلامية المُلقب داعش حيث قالت مديرة قسم حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش “لايزال غيرنهولتز” لم تُعفَ المرأة من وحشية النزاع السوري في أي جانب من جوانبه إلا أنها ليست مجرد ضحية سلبية.

إن المرأة تتولى مسؤوليات زائدة- سواء كان هذا باختيارها أو بضغط الظروف ولا ينبغي أن تدفع الثمن ترهيبًا واعتقالاً وإساءة، بل وتعذيبًا. ويوضح التقرير أيضًا مأساة ٢٧ لاجئة تمت المقابلة معهُن لسرد معاناتهِن على أيدي قوات النظام السورية والجماعات المعارضة المسلحة وكيف تم استغلالهُن جنسيًا من أجل المال عند الفرار واللجوء في تركيا ودول أخرى.

وليس فقط المعاناة من النظام والجماعات، بل المجتمع السوري كان له رأي بشأن الأحداث.

المجتمع السوري الشرقي كان يرفض وبشدة المرأة المُغتـصبة وكأنها مجرمة وليست مجني عليها، فلذلك عانت الفتيات من نظرة النبذ لدى العائلة والمجتمع الموجهةُ لهُن بسبب فقدان عذريتهن.

فالمرأة السورية منذ سبع سنوات بين الإختطاف والتعذيب والتحرش والإغتصاب واللجوء والإستغلال و النبذ والرفض.

الآراء الواردة في التدوينة تعبر فقط عن رأي صاحبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر “العدسة