العدسة – معتز أشرف
“77 قائمة ينضوي تحتها 917 مرشحًا “بهذا العدد أسدل الستار منتصف ليل الاثنين على المشاركين في السباق الأصعب للانتخابات النيابية المقبلة بلبنان، بعد أن انتهت مهلة تسجيل القوائم الانتخابية في وزارة الداخلية اللبنانية، ليترقب الجالسون في الرياض وطهران الانتخابات عن كثب قد يفوق لدى البعض اهتمام الناخب اللبناني، الذي يعلم جيدا أن بلاده لا تعرف الاستقرار لكنها تعرف جيدا التدخلات من كل حدب وصوب، التي تتجه فيها المؤشرات إلى تقدم واضح لجبهة إيران على تحالفات محمد بن سلمان ولي عهد السعودية الذي يحاصره الفشل في أكثر من مكان، وسط تخوفات من تصاعد الصراع عقب الانتخابات عبر لجوء البعض للفوز بالثلث المعطل لتتعطل معها لبنان فترة أطول!.
أبرز القوائم
بحسب وزارة الداخلية اللبنانية، فقد أقفل باب تسجيل قوائم المرشحين للانتخابات النيابية العامة، وبلغ العدد الإجمالي القوائم الانتخابية المسجلة 77 قائمة من بين 917 مرشحًا، حيث بلغ “العدد الأكبر من القوائم الانتخابية المسجلة في دائرة بيروت الثانية وقد بلغ عددها 9 قوائم، وسجّل العدد الأدنى من القوائم في دائرة صور- قرى صيدا (جنوب لبنان)، وقد بلغ عددها قائمتين فقط، في انتظار إجراء الانتخابات النيابية بلبنان في 6 مايو المقبل، والتي تنطلق على أساس جديد هو تقسيم المحافظات اللبنانية الخمسة إلى 15 دائرة انتخابية على أساس نسبي، ومن أبرز القوائم المتنافسة: “التيار الوطني الحر” الذي يرأسه وزير الخارجية جبران باسيل، موال لرئيس الجمهورية ميشال عون، وتيار “المستقبل” برئاسة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وتحالف لحزبي “القوات” (برئاسة سمير جعجع) والكتائب (برئاسة النائب سامي الجميل) وقوائم من بعض شخصيات المجتمع المدني والحزب “التقدمي الاشتراكي” الذي يرأسه الزعيم الدرزي النائب وليد جنبلاط، بجانب قوائم التكتليين الشيعيين، حزب الله” وحركة “أمل” التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري وتنظيم الأحباش، إضافة إلى قائمة لرئيس حزب “الحوار الوطني” فؤاد مخزومي، وقائمة رئيس حزب “التوحيد العربي” وئام وهاب (حزب درزي)، والحزب “السوري القومي الاجتماعي، وقائمة نائب رئيس مجلس الوزراء السابق النائب ميشال المر (شخصية سياسية أرثوذكسيّة) وقائمة وزير العدل السابق أشرف ريفي (منشق عن تيار المستقبل)، وقائمة رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق نجيب ميقاتي، وقائمة قوى “8 آذار” وقائمة “الجماعة الإسلامية” ( الإخوان المسلمين)، وقائمة تيار “المردة” وقائمة رئيسة “الكتلة الشعبية” ميريام سكاف (شخصية مسيحية كاثوليكية) بجانب المستقلين.
صراع التدخلات!
التدخلات الخارجية هي الملمح الأبرز للانتخابات اللبنانية، بحسب كثير من المراقبين، ووفق التصريحات المعلنة من بعض البلدان، وبات الحديث عنها خاصة في صراع طهران الرياض جزءًا من الحديث الدعائي الانتخابي، ووفق الباحث في الشؤون الإستراتيجية، وفيق إبراهيم، فإن الصراع الإيراني- السعودي حاضر بقوة في هذه الانتخابات التي تجري وسط صراعات حادة في الإقليم، ما يعني أنها تعكس هذه الصراعات بشكل موضوعي، باعتبار أن النظام اللبناني، مرتبط بالإقليم بدون انتخابات، فكيف الحال مع وجود انتخابات، موضحًا أن الانتخابات النيابية في لبنان هي المنتج الفعلي للسلطة السياسية، بمعنى أنها هي التي تؤدي إلى انتخاب رئاسة الجمهورية، وإلى اختيار رئيس الوزراء والحكومة، لذلك هذه الانتخابات هي المأمول منها أن تنتج النظام السياسي المقبل، وهي قصة الصراع الدائر بين طهران والرياض، موضحًا أن الصراع وصل إلى حده الأقصى، ما ينعكس على الداخل اللبناني، فالسعودية تحاول اليوم تجميع كل حلفائها في لبنان، في إطار قوائم محددة وموحدة، ويبدو أن حزب الله في المقابل يحاول تجميع كل حلفائه، ما يعني أن وسائل حادة جدا ستجري في هذه الانتخابات للسيطرة على السلطة في لبنان، أو على الأقل يحاول كل طرف أن يؤمن دعما يبعد شر الطرف الآخر عنه”.
