ربى طاهر
بالفعل هذا ما قد يحدث تحديدًا، فأجهزتك الذكية ما هي إلا وسائل للتجسس عليك، فقد قامت صحفية متخصصة في المجال التكنولوجي تدعى “كشمير هيل”، بإجراء تجربة لفترة استمرت شهرين في بدايات هذا العام، سمحت فيها لأجهزة منزلية خاصة بها بالتجسس عليها.
وكانت الصحفية تسعى لمعرفة ما هو مقدار المعلومات التي تتمكن الشركات المصنعة لتلك الأجهزة الذكية من جمعها، فجعلت من شقتها الصغيرة التي لا تتسع لأكثر من غرفة واحدة منزلًا ذكيًّا، بداية من استخدامها لفرشاة الأسنان الذكية، وحتى جهاز الاتصال الصوتي الذكي أو “السماعة الذكية”.
وبدأت رحلة الخيانة وكشف الأسرار من تلك الفرشاة الذكية الخاصة بالأسنان، والتي لم تستر إهمالها في تنظيف أسنانها لفترة من الوقت، تلاها جهاز التليفزيون الذي فضح تقاعسها عن إنجاز أية أعمال، وتفرغها التام ليوم كامل لمشاهدة البرامج التليفزيونية فقط، ثم جاء دور جهاز الاتصال الصوتي الذكي أو “السماعة الذكية”، والذي كان يقوم بشكل تلقائي بالاتصال يوميًّا بشركة أمازون، أكبر مؤسسة في العالم للبيع بالتجزئة عبر الإنترنت.
وتذكر “هيل” أنها خلال هذه الفترة، كانت تعيش في حالة تجسس تجاري، حيث لم تتوان هذه الأجهزة الإلكترونية للحظة عن فضح كافة خصوصياتها، أخبرت بذلك من خلال إحدى الحلقات النقاشية التي نظمتها مؤسسة “تيد” TED، وحكت عن تلك التجربة التي عايشتها، كما أن إحدى زميلاتها الصحفيات، وتدعى سورايا ماتو، والتي تعمل في موقع “جيزمودو” المتخصص في أخبار التكنولوجيا، قامت بإعداد جهاز توجيه إنترنت (router)، يختص بمراقبة الأجهزة التي تتجسس على خصوصياتها وكلتاهما اكتشفتا أن هذه الأجهزة الذكية التي تحويها منازلهما هي ما كانت تفضح الكثير من تفاصيل حياتهما الخاصة.
واكتشفت “هيل” أن جهاز الاتصال الصوتي الذكي “أمازون إيكو” كان يتصل بخدمات الشركة المصنعة “شركة أمازون” كل ثلاث دقائق، في حين كان التليفزيون يتجسس على كل ما نشاهده من برامج ويرسل بها معلومات من خلال خدمة هولو التليفزيونية، وتقوم هي بدورها ببيعها لسماسرة البيانات.
وبرغم الانزعاج مما قد تم اكتشافه، إلا أن نقل المعلومات في حد ذاته لم يكن هو المقلق في الأمر، ولكن ما كان أهم من ذلك هو كم المعلومات التي يمكن أن تنقل دون أي تحكم أو قدرة على التعقب من صاحبها.
وتذكر “هيل” أنها لا تعلم كيف وأين تم تداول المعلومات الأخرى التي تم جمعها بخصوصها، وقد شغلت قضية جمع المعلومات عن مستخدمي الأجهزة الذكية، وكذلك شبكات التواصل الاجتماعي اهتمامًا عالميًّا في الأيام القليلة الماضية، حيث لم يتم الكشف عن مصير كل هذا الكم من المعلومات التي أثارت تساؤلات عديدة تم تداولها عالميًّا.
قضية موقع “فيسبوك”
حيث لازالت قضية موقع “فيسبوك” للتواصل الاجتماعي مثارة، وتخضع للتدقيق بعد ما تم اكتشافه من بيع معلومات تخص ما يزيد عن87 مليون مستخدم لهذا الموقع لشركة التسويق “كامبردج أناليتيكا”، دون علم من أصحابها، وقد تسببت هذه الفضيحة بتسريب أو سرقة بيانات ملايين المستخدمين، إلى خسائر فادحة وصلت إلى ما قدر من خلال أسهمها السوقية بنحو 60 مليار دولار أمريكي، منذ بداية هذه الأزمة.
كما تسببت هذه الفضيحة كذلك بتهديد مصداقية، بل ومستقبل، هذا الموقع؛ حيث لم تنته الأزمة عند حدود استخدام بيانات العديد من مستخدمي هذا الموقع في التأثير على بعض الأحداث السياسية الهامة مثلما حدث في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، ولكنها امتدت لإثارة النقاش عن مدى احترام المسؤولين عن موقع “فيسبوك” لخصوصية وضمان سرية بيانات مستخدميه، واستحاله اختراق أو وصول هذه البيانات إلى جهات أو دول معينة، وهو ما سيؤدي حتمًا لأداء مختلف من الرقابة أو الترويج لبيانات ومعلومات غير صحيحة.
