في ظل الدعاية المكثفة التي يروج لها النظام السعودي لمشروع نيوم كرمز للتحول الاقتصادي والتكنولوجي، تكشف التقارير عن واقع مأساوي يتناقض تمامًا مع الرواية الرسمية.
وفقًا لصحيفة “وول ستريت جورنال”، شهد المشروع حوادث اغتصاب جماعي، انتحار، ومحاولات قتل، فضلًا عن أوضاع عمل قاسية تهدد سلامة آلاف العمال الأجانب.
هذا المشروع، الذي يعد جزءًا من رؤية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يبدو أنه أصبح نموذجًا للانتهاكات الإنسانية والفساد الإداري خاصة بعد كشف منظمات حقوقية عن انتهاكات صارخة تحاول المملكة إخفائها أمام الرأي العام.
ظروف العمل القاسية
مشروع نيوم، الذي يمتد على مساحة تقارب حجم ولاية ماساتشوستس الأمريكية، يضم نحو 100 ألف عامل معظمهم من الدول الفقيرة مثل باكستان وبنغلاديش والفلبين.
يعمل هؤلاء العمال في ظروف قاسية لتحقيق جدول زمني طموح وغير واقعي، ما أدى إلى وقوع كوارث إنسانية. تقول الصحيفة إن الحوادث، مثل الاغتصاب الجماعي والانتحار، تكشف عن انهيار منظومة السلامة وعدم وجود بنية تحتية مناسبة للتعامل مع الأزمات.
رغم الترويج لنظام إدارة السلامة في المشروع واعتماده على معايير دولية، فإن الواقع يعكس نقصًا فادحًا في خدمات الطوارئ. تقرير مستقل صدر عام 2022 أكد أن نقص الاستثمار في هذه الخدمات يعرض العاملين والمقاولين لمخاطر كارثية.
ولم يقتصر الأمر على الحوادث العمالية، بل أشار التقرير إلى استخدام أطفال سعوديين في قيادة المركبات التابعة للمقاولين، ما أدى إلى وفيات مأساوية كان ضحيتها عمال أبرياء.
ثقافة الفساد والتجاوزات
تعاني نيوم من تجاوزات مالية وثقافة التنمر والمضايقة، وفقًا للموظفين الحاليين والسابقين. استقالة المدير التنفيذي نظمي النصر المفاجئة، إلى جانب رحيل مسؤولين آخرين، تسلط الضوء على أزمة قيادة داخل المشروع.
وتشير التقارير إلى أن بعض الموظفين الغربيين يتمتعون بامتيازات خاصة، بما في ذلك تهريب الخمور وإقامة الحفلات، بينما يعاني العمال الآسيويون من ظروف معيشية غير إنسانية في المعسكرات.
في إحدى الحوادث، نظم العمال احتجاجًا عنيفًا ضد سوء جودة الطعام المقدم لهم، حيث تحولت الاحتجاجات إلى فوضى انتهت بتدخل الطهاة. في حادثة أخرى، توفي خمسة عمال في أسبوع واحد نتيجة ظروف العمل الخطيرة، ما يعكس استهتار الإدارة بسلامة العاملين.
تجارة بالبشر
تتكرر الشكاوى حول الأوضاع غير الإنسانية التي يعيشها العمال الأجانب في المشروع. شهدت المعسكرات حالات اغتصاب جماعي، انتحار، ومحاولات قتل، فضلًا عن الاتجار بالمخدرات داخل الموقع. في حادثة مروعة، أقدم عامل على محاولة الانتحار بقطع معصميه احتجاجًا على عدم حصوله على أجره.
هذه الانتهاكات، التي تتم تحت غطاء مشروع “رؤية 2030″، تعكس فشل النظام السعودي في حماية حقوق العمال وفي التعامل مع التداعيات الاجتماعية والإنسانية لمشروع طموح بهذا الحجم.
الخلاصة أن نيوم التي تسوَّق على أنها مدينة المستقبل، تعكس في الواقع الوجه القمعي للنظام السعودي. يتم تنفيذ المشروع على حساب المجتمعات المحلية والعمال الأجانب، في ظل تجاهل حقوق الإنسان وقيم العدالة. تواجه المملكة اليوم انتقادات واسعة بسبب استخدامها لعمالة رخيصة واستغلالها لتحقيق أهدافها الاقتصادية، بينما يتم تجاهل الآثار السلبية لهذه السياسات على المجتمعات والبيئة.
مشروع نيوم هو أكثر من مجرد مدينة مستقبلية؛ إنه نموذج لفشل السياسات الاقتصادية التي تعتمد على قمع العمال واستغلالهم. على المجتمع الدولي أن يتحرك لمحاسبة النظام السعودي وضمان حماية حقوق العاملين في هذا المشروع وغيره من المشاريع الضخمة التي يروج لها النظام.
اقرأ أيضًا : فضائح منتدى حوكمة الإنترنت 2024 تكشف بروباغاندا بن سلمان لتلميع الصورة.. تفاصيل مثيرة
اضف تعليقا