لم يشكك الخبراء فيما تعلنه الحكومة المصرية من اكتشافات جديدة وهامة لانتاج الغاز الطبيعي، سواء في شرق البحر المتوسط، او في الصجراء الغربية وشمال سيناء، ومؤخرا في البحر الأحمر، إلا أن التساؤل الذي يبدوا منطقيا، هو غياب أية تأثيرات إيجابية على المواطن المصري من الاكتشافات التي تعلن عنها مصر بشكل شبه يومي.

فهل استغل نظام الانقلاب العسكري، هذه الثروة الكامنة في باطن الأرض، لتطفئة الحرائق الدولية المشتعلة ضده في كل مكان، ولماذا أصبحت موارد المصريين الطبيعية ، حلال على الطليان وغيرهم وحرام علي المصريين الفقراء.

تلاعب وغموض

المختصون الذين تناولوا هذا الموضوع وقفوا أمام إشكاليتين، الأولى هي إعلان الحكومة المصرية قبل أشهر بالاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي المسال، وأنها في الطريق لتصدير الفائض عن الاحتياج المحلي للغير.

أما الإشكالية الثانية المرتبطة بالأولي فهي المتعلقة بتوقيع عقد استيراد للغاز الطبيعي من إسرائيل لمدة عشر سنوات مقبلة، وهي الخطوة التي وصفها رئيس نظام الإنقلاب عبد الفتاح السيسي وقتها، بأن مصر أحرزت “جول كبير في إسرائيل”.

وأمام هذه الإشكاليات طالب المختصون من الحكومة، بالكشف عن هذا اللبس، وتوضيح الغموض الذي يحيط بصفقات الغاز الطبيعي التي وقعتها شركات مصرية برعاية حكومية مع الحكومة الإسرائيلية بقيمة 15 مليار دولار، بعد إعلان وزير البترول في 29 سبتمبر الماضي أن مصر حققت الاكتفاء الذاتي من الغاز.

ووفقا لتصريحات وزير البترول المصري، فإن زيادة إنتاج الغاز وإسالته سيؤدي للتوسع في توصيل الغاز الطبيعي للمنازل، وهو ما ينهي مشكلة “أنبوبة” البوتاجاز، ويقلل فاتورة دعم المواد البترولية.

وحسب المختصين السابقين فإن قرار الاكتفاء الذاتي من الغاز متعلق بالغاز المسال، بينما الغاز الطبيعي الخام، خارج القرار، وبالتالي فإن قرار وقف استيراد الغاز لا يسري على الغاز الطبيعي والذي من بينها ذلك الذي يتم استيراده من إسرائيل.

ويري المختصون أن الاكتشافات الأخيرة لحقول الغاز تشير لتمتع مصر بوفرة كبيرة من الغاز الطبيعي، وكان طبيعيا أن تصل لهذه المرحلة، ولكن لن يشعر بها المواطن لأنها في النهاية مجرد أرقام يتم تداولها، من خلال الشركات التي تقوم بالتنقيب، في إطار محاولة النظام المصري بامتصاص رد الفعل المتوقع بعد بدء إجراء استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل.

تساؤلات مشروعة

وطرح خبراء آخرون تساؤلات تبدوا مشروعة في هذا التوقيت، وهي حقيقة قيام الحكومة المصرية بتخفيض رسوم الإتاوة المفروضة على شركات التنقيب الأجنبية إلى النصف، بالإضافة لحقيقة التزام شركة إيجاس والهيئة العام للبترول بدفع الضرائب المستحقة على الإنتاج بدلا من الشركات، وهل هذه الإجراءات متعلقة بالتخوفات التي أبدتها شركات التنقيب مثل إيني الإيطالية وغيرها، من أن ما تم الإعلان عنه من تقديرات القوة التشغيلية لحقلي ظهر ونور، ليست كما هو متوقع، وبالتالي قامت “إيني” ببيع أجزاء من حصلتها التشغيلية لشركات أخري بريطانية وإماراتية، مع الاحتفاظ بحق التشغيل والإدارة.

لغز الطليان

وأمام التساؤلات السابقة، كشفت تحليلات مختصة، بأن التكلفة الحقيقية للاكتفاء الذاتي لم يشعر بها المواطن المصري، الذي بات يدفع تكلفة استخدام للغاز المنزلي أكبر مما كان يدفعه في استهلاك البوتاجاز، بالإضافة إلي أن محطات الكهرباء التي تم تشغيلها بالغاز الطبيعي، لم تساعد في خفض أسعار الكهرباء، التي من المتوقع أن تشهد مزيدا من الزيادات في موازنة 2019/2020 التي سيتم العمل بها بداية يوليو المقبل.

وحسب التحليلات نفسها، فإن الشركات الصناعية التي تحولت لاستخدام الغاز الطبيعي بدلا من المازوت والسولار، لم تقم هي الأخري بخفض أسعار السلع التي تقدمها للجمهور، بما يعني أن الحديث عن تأثير زيادة إنتاج الغاز الطبيعي لصالح المواطن، ليس له محل من الإعراب حتى الآن.