وقد وضعت شركة “فيسبوك” نفسها ومؤسسها مارك زوكربيرج، في موقف حرج يهدد سمعتها ومصداقيتها أمام مستخدمي الموقع من كافة الأنحاء، كما زادت مخاوفهم من سرقة بياناتهم الشخصية بهذه الصورة.
وبرغم هذه الضجة، فإن بعض المستخدمين لم يهتموا بهذا الحدث، ولم يجدوا أية غضاضة في الوصول السهل إلى بياناتهم من خلال تلك المواقع المجانية التي يدخلون إليها، مثل موقع “فيسبوك” أو “جوجل”، إلا أن “هيل” لم تشعر بهذه الأريحية فيما قامت به من تجربة.
وأعربت “هيل” عن مدى انزعاجها من منزلها الذي أصبح غير مريح بالنسبة لها، ولم تر في هذه الأجهزة أية جدوى، وبدأت ترى مساوئ هذه الأجهزة، وقالت: “إن جهاز إعداد القهوة الذكي كان سيئا جدًّا”، وكذلك جهاز أليكسا الصوتي لم يقدم المهمة المطلوبة، وانتهت إلى أن كل هذه الأجهزة، بما تقدمه، لا تستحق التنازل عن الخصوصية في مقابلها.
وبرغم التركيز الذي تخضع له شركة “فيسبوك” في الوقت الراهن، فإنها لم تكن المرة الأولى التي يتم الكشف فيها عن انتهاك المعلومات الخاصة بالمستخدمين من قبل الشركات عمومًا.
شركات سبقت إلى التجسس
وليس أدل على ذلك مما قامت بفعله شركة “فيزيو” المصنعة لأجهزة التليفزيون الذكي، من تثبيت برنامج لجمع معلومات في 11 مليون جهاز، يختص بمتابعة البرامج التي يتم مشاهدتها، دون معرفة أو موافقة أي من مستخدميها، الأمر الذي أدى بها إلى دفع 2.2 مليون دولار لتسوية قضية رفعتها الوكالة الفيدرالية للتجارة في الولايات المتحدة، عام 2017.
وكانت الشركة قد استطاعت جمع معلومات وبيانات الإنترنت، التي تخص مستخدمي أجهزتها بالإضافة إلى النقاط القريبة إلى الإنترنت اللاسلكي “واي فاي”، التي يمكن الوصول إليها، وكذلك الرمز البريدي، وقامت بعدها شركة “فيزيو” بتداول تلك المعلومات مع شركات أخرى بهدف الوصول إلى المستخدمين لتوجيه إعلانات صممت خصيصًا لهم.
أما أغسطس 2016، فقد شهد مثالًا بارزًا آخر عن نفس القضية باستخدام بيانات خاصة بالعملاء، وهو ما كشفه قراصنة في مؤتمر “ديف كون” للأمن بعدما أوضحوا أن جهاز “وي-فايب” للاستخدام الشخصي، كان يتجسس على بيانات المستخدمين للشركة التي تنتجه، وهى شركة ستاندرد انوفاشن، أثناء التعامل معه في الاستعمال.
وتستنكر “هيل” التركيز في هذه القضية على ما حدث من موقع “فيسبوك”، وترى أن هذا تقليل من شأن هذه القضية التي هي على المستوى الفعلي أكبر وأوسع كثيرًا من مجرد تحجيمها فيما حدث من شركة واحدة، وتشير إلى أن هناك طرفًا ثالثًا دائمًا موجود عند استخدمنا منصات عبر هواتفنا الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي، ولم نتوصل حتى الآن إلى معرفة الشروط التي تتحكم في ذلك، أو حدود مسؤولية الشركات عن هذه التطبيقات، حتى تُبقي البيانات الخاصة بالعملاء آمنة.
إلا أن الأوربيين في انتظارتغيير كل هذا قريبًا، بعد إقرار البرلمان الأوروبي القانون الخاص بتنظيم حماية المعلومات العامة، والذي من شأنه توفير المزيد من السيطرة للمستخدمين على بياناتهم.
في حين يقف الأمر حاليًا على النقيض تمامًا في الولايات المتحدة، حيث لا يملك المواطنون حق الاطلاع على المعلومات التي تحصل عليها الشركات عنهم، غير أن هناك بعض الأحاديث المتداولة عن أن ولاية كاليفورنيا، والتي تقع بها مقرات أغلب شركات التكنولوجيا الكبرى، تناقش حاليًا استصدار قانون يسمح للمستخدمين بالاطلاع على بياناتهم، ويعطيهم الحرية في طلب عدم بيعها.
اضف تعليقا