العدسة – جلال إدريس
الأخطاء الطبية في المملكة العربية السعودية، كابوس يطارد المرضى، رغم المبالغ الضخمة التي تخصصها الحكومة السعودية في كل عام على القطاع الصحي بالمملكة.
ومن عام لعام تتزايد وتيرة الأخطاء الطبية التي تتسبب في وفاة المئات سنويا، داخل مستشفيات المملكة، سواء في مستشفيات القطاع الخاص والمراكز الصحية، أو في المستشفيات الحكومية.
ويرجع مراقبون تزايد معدلات الأخطاء الطبية في السعودية، إلى انعدام خبرة أو كفاءة الطبيب أو الفئات المساعدة، أو نتيجة ممارسة عملية أو طريقة حديثة وتجريبية في العلاج، ما جعلها أحد أهم أسباب ارتفاع الوفيات، حيث تؤكد صحف سعودية أن قضايا حالات الأخطاء الطبية بلغت في المملكة خلال الأعوام الأخيرة 3043 قضية، أدين منها 52.4%، في حين بلغت النسبة المئوية بقرارات عدم الإدانة 47.6%.
دخلت بآلام البطن فخرجت جثة هامدة
آخر تلك الوقائع التي أثارت جدلا واسعا في المملكة، وفتحت هذا الملف مرة أخرى، وفاة فتاة تدعى “رزان الهدهود – 17عاما) داخل المجمع الطبي بالدمام، حيث دخلت الفتاة في الخامس من شهر فبراير الجاري تشكو آلاما بالبطن، لتخرج من المستشفى جثة هامدة.
قصة رحيل رزان (17 سنة)، رواها أخوها علي الهدهود، في تصريحات صحفية، حيث أكد “أن أخته دخلت المجمع الطبي بالدمام (مستشفى حكومي) بعد ألم في بطنها وخرجت منه جثة هامدة، فقد ذهبوا بها إلى الطوارئ، وبعد 13ساعة، تم نقلها إلى غرف التنويم في قسم الجراحة، لعدم توفر سرير في قسم الأمراض الباطنية، وأضاف أن الطبيب، أفادهم بعد 5 أيام بضرورة إدخال أنبوب عن طريق الفم، لتحسين وضع التنفس لدى “رزان” لرفع نسبة الأكسجين، وكانت هي رافضة، وقالت: “إذا وافق أبي على وضع الأنبوب لن أرفض ذلك”.
ويضيف “الهدهود”: “بعد إدخال الأنبوب تسبب في جرح رئتها، وإصابتها بنزيف حاد من الأنف والفم، ولم يستطع الأطباء إيقافه، فماتت بسبب الأنبوب، والدليل على جرح الرئة بالأنبوب هو خروج الدم منها”.
حادث وفاة “رزان” أثار الرأي العام السعودي، الأمر الذي دفع الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية للشؤون الصحية، للتحقيق في الحادثة، والرفع له عاجلا بتقرير عن حالة الفتاة .
وبعد تشكيل لجنة للتحقيق في الحادثة أصدر وزير الصحة السعودي “توفيق الربيعة” الأربعاء 7 فبراير 2018 قرارًا يقضي بإعفاء “عصام بن عبدالله محمد الخرساني” مدير المجمع الطبي الذي تسبب في وفاة “رزان الهدهود”، وذلك لما لوحظ فيه من قصور في الخدمات الصحية المقدمة.
مقص منسي في بطن مريض
القصص الخاصة بالأخطاء الطبية في السعودية ربما لا تنتهي، والشواهد بالمئات وربما بالآلاف، على أن هذا الملف هو واحد من أخطر الملفات الشائكة في القطاع الصحي بالمملكة.
وربما تكون واقعة “نسيان مقص” داخل بطن أحد المرضى بمستشفى الملك خالد في مدينة حائل السعودية، هي واحدة من أغرب قصص الأخطاء الطبية في المملكة، حيث فتحت المستشفى قبل عامين تحقيقًا مع طبيب، بسبب اتهام مريض له بنسيان مقص طبي في بطنه بعد عملية سحب سوائل من المريض.
وذكرت صحيفة “عكاظ” وقتها أن المريض، الذي بث صور أشعة تبين وجود المقص داخل البطن، شعر بألم حاد في البطن، وحضر لطبيبه الذي طلب منه إجراء أشعة، وتبين وجود مقص العملية السابقة منسيًّا في بطن المريض، حيث قام الطبيب فورًا بإجراء عملية أخرى واستخراجه.