محمد رعد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله – حركة الأمل ) أشار إلى ذلك خلال لقاءاته السياسية في العديد من قرى الجنوب، مؤخرا بقوله: “إننا ماضون في الحفاظ على هويتنا الوطنية المقاومة، وعلى سيادة وطننا، حتى لا يقع فريسة الابتزاز والارتهان لأيّ من سياسات الدول التي تعادينا، أو الدول التي تنخرط في مشروع عدائنا وهي تدعي صداقتنا وأخوتنا، إننا مرتاحون للنتائج الانتخابية لثقتنا بشعبنا”، في إشارة واضحة للسعودية التي كثيرًا ما ينتقدها قادة حزب الله علنا، بسبب تدخلاتها في الانتخابات.
وعلي الجانب الآخر، اتهم رئيس الوزراء اللبناني وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري قبل يومين، بعض المرشحين في الانتخابات النيابية المقبلة، بالولاء لبشار الأسد وإيران، وفي ختام جولته بشمال لبنان، شدد “الحريري” على أن من لا ينتخب التيار لا يجب أن ينتخب “حزب الله”، محذرا “من أن هناك من يريد تسليم قرار طرابلس والشمال إلى زمن الوصاية” مؤكدا أن “زمن الاستيلاء على قرار الشمال والاستقواء بالمخابرات والسلاح لن يعود”، وأشار “الحريري” إلى وجود لوائح انتخابية للأسد في محافظة الشمال وغيرها من مناطق البلاد، وتابع قائلا: “دعوهم يعرفوا جميعا، من هم في لوائح بشار والحزب مباشرة أو بالوساطة”، وذكر رئيس الحكومة أن تياره قبل المعادلة ودفع الجميع إلى الاعتراف بأن حماية لبنان تتطلب “وقف التدخل في شؤون الأشقاء العرب” و”منع الحريق السوري من الانتقال” إلى داخل لبنان، وأعلن “الحريري” أن تيار “المستقبل” يخوض الانتخابات بلوائح في كل لبنان تقريبا، في مواجهة “حزب الله”، وقال: “نحن خط الدفاع الأول عن كرامة السنّة، لأن كرامة السنّة من كرامة لبنان، وكرامة لبنان وسلامته واستقراره واعتداله وعروبته أمانة رفيق الحريري لدينا جميعا”.
شبح التدخل أخذ أبعادًا أكبر، على لسان وزير الصناعة اللبناني حسين الحاج حسن، الذي حذر من أن السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول الأوروبية والعربية الأخرى، تحاول التدخل في الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان، كما أكد الوزير المنتمي إلى “حزب الله” اللبناني أن هذه التدخلات لم تعد خافية على أحد، مشددا على أن “همهم واحد، ألا وهو المقاومة في لبنان، وكم ستكون شعبيتها وحضورها في المجلس النيابي”، حسب تعبيره، وأشار الحاج حسن إلى أن تلك الدول بدأت تتكلم عن خطتها علنا وبوضوح، موضحا أن سفارات بعض الدول الأوروبية أصدرت بيانات جاء فيها أن ممثليها زاروا أحد الوزراء وبحثوا معه الانتخابات النيابية القادمة، وعندما أدركت تلك الدول أن هذا كان خطأ إعلاميا نفت هذا البيان، “وكذلك بعض الدول العربية وعلى رأسها السعودية، وكذلك إسرائيل وأمريكا”.
دفاتر الشيكات بحسب مراقبين محسوبين على الخصمين طهران والرياض يعمل بضرواة كذلك في المشهد الانتخابي اللبناني، فوفق محمد على الحسيني، أمين عام المجلس الإسلامي العربي، فإن “حزب الله” يتصدر الانتخابات بالمال الإيراني، فيما يعتبر موقع العهد الإخباري المحسوب على “حزب الله” أن السعودية دفعت مليارات الدولارات لحلفائها للسيطرة على المقاعد الانتخابية.
إيران تكسب!
وتحت المظلة الحاكمة للمشهد الانتخابي من حيث التدخلات، يرى مراقبون أن الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان، امتحان فعلي لمختلف القوى السياسية، قد تكسبه إيران، خاصة أن هذه القوى تخوض هذا الاستحقاق لأول مرة منذ تسع سنوات بعد الاتفاق على قانون جديد يعتمد على النسبية، وأن النتائج في صورتها العامة، تبدو إلى الآن لصالح «الثنائي الشيعي» (حزب الله وحركة أمل) بالدرجة الأولى وعلى حساب «تيار المستقبل» بالدرجة الثانية، ما يعني تقدم إيران على السعودية في موقعة الانتخابات، وفي السياق ذاته يرى البعض أن هناك سعي بين الطرفين السياسيين الأساسيين اللذين كانا يمثلان ما عُرف بفريقي «14 آذار» و«8 آذار»، للحصول على «الثلث المعطل»، وهذا رغم كل التغيرات التي طرأت على هذه الاصطفافات، انطلاقًا من أن الفُرقة السياسية التي ظهرت في السنوات الأخيرة لابد أن تتوّحد في القضايا الإستراتيجية؛ بحيث يكون «الثلث المعطل» السلاح الذي يواجه به كل طرف الطرف الآخر، ومما لا شك فيه أن حصول أي فريق على «الثلث» – أي 43 نائبًا من أصل 128 – يضمن التحكّم بمسار عمل مجلس النواب، وبخاصة في القضايا المهمة التي تحتاج إلى نصاب وأكثرية الثلثين، وأبرزها الانتخابات الرئاسية المقبلة.
اضف تعليقا