ويرى المختصون أن التزامات مصر تجاه صندوق النقد الدولي ستجبرها على الاستمرار في رفع الأسعار على المواطنين حتى لو زاد الإنتاج من الغاز الطبيعي، لتحقيق هدف إلغاء الدعم بشكل نهائي، وبالتالي لن يستفيد المواطن المصري من هذه الزيادات في الإنتاج، بل سيكون هو المتضرر الأكبر منها لأنها ستطلق يد الحكومة بصورة أكبر في إلغاء الدعم بصورة أسرع.

وفق ما سبق فإن شركة إيني، أكبر شركة تنقيب عن الغاز في مصر، باعت ما يقرب من نصف حقوق امتياز حقل شروق، لشركات روسنفت الروسية، وبي بي البريطانية، ومبادل الإماراتية، بقيمة تتجاوز 3 مليارات دولار، لكنها احتفظت لنفسها بحقوق التشغيل والإدارة في العقود التي ابرمتها مع تلك الشركات، كما باعت إيني 60% من امتياز حقل نور الجديد، بالرغم من أن دراسات تقييم الاكتشاف لم تنته بعد، وهو ما أرجعه المختصون إلي أن الشركة الإيطالية، تريد توزيع المخاطر وتكاليف الاستثمار، على غيرها من المستثمرين، في مقابل تحصيل أكبر قدر من الأرباح المبكرة قبل بدء الإنتاج الفعلي.

وتشير المعلومات المنسوبة للمدير المالي لشركة “إيني” الإيطالية، إلي أن الشركة أكملت بيع حصص في حقل ظهر المصري، بنسبة بيع إضافية 10% في حقل، لاستبدالها بأصول أخرى، وبناء علي ذلك أصبحت “روسنفت” الروسية مشاركة في مشروع تطوير “ظهر” بواقع 30%، تحتفظ إيني بـ60%، وبي. بي البريطانية 10%  كانت قد اشترتها من إيني نهاية العام الماضي، وهذا ما يخص حصص الامتياز، بينما تختلف حصص هذه الشركات من الإنتاج، إذ إن الشركاء الأجانب سيحصلون على 75% (%40 + 35% من حصص الإنتاج خلال السنوات الأولى: ثلاث أو أربع سنوات)، في حين لن تحصل مصر سوى على 25% من حصة الإنتاج.

فضائح بالأرقام

وتشير دراسات أخري، إلي أن الحكومة المصرية قامت بالفعل برفع أسعار الغاز الطبيعي المستخدم في المنازل والشركات بنسب تتراوح بين 30% و75%، في أغسطس الماضي، وهي الزيادة الرابعة خلال 4 أعوام، بعد زيادة الأسعار في مايو 2014 ونوفمبر 2016، ويونيو 2017.

وترى هذه الأراء فإن هذه الزيادة فضحت ما تعلنه الحكومة المصرية بأنها حققت الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، وأن ما ينتجه حقل ظهر، سوف يرفع مصر لمصاف الدول المصدرة للغاز الطبيعي، كما ردد الإعلام المصري التابع للنظام الحاكم.

واستدل الرأي السابق بما أعلنته وكالة رويترز، بأن مصر رفعت سعر شراء الغاز الطبيعي من شركتي «إيني» و«إديسون» الإيطاليتين أكثر من الضعف، وأن هذه الزيادة على الإنتاج من الاستكشافات الجديدة للشركتين في مصر، ومن بينها حقل ظهر!

ووفقا للرأي السابق فإن شركتا «إيني» الإيطالية و«بريتش بتروليوم مصر» سبق وأن أعلنتا عن اكتشاف حقل جديد للغاز في منطقة تنمية جنوب بلطيم شرق دلتا النيل، أطلقوا عليه اسم «نورس». ووصفت وسائل الإعلام المصري هذا الاكتشاف بأنه «طوق النجاة لمصر من أزمة الغاز الطبيعي»، وأنه يضع مصر على خريطة أكبر الدول لإنتاج الغاز الطبيعي في العالم، بالإضافة للاكتشافات الأخري التي كان يتم الإعلان عنها كل يوم بشكل أثار الكثير من علامات الاستفهام المقلقة، حيث حولت الأخبار التي يتم نشرها عن اكتشافات الغاز، حولت مصر وكأنها أصبحت تسبح على بحيرة من الغاز الطبيعي.

وحسب الخبراء، فإن غاز حقل ظهر علي سبيل المثال 90% منه ملك للشركات الأجنبية، لحين استرداد التكاليف التي تكبدتها تلك الشركات أثناء عمليات البحث والتنقيب، وهو ما قد يستغرق أكثر من عشر سنوات، ولذلك لن تحقق مصر الاكتفاء الذاتي من الغاز كما زعم نظام السيسي.