صحفي انتقد الأخطاء فمات بها
الصحفي والإعلامي السعودي “محمد الثبيتي” كان أيضا أحد من ماتوا نتيجة الأخطاء الطبية في المملكة، في عام 2015، وأثارت واقعة موته ضجة واسعة في المجتمع السعودي، حيث اشتهر الصحفي بتركيزه على نقد الإهمال في المستشفيات السعودية وارتفاع الأخطاء الطبية فيها، إلا أنه لم يكن يعلم أنه سيقع ضحيتها يوما ما وسيموت بسببها.
“الثبيتي” دخل أحد مستشفيات الدمام (غرب السعودية) عام 2015، لوجود خراج في فخذه غير أنه خرج جثة هامدة، جراء تعقيدات صحية فشِل الطاقم الطبي من معالجتها، إذ عجز عن وضع أنبوب الأكسيجين في فم المريض عندما عانى من صعوبة في التنفس، وهذا ما أدى إلى توقف القلب ثم الدخول بغيبوبة نتيجة تأخر وصول الدم إلى الدماغ.
هذه الحادثة دفعت بالمديرية العامة للشؤون الصحية بالمنطقة الشرقية في السعودية، لإحالة الخطأ الطبي إلى المدعي العام، فيما حظرت سفر الطبيب الذي تولّى الإشراف على وضع “الثبيتي” الصحي.
أرقام صادمة
في يونيو 2017، نشرت صحيفة “الوطن” السعودية إحصائية أعدتها الإدارة العامة لمراكز الطب الشرعي بواسطة نتائج مؤشرات أعمال 22 هيئة صحية شرعية في السعودية لعام 1437 هجرية.
وأظهرت الإحصائية أن عدد القرارات التي صدرت في جلسات قضايا تتعلق بالأخطاء الطبية بلغ العام الماضي فقط 1097 قرارًا تنوعت ما بين إدانة للحَقَّينِ الخاص والعام، أو إدانة للحق الخاص، أو قرار صادر للحق العام أو الصلح.
وارتفع عدد قضايا الأخطاء الطبية المعروضة على الهيئات بشكل تدريجي، خلال السنوات الخمس الماضية، حيث عرض في العام 1433 هجرية نحو 2002 قضية، وارتفع العدد في عام 1437 هجرية إلى 3178، وذلك بارتفاع بلغت نسبته 37%.
وبلغ عدد الجلسات التي عقدتها الهيئات-حسب الإحصائية- نحو 4282 جلسة، صدر خلالها 557 قرارًا ضد وزارة الصحة، و437 قرارًا ضد القطاع الأهلي، و7 قرارات ضد العاملين في القطاعات الجامعية، و75 ضد العاملين في القطاعات العسكرية و21 في مؤسسات صحية أخرى، حيث أدين 0.7% من الأطباء بالمملكة، حكم على اثنين منهم بأكثر من مليون ريال كحد أعلى من الغرامات.
وأظهرت الإحصائية أن مجموع المدعين بلغ 1097، منهم 127 مقيمًا، فيما كان مجموع المدعى عليهم 2166، منهم 440 سعوديًّا، أدين منهم 115 و1726 غير سعودي، أدين منهم 582، حيث كان نصيب الدعاوى على الأطباء الأعلى بـ1915، ثم الفنيين بـ 32 قضية، فيما رفعت دعاوى ضد التمريض والقبالة بواقع 219 دعوى، فيما بلغ عدد المدعى عليهم وأدينوا 470 ذكورًا و227 إناث.
وتفاوتت أنواع القضايا المرفوعة، حيث تصدرت قضايا النساء والولادة بواقع 303 قضايا، تلتها قضايا أمراض الباطنة بـ 125 قضية، فيما كانت قضايا المسالك البولية أقل القضايا المرفوعة بـ 22 قضية، وتنوعت القضايا الأخرى المرفوعة بحسب المدعين، ما بين جراحة عامة، وعظام، وجراحة مخ وأعصاب، وأنف وحنجرة، وجراحة عيون، وأمراض أطفال، وأمراض الأسنان، وتخصصات أخرى.
وبلغ عدد القرارات الصادرة في القضايا التي نتجت عنها الوفاة 408 قرارات، من مجمل القرارات الصادرة 1097، وحكم في 134 منها بالحق الخاص، كما حكم بالتعويض بالحق الخاص نتيجة حدوث الإعاقة بسبب خطأ طبي في نحو 106 قضايا، كما حكم على طبيبين بدفع تعويضات مالية تصل إلى أكثر من مليون ريال.
انعدام الرقابة وسوء النظام
ويؤكد مراقبون، أن الأخطاء الطبية التي تشهدها المستشفيات السعودية أكبر بكثير من الإحصاءات الرسمية التي تصدرها وزارة الصحة، لأن كثيرًا من الحالات التي يقع فيها خطأ طبي لا تسجل نتيجة عدم شكوى المتضررين.
وعن أسباب تزايد “الأخطاء الطبية” في السعودية، يرى الدكتور محمد الخازن، العميد المشارك في كلية العلوم الطبية التطبيقية في جامعة الملك سعود الصحية، أن المشكلة تكمن في انعدام الرقابة ودقة رصد الأخطاء الطبية التي تقع.
ويقول: إن “الجزء الأكبر من المشكلة يعود إلى أن أخطاء كثيرة تقع ولا ترصد، بسبب قصور في الرقابة على الأطباء”، ويتابع: “في دراسة أجريت على إحدى المدن الطبية الكبيرة اتضح أن 41% فقط من الأطباء يلتزمون بتحديد آلام المريض بشكل دقيق، وأن 32% فقط من ملفات المرضى مرتبة بشكل جيد، وأن أغلب الأطباء لا يكتبون متى دخل المريض بالتحديد، ولا المرض الذي يعاني منه، أو الخطوات التي أجريت له، ولا يصححون حتى أخطاء الكتابة”.
ويواصل: “لدينا سوء في النظام، أكثر الأطباء يرتبكون الأخطاء ولا يكتشفون، كما أن الأطباء الذين يتم التعاقد معهم من الخارج إمكاناتهم محدودة، ولا يعرفون حتى الأدوية الموجودة في البلد”.
ويتهم “الخازن”، الذي شارك في تأليف كتاب “المشهد الصحي السعودي” النظام الطبي في السعودية بالغموض وعدم الدقة.
وقال “ليس هناك متابعة، والأنظمة لدينا غير جيدة، حيث يقول المسؤولون إنه حتى أمريكا المتقدمة طبيًّا تشهد أخطاء، لكنهم يحددون الخطأ والمتسبب فيه، أما لدينا فلا تستطيع معرفة المتسبب، لأنه لا يوجد لدينا نظام قادر على كشف تلك الأخطاء، كثيرًا ما تقع أخطاء في التشخيص والعلاج، ولكن لا ترصد، ودائما يختار طبيب أو آخر ليكون كبش فداء، لأنه ليس لدينا دقة في تحديد المسؤولية”.
السلطة تتجه للخصخصة
وعلى ما يبدو أن الحكومة السعودية قررت أن تريح بالها، عن طريق “خصخصة القطاع الصحي”، بعدما فشلت في مواجهة الأزمات المتراكمة في القطاع الصحي الحكومي، حيث كشفت وزارة الصحة السعودية عن توجهها لتخصيص جميع المستشفيات الحكومية، وذلك عبر إنشاء شركة أو شركات تشغيل حكومية لها ملكية المستشفيات الحكومية مع العاملين الحاليين بها، وذلك بهدف تخصيص خدماتها لتحسين الجودة ورفع كفاءة الإنتاج وترشيد التكاليف، فيما طالب المجلس أن يتم التأمين الصحي للمواطنين قبل الخصخصة.
وكان توجه وزارة الصحة سببًا في مطالبة مجلس الشورى السعودي بالإسراع في تطبيق التأمين الطبي لجميع المواطنين، قبل خصخصة المستشفيات التي سيكون هدفها الربحية.
وبلغ عدد المستشفيات الحكومية في السعودية بنهاية عام 2014، 312 مستشفى، في حين بلغ عدد المستشفيات الخاصة 141 مستشفى، فيما تقول الحكومة إن خطة الخصخصة تتماشى مع روية ولي العهد محمد بن سلمان لتطوير القطاع الصحي في 2030.
اضف تعليقا