قبل أربعة سنوات، في 2 أكتوبر/تشرين 2018، دخل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي إلى القنصلية السعودية في اسطنبول وقتل بوحشية على يد عملاء تابعين للسلطات السعودية ومقربين من ولي العهد السعودي الذي خلصت نتائج تحقيقات الاستخبارات الأمريكية أنه أصدر أوامر مباشرة لتنفيذ العملية.
هذه الجريمة الوحشية تسببت في تشويه سمعة السعودية بشكل عام، ومحمد بن سلمان بشكل خاص، إذ قرر قادة العالم -بصورة ضمنية- عزله عن الحظيرة الدولية وعدم التعامل معه على المستوى الدبلوماسي بشكل مباشر، في حين دعا نشطاء حقوق الإنسان وسياسيين بارزين إلى محاسبة الجناة وتحقيق العدالة لخاشقجي.
لكن بعد أربع سنوات من هذه الجريمة البشعة قرر زعماء ورؤساء الدول التراجع عن مواقفهم من محمد بن سلمان بسبب حاجتهم للنفط والغاز بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وسافروا إلى السعودية بحثًا للقاء محمد بن سلمان مباشرة ومحاولة إيجاد سبل لإقناعه بزيادة إنتاج النفط.
فيما يلي نظرة على تحول مواقف عدد من قادة العالم البارزين:
الولايات المتحدة
سابقًا: خلال المناظرات أثناء الحملة الانتخابية لرئاسة الولايات المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، سُئل المرشح جو بايدن إذا كان سيوقع عقوبات على القادة السعوديين بسبب مقتل خاشقجي، أجاب: “أتعهد بأننا لن نبيع لهم المزيد من الأسلحة، بل سنجعلهم يدفعون الثمن… سيكونون منبوذين”.
حاليًا: في يوليو/تموز 2022 زار جو بايدن المملكة العربية السعودية لأول مرة كرئيس، وانتشرت صورة له مع بن سلمان وهو يصافحه بقبضة يد (في إشارة على العلاقات الودية).
الزيارة واجهت انتقادات واسعة حتى قبل أن يسافر بايدن، لكنه حاول تبرير موقفه عبر مقال نشره في صحيفة “واشنطن بوست”، إذ قال: “هدفي هو إعادة ضبط العلاقات – ولكن ليس قطعها – مع دولة كانت شريكًا استراتيجيًا لمدة 80 عامًا“.
فرنسا
سابقًا: في اتصال هاتفي مع العاهل السعودي الملك سلمان في أكتوبر/تشرين الأول 2018، أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن “استيائه العميق من جريمة اغتيال خاشقجي وطالب بالتحقيق في الواقعة لمعرفة الأسباب التي أدت إلى ذلك“، وحسب بيان صادر عن مكتبه، أكد ماكرون “لن تتردد فرنسا في اتخاذ عقوبات دولية مع شركائها الدوليين ضد الجناة”.
حاليًا: في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أصبح ماكرون من أوائل القادة الغربيين الذين التقوا بمحمد بن سلمان – خلال زيارة إلى الشرق الأوسط – منذ مقتل خاشقجي، وفي يوليو/تموز، استضاف الرئيس الفرنسي محمد بن سلمان في باريس، واستقبله بحفاوة بالغة واستعدادات باهظة.
المملكة المتحدة
سابقًا: قبل أن يصبح رئيسًا للوزراء، عبر السياسي البريطاني بوريس جونسون في مقال له في صحيفة التلغراف عن استيائه من مقتل خاشقجي، ووصف الجريمة بأنه “وحشية“، مضيفًا “لا يجب أن تصبح هذه الجرائم نمطًا منهجيًا... لا يمكننا السماح لها بالمرور”، وتابع “لدينا شراكات تجارية وأمنية مهمة مع المملكة العربية السعودية، مع ذلك يجب على المملكة المتحدة والولايات المتحدة قيادة الدول الأخرى في محاسبة السعودية على ذلك “.
حاليًا: بعد أن أصبح رئيسًا للوزراء، زار جونسون الرياض في مارس/آذار والتقى بمحمد بن سلمان لمناقشة “ملف الطاقة” وتأمين الحصول عليه بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وقال جونسون عندما سُئل عن سجل حقوق الإنسان السعودي “على الرغم من كل ما حدث، السعودية تشهد تطورًا كبيرًا وتغييرات… شراكتنا مع السعودية لها قيمة عالية”.
تشغل منصب رئيسة وزراء بريطانيا الآن ليز تروس، التي كانت وزيرة الخارجية في حكومة جونسون، ولم تختلف سياستها كثيرًا عن سياسات جونسون، سواء حين كانت وزيرة أو حين أصبحت رئيسة للوزراء، إذ أكدت في أكثر من مناسبة أن “المملكة العربية السعودية شريك مهم للمملكة المتحدة“.
ألمانيا
سابقًا: في أكتوبر/تشرين الأول 2018 بعد اغتيال خاشقجي، أوقفت ألمانيا مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية، إذ أدانت المستشارة آنذاك أنجيلا ميركل ووزير الخارجية هايكو ماس مقتل خاشقجي “بأشد العبارات الممكنة”، وأوضحوا في بيان: “المعلومات المتاحة عن الأحداث في قنصلية اسطنبول غير كافية”،ووافقهم الرأي أولاف شولتز، الديموقراطي الاشتراكي، وزير المالية آنذاك، واصفا جريمة القتل بـ “الوحشية” وقال إن المسؤولين عنها يجب أن يحاسبوا.
حاليًا: زار المستشار الألماني أولاف شولتس، خليفة ميركل، المملكة العربية السعودية نهاية الأسبوع الماضي والتقى بمحمد بن سلمانشخصيًا، وعلى الرغم من أنه قال للصحفيين إنه ناقش قضايا حقوق الإنسان مع ولي العهد، إلا أنه قال أيضًا إنه يريد توسيع الشراكة بين الدولتين في مجالات الطاقة.
في الوقت الذي يتودد فيه قادة العالم لمحمد بن سلمان لإعادة العلاقات، تستمر الجهود السعودية لتلميع صورة المملكة من خلال استثمارات بمليارات الدولارات في الأحداث الفنية والرياضية والثقافية رفيعة المستوى، للتغطية على الجرائم البشعة وانتهاكات حقوق الإنسان.
في المقابل، يستمر القمع السعودي في الداخل، قبل أسابيع أصدرت المملكة العربية السعودية أحكامًا بالسجن لعقود على التغريدات، وحكمت على مراهقين بالإعدام بسبب احتجاجاتهم، كما تستمر حملات الترهيب ضد المعارضين والمنتقدين في الخارج.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا